كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
مع بدء سريان الهدنة في الجنوب سيتكشّف حجم الدمار من جراء الاعتداءات الإسرائيلية والأضرار التي لحقت بالمنازل والمتاجر، وسيطرح بند إعادة الإعمار بنداً أساسياً على طاولة البحث.
يختلف الواقع الراهن عما كان عليه في أعقاب عدوان تموز 2006. يومها، فور وقف الحرب سارعت جهات دولية عدة عربية وغربية لإعلان مساهمتها في إعادة الإعمار وقصد ضاحية بيروت الجنوبية أمير قطر حمد بن جاسم ووزير خارجيته ليعلنا المساهمة في إعادة الإعمار، وكانت لطهران مساهمة أساسية من خلال مؤسسة «جهاد البناء».
لا تشبه ظروف الحرب التي يخوضها «حزب الله» ضد إسرائيل من جنوب لبنان سابقاتها، فالأوضاع تغيّرت كلياً في لبنان والمنطقة ودول العالم، ودول الشرق الأوسط لم تعد على حالها.
أنظمة تبدلت وأخرى على خلاف مستحكم مع لبنان وعلى تباعد مع قادته. منذ تولّيه طوى ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان ورقة لبنان، وفرنسا فشلت في تنظيم مؤتمر لدعم الجيش، فكيف لها أن تنجح في عقد مؤتمر دعم شامل؟ حتى مساعدة قطر ستكون مرهونة بموافقة السعودية، بينما تعاني إيران هذه المرة عقوبات قاسية تمارس عليها تجعلها غير قادرة على تعهد ورشة الإعمار في الجنوب اللبناني.
نتحدث هنا عن قرى بأكلمها دمرت، غالبية منازلها على الأرض ومتاجر ومصالح زراعية وأراضٍ شاسعة صارت محروقة غير قابلة للإستثمار بفعل القنابل الفوسفورية الحارقة التي تعمدت إسرائيل استخدامها. كلفة عالية لا يمكن للبنان التكفل بها ناهيك بموقف القوى المعارضة التي سبق أن أعلن نوابها أنّ من تسبّب بتدمير الجنوب عليه مسؤولية إعماره أي «حزب الله» وايران، ما يؤشر إلى أنّ الإعمار سيكون موضوعاً خلافياً جديداً عما قريب.
في مقابلة له قال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إنّه «لا قدرة للدولة على إعادة إعمار الجنوب وسنرى كيف يمكن تأمين المبلغ المطلوب من الدول المانحة». تلك الدول التي لم تبدِ لغاية اليوم استعدادها للإنغماس في ورشة الإعمار قبل أن تطرح شروطها السياسية. خلال لقائه أفراد الجالية اللبنانية في ولاية ميتشغن الأميركية وعد الموفد الأميركي آموس هوكستين بالمساعدة في إعادة إعمار ما تهدم على الحدود الشمالية لإسرائيل وفي جنوب لبنان، وقال إنّ المنطقة مقبلة إذا ما نجحت المفاوضات المتعلقة بالقرار 1701 وانتُخب رئيس ضامن لهذا الاستقرار على مرحلة من الإزدهار الإقتصادي. وعلم من مصادر مطلعة على أجواء الموفد الأميركي أنّ الولايات المتحدة في صدد الطلب من دول عدة المساعدة في تمويل إعادة الإعمار في جنوب لبنان.
لكن قبل وعود هوكستين واختبار مدى جديتها، كان الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله وعد بإعادة القرى التي دمّرتها اعتداءات إسرائيل أفضل مما كانت، وهو الموقف ذاته الذي سيعيد التأكيد عليه في خطابه المقرّر اليوم. وتقول المعلومات المستقاة من مصادر قريبة من «حزب الله»، كما في أعقاب حرب تموز، كذلك اليوم يلتزم «الحزب» إعادة بناء المنازل والمحال، وأنّ إيران ستكون ممولاً أساسياً لورشة الإعمار التي سترصد لها مبالغ ضخمة لتسريع وتيرة عودة المهجرين إلى منازلهم وقراهم. وليس بعيداً أن تدخل ورشة الإعمار بنداً أساسياً في المفاوضات على المرحلة المقبلة تماماً، كما هو حاصل في غزة، حيث يدرج الإعمار بنداً أساسياً في مباحثات التفاوض.
الفرق بين ترك المستوطنين مستوطناتهم على الحدود الشمالية وعودة الجنوبيين إلى قراهم أنّ سكان الشمال يطالبون بضمانات وينتابهم الخوف من العودة وهناك نسبة كبيرة منهم هجرت المنطقة من دون نية في العودة، بينما لم يبتعد أهالي الجنوب عن قراهم وعددٌ كبيرٌ منهم سيباشر ورشة البناء قبل إقرار المساعدات بفعل الإيمان بالأرض والإصرار على العودة.