القدير ومحتضن الجيش
هذه “المميزات”، إضافة إلى قدرة حزب الله التنظيمية وقوته الشعبية، هي التي تمنحه الدور المقرر برضى الجميع. وفي هذا السلوك لعب عميق على العامل النفسي لدى الجميع. فحتى خصومه أصبحوا في مكان ما ينشدون منه شهادة حسن سلوك. وهذا ناجم عن ضعف في نفوسهم أو سوء في إدارتهم، وعن عدم قدرتهم على مجاراة حزب الله. وهذا الواقع يتيح لنصرالله لعب دور الناصح، أو الطرف الأقدر على تناول المعضلات كلها.
ويعرف نصر الله كيف يعمل على استقطاب الجميع وتطويعهم بطريقة هادئة. كما هو الحال في آلية تداوله في ملف الجيش اللبناني، بدعوته حزبه وجمهوره إلى احتضانه. وهنا سيكون الجيش محرجاً حيال الوفاء لهذا الموقف والتوأمة معه وملاقاته.
وذهب نصرالله إلى أبعد من ذلك: وضع على عاتقه الحفاظ على الأمن والاستقرار، ووصفه بالضامن لحمايته وحدة لبنان. ولذلك أعاد إحياء المعادلة الثلاثية: الجيش والشعب والمقاومة. والأهم هو موقفه بأن الجيش خاضع لقرار السلطة السياسية، وليس مؤسسة قائمة بذاتها. هذه رسالة واضحة: لا يمكن للجيش إلا أن يكون صاحب حسابات مع الواقع السياسي في البلاد. أي عدم التفكير في الصدام مع الطبقة السياسية، خاصة أنه يحتاج إلى دعم الجميع واحتضانهم.
ذابح باسيل ومسعفه
وفي ملف الحكومة تمسك نصر الله بموقف برّي ومبادرته، وردّ على كلام باسيل من دون أن يسميه حول مسألة الثلاث ثمانيات والمثالثة، معتبراً أن هذا الطرح خاطئ. وهو في ذلك تبنى موقف برّي كاملاً.
والأسلوب نفسه اعتمده نصر الله مع باسيل في توجيه النصائح له وإرشاده، من خلال نفيه أي مسعى لدى باسيل لإيقاع الشرخ بين حزب الله وحركة أمل. وخصوصاً عندما قال إن باسيل يعلم أن ذلك غير ممكن على الإطلاق. وبذلك يكون نصرالله قد ختم الرسالة التي أوصلها وفيق صفا لباسيل: طي هذا الأمر، مع الحفاظ على العلاقة مع التيار العوني ومع حركة أمل أيضاً.
وأغدق نصر الله على باسيل تفسير كلامه ومضمونه لإكرامه فإحراجه أكثر، واحتضانه. إنه أسلوب الذبح بالقطنة، مع الاستعداد للمعالجة السريعة والتضميد.
محاكمة التيار العوني
وردّ نصر الله على عون في الأساس، وفي موضوع الحياد. فرئيس الجمهورية هو أول من قال إن حزب الله يقف على الحياد. وفي ردّه تعمّد نصرالله أن يعدد مواقف كثيرة كان فيها إلى جانب التيار العوني، وذكره بأنه هو من حمى صلاحيات رئيس الجمهورية.
ولم يشأ أن يذكّر عون بأن موقف حزب الله هو الذي أدى إلى انتخابه رئيساً للجمهورية. إنها طريقة نصر الله في الردّ على الحلفاء: وضع النقاط على الحروف، ومن دون افتعال أي مشكلة معهم. ويدعوهم إلى أن يراجعوا حساباتهم.
صحيح أنه دافع عن باسيل في البيئة المسيحية، وهاجم خصومه. لكنه أبقاه وكيلاً شبه حصري. أما الاجتهاد فمن اختصاص الشيعة، وللاجتهاد ظروف متعددة.
ومن بين الردود على باسيل رفضه أن يكون حكماً، ومقارنة التيار العوني بحزب الله، ووضع باسيل نفسه في منزلة حزب الله. وقال نصرالله أنه لا ينصح أحداً من الحلفاء بأن يلزم نفسه بما يقبله حزب الله. فلحزب الله حسابات وحيثيات مختلفة.
وما يقصده نصر الله هنا هو بعيد المدى: أولاً لدى حزب الله أكثر من 400 ألف صوت انتخابي، مقابل عدد بسيط -مقارنة بهذا الرقم- لدى التيار العوني. وبالتالي، لا يمكن للتيار أن يطالب بحصة 9 وزراء في الحكومة، فيما حزب الله يطالب بوزيرين فقط.
ولذا، تعمّد نصرالله الحديث عن مسألة الأحجام في السلطة. وعلى طريقته “المحتضنة”، قدم جردة حساب كاملة مع عون وباسيل. فبدا كمن يسدد الضربة ويجلِّس طربوش من يتلقاها.