منير الربيع – المدن
تتزاحم الملفات اللبنانية المرتبطة بسوريا. لها أكثر من بعد واهتمام. قوى متعددة تتحضر لترتيب مواعيد وزيارة دمشق، ولقاء بشار الأسد. يحاول هؤلاء العودة بالزمن إلى الوراء. يعتبرون أن زمن الخروج الأميركي من المنطقة، يحتّم عليهم انتهاج سياسة توفير البدائل. يقتنع هؤلاء بأن إيران انتصرت. وهناك مساع عربية لترتيب العلاقات معها، فيركزون على تحسين أوراقهم السورية، في ظل مساع مصرية وأردنية لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية.
كانت زيارة الوفد الوزاري إلى دمشق فاتحة لزيارات متعددة. القوى الحليفة للأسد تتنوع في اهتماماتها، وتجهد في محاولاتها، لإعادة إظهار نفوذ النظام السوري في لبنان وداخل الطوائف. لا أحد أكثر خبرة من نظام الأسد في تسجيل الاختراقات بين صفوف اللبنانيين. بعد الاختراق الرسمي، جاءت زيارة الوفد الدرزي. وأمثالهم كان كمال جنبلاط يطلق عليهم وصف “الزحافات”. فهم يعتبرون أن موسم الزحف إلى دمشق قد بدأ، ولتلك الزيارة أهداف لبنانية أيضاً، تتعلق بالاستثمار السياسي لما يعتبره هؤلاء مكسباً سياسياً كبيراً قد حققوه.
إسقاط نبيه برّي
بعد زيارة الوفد الدرزي سيتم التحضير لزيارات من طوائف أخرى، بعض السنّة الموالين لنظام دمشق، وقوى مسيحية أيضاً. فيما لزيارة الوفد الرسمي اللبناني أبعاد أخرى تتعلق بالتحضير لزيارات مماثلة، سيكون لها أثرها على الواقع السياسي المقبل. وذلك لا بد أن يبدأ وأن يقترن بإجراء زيارة يقوم بها رئيس الجمهورية ميشال عون إلى دمشق. تتضارب القراءات اللبنانية لمثل هذه التطورات. أولاً، البعض يعتبر أنها قد تكون عاملاً مسهلاً أمام نجيب ميقاتي لتشكيل حكومته. فيما البعض الآخر يعتبر أن الوضع الحالي يلائم النظام السوري، من خلال حكومة تصريف الأعمال. ثانياً، إن فتح العلاقات مع دمشق قد يشكل أثقالاً كثيرة على ميقاتي داخل بيئته لن يكون قادراً على تحمّل تكاليفها. ثالثاً، رئيس الجمهورية لا يبدو في وارد التنازل. وحسب ما تؤكد المعلومات، فهو يصرّ على استمرار خوض معاركه ضد كل قوى الطائف، وبعد ما يعتبره نجاحاً في خوض المعركة ضد سعد الحريري، وتطويق الحريرية وإنهاء الطائف، فهو لن يقف عند هذه الحدود. ثمة من يشير إلى أن المعركة الأساسية المقبلة ستكون في مجلس النواب. وهو كلام قاله جبران باسيل علناً، لا سيما عندما أشار إلى أنه لا يمكن القبول باستمرار تعطيل تشكيل الحكومة. هذا الموقف، حسب مصادر متابعة، ينطوي على التحضير لخطوات تطال المجلس النيابي ومحاولات إسقاطه. معركة عون ستكون ضد رئيس مجلس النواب نبيه برّي شخصياً، وبدعم سوري. وبدء محادثات عونية أسدية لتطويق برّي أكثر، وضرب المجلس النيابي الذي يترأسه، والبدء بحملة عليه لمنعه من الترشح ثانية لرئاسة المجلس.
ملك التسويف
في المقابل يستمر البحث عن نتائج زيارة الوفد الرسمي اللبناني إلى دمشق. فهل كانت ناجحة أم فاشلة على أكثر من صعيد؟ أولاً، لم يتم الإعلان عن موعد توقيع الاتفاقية، إلا إذا كان ذلك ينتظر زيارة رئيس الجمهورية للقاء رئيس النظام بشار الأسد. على الصعيد الشعبي، لم تكن الزيارة ناجحة. وثمة خوف من تداعياتها، في ظل عدم نضوج أي ظرف من ظروف الحلّ السياسي. نتيجة الزيارة هي تطبيع العلاقات ومنح شرعية رسمية لبنانية للنظام. ولكن بلا كهرباء حتى الآن. فالشبكة تحتاج إلى إصلاح. وهو ما يحتاج إلى أشهر مديدة. وهنا معروف أن النظام السوري هو بطل العالم في التسويف والتأجيل وتضييع مثل هذه القضايا. هناك من يعتبر أن مثل هذه الاتفاقية قد تذهب إلى الأدراج، كما هو الأمر بالنسبة إلى اتفاقيات سابقة تتعلق بترسيم الحدود بين البلدين.
لا بد من التذكير مجدداً أن الصراع القائم هو صراع خيارات، ومعركة تحديد الوجهة السياسية للبنان. إنها معركة بين لبنان القديم التقليدي، الذي يمثل صلة الوصل بين الشرق والغرب، وبين قوى تؤمن بـ”المشرقية”، أو بالتوجه شرقاً، أو بالتحالف المشرقي الذي يبدأ من دمشق، ويوصل إلى طهران. هنا لا بد من النظر إلى العراق وكل ما يعانيه. فبعيد ذهابه نحو مصر وسعيه إلى توقيع اتفاقيات نفطية وكهربائية، بدأت عمليات تفجير واستهداف شبكة الكهرباء. وكأن هناك من يسعى إلى قطع أي اتصال عراقي مع العرب. هذا الأمر قد يتكرر مستقبلاً مع شبكة الكهرباء من الأردن إلى لبنان عبر سوريا، ومع أنابيب الغاز المصري.