ميسم رزق – الأخبار
منذُ بداية الأزمة الحكومية كثُر الكلام عن مبادرة روسية. وشهدت موسكو زيارات متعدّدة لمسؤولين لبنانيين، ما يطرح علامات استفهام عمّا اذا كانت هذه المبادرة انتهت، وإذا ما كانت روسيا تدعَم أطرافاً معينين، في وقت نُقِل ولا يزال، عن تأييدها للرئيس سعد الحريري. سريعاً، يُجيب السفير الروسي بتأكيد مبدأ عدم التدخل، وعلى علاقة بلاده المتوازنة مع كل الأطراف. فـ«الأولوية في السياسة الروسية الخارجية هي لمبدأ عدم التدخل في الشؤون السيادية لأي من البلدان. نحترِم القوانين والأنظمة المرعية في الدول الأخرى، ونقدّر العلاقات الثنائية على أساس احترام المصالح والمعاملة بالمثل. ومن هذا المنطلق، ننظر إلى العملية السياسية في لبنان أو أي بلد آخر، ونؤكّد أن موسكو لم تقِف طرفاً في موضوع تشكيل الحكومة، إن كانَ على صعيد التكليف أو التأليف، لأن القرار وطني بالدرجة الأولى. نقبَل بما يختاره اللبنانيون بعيداً عن المقاربات المزدوجة أو الضغوط أو الصفقات في الغرف السوداء. وحالياً، نتشارك الآراء مع معظم الأطراف الداخليين والخارجيين من زاوية أنه يجِب تشكيل حكومة قادرة على إدارة الأزمة واتخاذ قرارات مسؤولة. وبرأينا أن الهدف المطلوب يتحقق من خلال مشاركة جميع القوى السياسية في الحكومة، بلا محاولات من أي طرف التغلّب على الآخر أو تغليب المصالح». روداكوف شدّد على أن بلاده «لا تدعَم إسماً معيناً لتأليف الحكومة، لكن الرئيس المكلف الوحيد اليوم من مجلس النواب هو الرئيس سعد الحريري، وبالتالي نرى أن من المفترض أن يؤلّف الحكومة وفق الآليات المتعارف عليها وبحسب الصلاحيات. وفي حال كانَ هناك اسم آخر يصار إلى تكليفه في ما بعد، فسيكون موقفنا هو نفسه».
وعن زيارة وفد من حزب الله لروسيا وما تم تداوله عن زيادة منسوب التنسيق، وافتتاح مراكز للحزب في موسكو، لفت روداكوف إلى أنه «منذ عقود باتَ معروفاً أن روسيا تعتبر حزب الله جزءاً لا يتجزأ من النسيج السياسي والإجتماعي في لبنان، ونحن نهتمّ باستمرار حوارنا الوثيق والتفصيلي مع قيادة الحزب». أما المعلومات المنسوبة لمصادر عن محتوى النقاشات مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وفي البرلمان الروسي فـ«لا قيمة لها، والحقيقة موجودة في البيان الختامي لوزارة الخارجية الروسية وفي تصريحات المسؤولين في حزب الله.
