كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
تُجمِع التقارير الإقتصادية المحلية والدولية على أن لبنان بات على شفير الإفلاس، إذا لم تُتّخذ خطوات إصلاحية جريئة، ويُباشر التعاون مع صندوق النقد الدولي.
بدأت الطبقة السياسية الحاكمة المسّ بالإحتياطي الإلزامي لمصرف لبنان، وهذا الإحتياطي هو كناية عما تبقّى من أموال للمودعين، وبالتالي فإن السلطة تستخدم مال الشعب من أجل إسكات قسم من الشعب، مع العلم أن هذه الأموال، أو الدعم المتأتّي منها، لا يصل إلى من هم بحاجة إليه.
ويؤكّد أركان في السلطة الحاكمة أنهم يسعون إلى إطالة أمد الدعم إلى موعد الإنتخابات النيابية المقررة في أيار من العام المقبل، ولا يريدون أن “يفرط” الوضع قبل ذاك الموعد لأنهم سيكونون في حالة حرجة، وسيثور الشعب عليهم ويصوّت ضدّهم مثلما حصل في إنتخابات نقابة المهندسين الأحد.
وفي هذا الإطار، برز موقف متقدّم للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يطالب بعدم المسّ بالإحتياطي الإلزامي وسرقة أموال المودعين، وهذا الموقف ترك تردّداته على الساحة الإقتصادية والسياسية.
والناظر إلى مواقف الراعي يكتشف أنها تدرجت من حماية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، مروراً بالطلب من الشعب عدم السكوت على سرقة أمواله خلال لقاء 27 شباط الشعبي في الصرح البطريركي في بكركي، وصولاً إلى عظة الأحد النارية التي اتّهم الراعي فيها علناً الطبقة السياسية بسرقة أموال المودعين.
وتفصل بكركي بين الصراع السياسي الذي تجلّى بمحاولة أطراف معروفة الإقتصاص من سلامة على قاعدة “قوم تا إقعد محلّك”، ومن أجل ضرب ما تبقّى من القطاع المصرفي، وبين الواقع الإقتصادي المسؤولة عنه بشكل واضح ومباشر الطبقة السياسية التي أوصلت البلاد إلى الخراب.
وفي السياق، ترى البطريركية أن عدم تأليف الحكومة يضعضع الثقة بالدولة ككل وليس بالنظام المصرفي وحده، فلو تشكلت حكومة لكانت أعادت الثقة نوعاً ما وباشرت بالإصلاحات وبدأت عملية إسترداد أموال المودعين، لكن ما يحصل أن الطبقة السياسية تضرب كل شيء في البلد ولا تُبالي بما قد يحلّ بالناس.
وتلفت إلى أن من يقوم بصرف أموال المودعين هي الطبقة السياسية وليس مصرف لبنان، والدليل ما حصل في الأيام الأخيرة حيث ضغطت الطبقة السياسية على سلامة من أجل الإستمرار بدعم المحروقات، فكان “أرنب” الدعم على سعر 3900 ليرة بدلاً من 1500 ليرة، واشترط سلامة توقيع جميع المعنيين على هذا القرار ومن ضمنهم رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ووزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني، وبغطاء من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ووقّعوا جميعاً، وبالتالي فإن المسؤول يكون الطبقة السياسية الحاكمة ومن شرّع الإنفاق من جيوب الناس.
وعلى رغم أن المسؤولية باتت محدّدة، إلا أن البطريرك يتواصل مع سلامة باستمرار ويطالبه بالحفاظ على ما تبقّى من أموال المودعين، وعدم الرضوخ للمطالب السياسية والإستمرار باستنزاف أموال الناس التي تذهب بمعظمها إلى الميسورين وتهرّب إلى سوريا.
وأمام كل هذه الوقائع، يترسّخ أكثر وأكثر أن مواقف الراعي تُشكّل قوّة ضغط على سلامة من أجل وقف تسليف الطبقة الحاكمة، وبالتالي عندما سيقول سلامة لا للحكّام فإن البطريركية ستدعمه، ولكن هل يتجرّأ “الحاكم” ويقول كلمة لا لهؤلاء السياسيين المتحكّمين بالبلاد والعباد ولو لمرّة واحدة؟… ومتى؟!