كتب ابراهيم بيرم في “النهار”
مفتاح الحديث معه كان بطبيعة الحال الحدث الأحدث المتمثل بالاطروحة السياسية التي قدمها اول من امس رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل.
ومع ان ميقاتي يختزن ملاحظات عدة على بنود هذه الاطروحة “التي بدت في بعضها مسمّة وتوحي بان الامور ذاهبة نحو مزيد من التأزيم والتعقيد والتصعيد، وان من يقدّم هذه الدفوع على هذا النحو لا يمكن ان يقنعك بانه فعلا يريد للفراغ الحكومي ان يُملأ بأسرع ما يكون”، علماً “انه (باسيل) انطلق في هذه الاطروحة من مسلّمة مكرورة فحواها انه لا يجد مرشحاً للرئاسة الثالثة الا الرئيس سعد الحريري”.
لكن ميقاتي يلفت الى انه رغم كل ذلك فانه يجد في طوايا كلام باسيل عن “تحكيم” الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في موضوع تأليف الحكومة الجديدة وشروط تأليفها “فرصة يمكن للسيد نصرالله ان يتلقفها ويبني عليها بغية المضي فعلاً نحو مهمة توفير الظروف المؤاتية لانضاج فعلي للطبخة الحكومية وإخراج المسألة من عنق الزجاجة حيث هي منذ اشهر.
ويشير الى ان ثمة عوامل وعناصر مساعدة للسيد نصر الله “إنْ شاء أخذ عرض القبول بتحكيمه في أمر على هذا النحو من الاهمية والحساسية، خصوصا لجهة علاقته مع الرئيس نبيه بري والاستفادة من موقع هذا الرجل عبر اعادة الدفع قدماً بمبادرته الشهيرة.
ولكن السؤال عند ميقاتي حيال ذلك يبقى عند حدود السؤال غير اليقيني عن “توافر الرغبة والقدرة والارادة عند المعنيين مباشرة بالموضوع”.
وفي ما يشبه “الانتفاضة” على الواقع السياسي الفارض نفسه بعناد، ثمة لدى الرجل رؤية سياسية نوعية حيال ازمة التأليف تولدت عنده بفعل تجارب الاشهر الماضية واختباراتها المكثفة، وهي رؤية حالكة تميل الى السوداوية. وهو اذ يصر على عدم الافصاح عنها في الوقت الحاضر، الا انه بناء على الالحاح على البوح يتحدث عن “الاطراف الخمسة المستفيدة من ديمومة أمد الفراغ الحكومي وما ينتج عن ذلك من وقائع وما ينجم عنها من ارتدادات.
واللافت في سياق الكلام المكثف للرجل ان الاطراف الخمسة (يذكرها بالاسم) تعني ضمناً ان غالبية الوان الطيف السياسي اللبناني الفاعل تبدو مرتاحة الى هذا الواقع المأسور، وتالياً مشكوك في نيتها الذهاب الى “حكومة انقاذ او مهمة” في المرحلة الراهنة، وذلك انطلاقا من حسابات وخلفيات بات اكثرها مكشوفا وقد خرج من دائرة الالتباس الى مربع الضوء والتداول، خصوصا ان “منوال التبرير والتعمية والتغطية الذي كان المعنيون يلوذون به سابقا قد صار عاجزا عن تلبية الحاجة
يشاء ان يطلق استنتاجا فحواه ان الوضع اللبناني هو منذ انطلاق الحراك قبل اقل من عامين، صار اشبه ما يكون بوضع حافلة ركاب تعطلت مكابحها وهي تندفع بسرعة قياسية نحو الهاوية. والطامة الكبرى ان ركاب الحافلة والمعنيين بالحدث والذين بامكانهم ان يتداركوا الامر ويحولوا دون الارتطام الكبير يبادرون الى الحفر اكثر فاكثرمن خلال ادائهم المتنعت ومن خلال المكابرة وتضييع الفرص، فضلاً عن كسب الانتخابات وزيادة المقاعد النيابية.
ان الارتطام صار حتميا لا رادّ لقضائه وامر وشيك النفاذ. لذا صارالتداول متركزا على طروحات من نوع كيفية اعادة ترميم الباص المتهالك ونوعية اطاراته وممن نستوردها من الصين ام من كوريا أم … مع العلم ان ثمة قناعة ايضا بان لا عودة الى لبنان الذي عرفناه منذ عام 1990. وعليه اعيد الاعتبار اخيرا الى دعوات من نوع الفيديرالية والرهان على مؤتمر تأسيسي. وفي السياق عينه يكشف انه التقى اخيرا “دعاة الفيديرالية” الذين قدموا اليه طرحا متكاملا وشاملا عن أبعاد تلك الدعوة والدافع اليها. ولا يخفي “ان في طيات هذا الطرح ما يلفت ويثير الاهتمام”، ولكنه بادر فورا بعد محاورته اياهم الى دعوتهم الى تغيير عنوان الطرح المحوري (الفيديرالية في الجمهورية اللبنانية).
يتبدى ان لدى ميقاتي قناعة بان لبنان على وشك ان يفقد ثلاث ميزات كان يباهي بها طوال عقود عدة خلت، وهي:
– القطاع المصرفي.
– القطاع الاستشفائي الذي يعيش حال نزف سريع.
– القطاع التعليمي والتربوي.
والذي يحفر حزناً اكبر في وجدان ميقاتي شعوره الصريح بان “ثمة عاملاً يلعب لمصلحتنا وهو ان الخارج لا يريد لهذا البلد ان ينهار، لذا يبدي (الخارج) استعداده دوما للمساعدة، لكن المشكلة هي عند اطراف الداخل الموغلين في لعبة المكابرة وتضييع الفرص.
وبناء عليه، يخرج الوافد الى محضر ميقاتي باستنتاج يراوح ما بين الضبابية والسلبية، وبالجملة “يصعب استعادة لبنان الذي عرفناه منذ مطالع التسعينات”. وهو بطبيعة الحال يتشاطر هذا الاستنتاج غير المريح مع كثير من اركان “المشهد السياسي الحالي”، اذ ما من احد يجرؤ على التبشير باستنتاج مضاد.