يفترض بالحريري أن يؤلف الحكومة وفق الصلاحيات والآليات المتعارف عليها
وبينما جرى التركيز في الآونة الأخيرة على رغبة روسية في مساعدة لبنان اقتصادياً، لم تسلَم الوفود الروسية التي زارت البلاد أخيراً من حملات الهجوم واتهامها بأنها لا تحمِل مشاريع جدية، علماً بأن روسيا قدّمت منذ سنوات مبادرات عديدة لتعزيز التعاون، عبر عروض عسكرية واقتصادية، لكنها غالباً ما كانت تصطدِم بطريقة تعامل القوى اللبنانية مع هذه المبادرات بسبب المصالح الشخصية أو الضغوطات الخارجية. غيرَ أن السفير الروسي يُضيف اليوم عامِل أساسي يتعلّق «بالوضع المالي والاقتصادي»، مشدداً في الوقت نفسه على جدية الجانب الروسي في مساعدة لبنان، لكن «أي شركة اليوم تريد أن تستثمر في لبنان ستواجهها مشاكل»، لذلك من الضروري «الإسراع في تشكيل الحكومة لأهمية هذه المشاريع». وأوضح: «في نيسان وحزيران الماضيين، زارَ وفد من الشركات الروسية لبنان لإجراء مفاوضات مع وزراء الطاقة والاقتصاد والأشغال العامة، وناقش المشاركة الروسية في إعادة إعمار مرفأ بيروت، وبناء أو تحديث محطات توليد الكهرباء ومصفاتي التكرير. ونؤكد أن الأهداف من وراء هذه المشاريع هي الرغبة في مساعدة لبنان على تحسين الوضع الاقتصادي الراهن والمصالح الاقتصادية في الوقت نفسه. ونعتقد أن من الحكمة استمرار هذه المفاوضات للتوصل إلى نتائج واضحة وملموسة، بعيداً عن النقاش ذي الطبيعة السياسية البعيد كل البعد عن الحقيقة». فقد «شاهدنا كيف تعاطت بعض وسائل الإعلام مع خبر التعاون مع الوفد الروسي، وحملت شعار تغيير هوية لبنان، ومن الواضح أن هذه الوسائل تستمع إلى طلب بعض الدول التي تفضّل لغة الإملاءات والضغط».
وفيما ترافقت هذه الزيارات مع معلومات عن تهديدات أمنية واحتمال استهداف عاملين في السفارة الروسية، أو المصالح الروسية في لبنان، والتي وضعها البعض في إطار تخويف الجهات الروسية المعنية من الإقدام على استثمارات، لم ينف روداكوف وجود مثل هذه التهديدات، خصوصاً أن روسيا «ساهمت بشكل كبير في ضرب المشروع التكفيري في سوريا ومنعت امتداده، ولا شكّ في أن الأطراف المتضررين أو الذين يمثّلون هذا المشروع يفكّرون في استهداف المصالح الروسية، لا في لبنان فقط بل أينما كان». وفي هذا الإطار عبّر السفير الروسي عن «الامتنان الشديد للتحذيرات التي وصلت من الجانب اللبناني، إن كانَ وزارة الداخلية أو الخارجية»، مشيراً إلى لقائه وزير الداخلية أول من أمس محمد فهمي لمناقشة الأمر، إضافة إلى «نقاش مع الجيش والأجهزة الأمنية حول كيفية التنسيق معاً هذا المجال».
روداكوف نفى أن تكون بلاده مستاءة من عدم مشاركة وزيرة الدفاع زينة عكر في مؤتمر الأمن الدولي الذي استضافته موسكو الشهر الماضي، «لأننا ندرك حجم المسؤوليات على كل الوزراء في الحكومة الحالية. وعلى أي حال، نحن جاهزون لترتيب زيارة متى سنحت الفرصة».
وحول ترسيم الحدود مع سوريا، وما تردد عن جهود تبذلها موسكو في هذا المجال، أشار الدبلوماسي الروسي إلى أن «لبنان وسوريا دولتان متجاورتان يربطهما التاريخ ووحدة المصير، فضلاً عن العلاقة الدبلوماسية واللجنة الحكومية المشتركة والمجلس الأعلى السوري – اللبناني، والتواصل بين الجهات المختصة في البلدين. انطلاقاً من هذا الواقع، ندرك تماماً أن الوصول إلى حلّ في المسائل الثنائية ينبغي أن يكون من خلال المفاوضات المباشرة بينَ الجانبين. وبالمناسبة، فإن هذا الموقف الروسي ينطبِق على ملفات أخرى بالأهمية ذاتها، كالنزوح السوري على الأراضي اللبنانية».