هلوسات باسيلية بعد أن تأكد
إنعدام فرص إنتخابه رئيسا
مقال للكاتب والصحافي صفوح منجّد
المواقف العدائية من قبل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وقبله عمه رئيس العهد البائد ميشال عون لم تكن يوما تعبيرا عن حقيقة الأوضاع التي يمر بها لبنان أو نتيجة لتحالفات ميثاقية أو إتفاقيات ذات أبعاد وطنية بل إتصفت وما تزال منذ بروزهما على ساحة العمل السياسي بآراء وإتفاقات بدت لغالبية من عرفهما من أصحاب وأقرباء بأنهما بعيدان كل البعد عن صفات الوطنية الحقّة وعن حسن العلاقة مع الآخرين لاسيما بالنسبة للصهر على قاعدة إلتزامه بالمسلسل المكسيكي “أنا أو لا أحد”.
فقد إنتهج باسيل نهجا بعيدا عن التعامل بصدق ومشاركة منذ كان شابا حيث يشير معظم معارفه أن تصرفاته كانت ولم تزل تقوم على الجنوح نحو تلبية رغباته إستنادا إلى صفة الأنانية المفرطة التي لازمته ولم تزل، ضاربا بعرض الحائط بكل ما يقوم أو يستدعي وجوب الإتفاق والوفاق مع الآخرين والتحسس بأوضاعهم ومطالبهم وبظروف حياتهم حتى ولو كانوا من أبناء ملته ومنطقته ومدينته.
وأكثر أصدقائه (علما أن لاأصدقاء دائمون له فهو لا يقيم أي وزن لهذه المشاعر الإنسانية) يتناولون تلك المرحلة التي رافقوه فيها خلال فترة المراهقة ويشيرون إلى أن هوايته المفضلة كانت لعبة “كرة القدم” التي تتطلب إنخراط اللاعب في جو اللعب الجماعي، وان يبتعد عن “الفردية” التي هي بوابة الخسارة أمام الخصم.
وإمتاز صاحب الرقم القياسي بالجنوح إلى تلك المزاجية والأنانية في إمتلاك الكرة (ومن هنا الرغبة في تملّك كرسي في الوزارة) وعدم تمريرها إلى زملائه من أعضاء الفريق الواحد، ولطالما كان يفتعل المشاكل والمواجهات مع كل من يحاول “تخليصه” الكرة من بين قدميه، بل أنه ينبري إلى قذف اللاعبين من الفريق الآخر بالسباب والشتائم إذا تمكن أحدهم من دفع الكرة من بين قدميه، ويزيد في الطين بلة إذا كان هو من تسبب في تسهيل إنتقال الكرة إلى أحد لاعبي الفريق الآخر ونجاح هذا الأخير في تسجيل هدف.
ويقول البعض من أعضاء فريق صاحبنا (لاسمح الله) أن باسيل كان يفقد سريعا أعصابه ويزداد توتره و”يقذف” العبارات النابية في وجه خصومه بل ويعتدي على كل من يحاول من زملائه تطييب خاطره..
إنها الأنانية التي رافقته عند إنتقاله مع عمه إلى باريس الذي فرّ بدبابة فرنسية من قصر بعبدا إلى السفارة الفرنسية في أعقاب الهجوم الذي شنّه الجيش السوري على بعبدا آنذاك.
وفي المنفى تتلمذ جبران جيدا على يدي العم ليتقن اشكال وأساليب “المراوغة” ومحاولات التملص من المواقف السريعة والخاطئة التي كانت ولم تزل لصيقة بهما معا، ولطالما إستخدما تلك الاساليب في محاولة التملّص من قراراتهما المتسرعة سواء منها المتعلقة بالحكم ومسؤولياته وقراراته أو حتى في الشؤون المرتبطة بمواقف الآخرين.
لذلك لا نستغرب أن يبادر رئيس التيار في مستهل مؤتمره الصحافي الأخير إلى وصف المشهد الداخلي بأنه مقلق وأن الحكومة فاقدة لثقة المجلس النيابي وهي غير شرعية، ومفتقدة لمكون أساسي وهو الميثاقية، في حين أن من يتصفح الصحف الصادرة في الأيام القليلة الماضية يجد أن تصاريح هذا “العبقري” مغايرة تماما لتوصيفاته الجديدة، والمؤكد أن هناك تطورات سياسية قد حصلت مؤخرا إستدعت
هذا الكلام الصادر ربما عن “سياسي مصدوم” أو أنه لمس أن مصيره السياسي بات على “كف عفريت” وأن أقرب حلفائه قد تخلى عنه وعن “مواقفه الغليظة” كما يرددها البعض حرفيا، فأخذ “يطرشق” الكلام يمنة ويسرا وصولا إلى إسلوب التجنّي على الآخرين ممن لا يمتّون إليه بصِلة التقرّب والتزلّف وفي مقدمهم قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون ومحاولة النيل من صفاته وسلوكياته وسمعته حيث بدأ “بهذه المعزوفة” فور تبلغه أنّ عدّة كتل نيابية هي في طريقها لإختيار العماد جوزيف عون مرشحا للرئاسة.
وأغرب ما تفتّق عنه ذهن باسيل هو إستخدامه عبارة “المنظومة” للنيل من خصومه السياسيين متناسيا أنّ هؤلاء الخصوم ومنذ اشهر قد إستنبطوا هذه العبارة للدلالة على من تنطبق عليه هذه الإشارة بالتحديد والكبير والصغير في لبنان بات يدرك أن كلمة “المنظومة” إنما تنطبق عليه وعلى مجموعته الفاشلة المرتكبة والتي باتت قاب قوسين أو أدنى من الإحالة إلى المحاكم المعنية نظرا لما إرتكب هؤلاء من أفعال تدينهم ويستحقون على أساسها العقاب، حيث يُدرك الجميع ان الملاحقات القضائية الأميركية بحق باسيل ما تزال قائمة.
