“الراي الكويتية”:
كئيباً، يحلّ غداً شهر الأعياد في لبنان الذي يطوي نهاية كانون الأول سنةً كارثية تَشابَكَتْ معها «أزماتُ القرن»، من دون بروز أي مؤشراتٍ إلى أن الأيام الـ 31 المقبلة يمكن أن تحمل تطوراتٍ من النوع الذي يجعل 2021 تطلّ مع أملٍ بوضْع البلاد على سكة الخروج من «تحت المقصلة» المالية – الاقتصادية – المصرفية – النقدية – المعيشية التي أثقلتْها وقائع سياسية جعلت «بلاد الأرز» في «جيْبِ» المحور الإيراني، تدْفع معه وعنه أكلافَ مشروعه التوسعي والمواجهةَ الكبرى في المنطقة التي خسرتْ على تخومها بيروت «امتيازاتٍ» لطالما تمتّعت بها في علاقاتها مع «الحاضنة» العربية والخليجية خصوصاً كما في روابطها مع المجتمع الدولي، وهو ما كان يُصطلح على تسميته بـ «المعجزة» التي أرستْ معادلةَ «مهما اهتزّ (لبنان)، لن يقع».
وفي حين يدخل لبنان الشهرَ الأخير من روزنامةِ 2020 و«يده على قلبه» وهو يعاود فتْحَ البلد ابتداءً من اليوم بعد مرحلةِ إقفالٍ تام فَرَضَها تَمَدُّد «كورونا» مع الابقاء على بعض الضوابط وسط خشيةٍ من «تسونامي» إصاباتٍ بعد عيديْ الميلاد ورأس السنة، في ظل ما أظهرتْه الأشهر العشرة الماضية من استحالةِ فرْض التزام إجراءات الأمان والتباعُد بالنسبة الكافية للجْم المسار التصاعُدي للفيروس الذي بات رهْن إما مناعة القطيع وإما التلقيح بأعداد كافية، تكتسب المحطة التي تشهدها باريس بعد غد مع مؤتمر المساعدات الإنسانية للبنان الذي تنظمه فرنسا أهميةً خاصة لاعتبارين متداخليْن:
* الأول لجهة تكوين صورة حقيقية عن مقاربة الخارج للوضع اللبناني، وهذا ما سيؤشر إليه مستوى المشاركة (عن بُعد) لرؤساء وقادة الدول التي سبق أن كانت جزءاً من المؤتمر الذي عُقد في 9 آب الماضي أي بعد 5 أيام من انفجار مرفأ بيروت.
* والثاني لجهة تظهير إمكان الفصل بين «مساريْ» الدعم الإنساني، المحكوم بآلياتٍ تقفز فوق المؤسسات الحكومية، والسياسي المربوط بسلّة المآخذ على انزلاق بيروت إلى الحضن الإيراني كما بدفتر الشروط الإصلاحي الصارم لتحرير أي دولار والذي يقع تنفيذه على عاتق حكومة جديدة علقت في «شِباك» ما باتت دوائر ديبلوماسية وسياسية في بيروت تسمّيه «سلوك نيروني» لطبقة سياسيةٍ لم تعُد تجد حَرَجاً بترْك البلاد في واحدة من أكثر المراحل الحرِجة في تاريخها تواجه مصيراً أسود مالياً واجتماعياً بات بلوغه يُعدّ بأسابيع قليلة، ناهيك عن المَخاطر الكبرى المترتّبة على زجّ لبنان في «قفصِ» المواجهة الإقليمية وكشْفها على منعطفاتها الأكثر حدّة المتوقّعة في الفترة الفاصلة عن التسليم والتسلم بين دونالد ترامب وجو بايدن في الولايات المتحدة.
وإذ سيشكّل مؤتمر الدعم الذي هنْدستْه فرنسا بالشراكة مع الأمم المتحدة إشارةً متجددة إلى أن الشعب اللبناني «ليس متروكاً» لينهشه الجوع و«كورونا» و«تلتهمه» تفجيرات مدجّجة بعناصر الإهمال والفساد وربما ما هو أدهى أمنياً، فإن اقتصار هذه المحطة على البُعد الإنساني يحمل في ذاته رسالةً برسْم الأطراف اللبنانيين القاصرين حتى الساعة عن سماع دعوات الخارج «ساعِدوا أنفسكم لنساعدكم»، في ظلّ اعتبار أن الخطوة الأولى في هذا الاتجاه يشكّلها تأليف حكومةٍ من اختصاصيين غير حزبيين بعيداً من أي محاصصة سياسية بهدف تحقيق المهمة الإصلاحية.
ولم تعُد أوساط مطلعة في بيروت تُخْفي اقتناعها بأن الحكومة التي يسعى الرئيس المكلف سعد الحريري لتأليفها لن تولد قبل 20 كانون الثاني، تاريخ تَسَلُّم بايدن الحُكْم، وهو ما أبلغتْه مصادر قريبة من فريق 8 آذار لـ «الراي»، معتبرةً أن الفترة الفاصلة بين دخول بايدن البيت الأبيض وشروع فريق عمله بالانكباب على ملفات المنطقة يمكن أن تكون الفرصة لتمرير تشكيلةٍ توفّق بين المواصفات المطلوبة دولياً ولو مع «لبْننةٍ» ضمنية، وبين مقتضيات موازين القوى الداخلية التي لا يمكن إغفالها، في موازاة اعتبار مصادر أخرى أن سحْب «سيْف» العقوبات الأميركية بعد ترْك ترامب منصبه لن يعني بأي حالٍ تراجُع العين الحمراء الدولية والخليجية على الواقع اللبناني الذي تجري مقاربته من زاوية المواجهة مع إيران التي قد تتبدّل آلياتها ولكن ليس جوهرها.
وفيما كان المشهد السياسي يترقّب زيارةً محتملة يقوم بها الحريري هذا الأسبوع لرئيس الجمهورية ميشال عون وتعيد التواصل المباشر بينهما، استقطب الأنظار عودة «حركة التسلل» من الأراضي اللبنانية إلى المقلب الإسرائيلي من سوادنيين، ولا سيما أن هذا الأمر يتزامن مع تصاعُد التوتر في المنطقة إلى مستويات غير مسبوقة خصوصاً بعد اغتيال «ابو النووي الإيراني» محسن فخري زاده.