والغريب في أمر هذا “المفتري” أنه يطالب بأن لا يكون الوفاق إنتقائيا في إختيار الوزراء المسلمين والمسيحيين، وإذا لم يطبقوا، كما يقول بإختيار الوزراء المسلمين، لا يجوز أن يطبقوا على إختيار الوزراء المسيحيين وحدهم، وإذا لم يطبقوا على رئيس المجلس ورئيس الحكومة لأنهم من إختصاص المذاهب التابعين لهم ،لايجوز أن يطبقوا على رئيس الجمهورية!! إما شراكة بكل المسؤولية لمن يرفض الحوار أو يرفض بالمطلق الإتفاق.
هذا ليس بكلام واع وصحيح ! إنه الفتنة بعينها! وهو بصريح العبارة يلجأ إلى هذا الإسلوب المقرف بعد أن تبلّغ حليفه وحليف حليفه انهم قد رفعوا أيدهم عن دعمه في إنتخابات رئاسة الجمهورية، فأخذ يهذي ولا ندري إلى أين سيقوده المصير سيما وأنّ أقرب حلفائه ومن التيار نفسه قد باتوا على مسافة بعيدة عنه بعد أن إبتعد هو عن تسمية احدهم كبديل عنه لإنتخابات رئاسة الجمهورية وحصر هذا الترشيح به وحده لا غير!.
ومن تعففه والذي أصبح سيرة على كل شفة ولسان إعلانه بأنه لن يترشح إلى هذه الإنتخابات بإعتبار أنه من الذين يريدون الدولة وليس السلطة! والجمهورية وليس الرئاسة! ولا ندري أين اشار إلى هذه المواقف؟ ومتى قال ذلك؟.
ولا نجافي الحقيقة أن كل من تابع مواقفه الأخيرة وبياناته ووقائع مؤتمراته الصحفية قد خرج وعلى فمه أكثر من إبتسامة وربما قد أمعن في الضحك نظرا لما تضمنته عباراته من مواقف “بايخة” ولم تعد تنطلي على أحد، لاسيما تلك التي حاول من خلالها دفع الأمور إلى التأزيم الطائفي والمذهبي في محاولة للحصول على بركة المسؤولين الدينيين في طائفته الذين باتوا يدركون حقيقة ما جرى ويجري على صعيد عدم إجراء الإنتخابات الرئاسية ومن هي الجهات والكتل التي تقف دون إنجازها ودون عدم الإبقاء على الجلسات النيابية في حالة إنعقاد دائم حتى إنجاز عملية الإنتخاب.
وتختلط الأمور على القارىء في ما إذا كان السيد باسيل يتكلم بجدية أم أنه يتذاكى ويعتقد أن اللبنانيين لايتابعون بإهتمام ما يجري حولهم حين يشير إلى أن “المنظومة” ( ويقصد معارضيه) لا تريد أن تنفذ الطائف، ولا تريد لامركزية، ولا دولة مدنية، ولا شراكة متوازنة بنظام طائفي!!! وأقول نحن لا نريد الا لبنان الواحد العربي المشرقي المتوسطي بالـ 10452 كلم مربع، مقابل خطاب الانغلاق ومحاولة اقناع المسيحيين بأن الحل هو بالافتراق.من تقصد بذلك؟ بهذا الهذيان! وكيف جمعت هذه الكلمات والكل يُدرك حقيقة الامر وأنك ضد هذه المفاهيم وهذه المصطلحات !!
مكتب باسيل ينفي
وقد نفى المكتب الإعلامي لرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل في بيان ، “نفيا قاطعا ما نسبه زورا إليه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في مسألة الوزراء المسيحيين وإشارة الصليب. اذ ان النائب باسيل لا يمكن ان يقول مرة هكذا عبارة “بأن ليس كل من يرسم اشارة صليب هو مسيحي”. ويأسف لهذا الدرك الذي وصلت اليه الامور في استثارة الغرائز الطائفية طلباً لشعبوية وتحصيناً لشخص في ازاء الاداء المخالف للدستور والميثاق”.
ومكتب ميقاتي يرد على الرد
هذا وصدر عن المكتب الاعلامي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي البيان الآتي :يستغرب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي نفي رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ان يكون قال عبارة “ليس كل من يرسم إشارة صليب هو مسيحي”، خلال اللقاء الذي جمعهما بعد اول جلسة لمجلس الوزراء.
ويجدد دولة الرئيس التأكيد ان باسيل قال هذه العبارة، وان مواقفه الاعلامية المتكررة التي تطعن بشرعية جلسات الحكومة، ومنها بيانه الاخير بالذات، رغم مشاركة 7 وزراء مسيحيين من أصل 12 وزيرا فيها، يثبت حقيقة نظرته التمييزية بين المسيحيين، فاقتضى التوضيح.”
في الختام وبعد كل هذه الوقائع نجد من المفيد القول أن هناك من يحاول وعن سابق إصرار وتصميم، الدفع بالبلد إلى مواجهات درامية لا تُحمد عواقبها، وإحداث شرخ واسع في العلاقات بين الطوائف والمذاهب التي يتشكل منها لبنان وهي “درّته” وحقيقة وجوده ومستقبله، من خلال تفخيخ هذا الإنصهار الوطني الذي لا مثيل له في العالم ، مقابل “حفنة من الدولارات” وربما من الأوهام القاتلة، حيث نجد من يدفع بهذه الأمور إلى الشرخ والمواجهة بين العائلات الروحية لحرفها عن مسارها الوطني وبالتالي تفتيت هذا الوطن.. والوطن منها براء.