مع حلول شهر رمضان الشوارع والساحات اضيئت
والإفطار الطرابلسي تغيب عنه المآكل والحلويات
والوضع السياسي غير مريح والهدنة في مهب الريح
بقلم الكاتب صفوح منجد
… ها هو رمضان ببركاته وأجوائه الإيمانية يهل هلاله، ويتدفق أهل المدينة والجوار إلى أسواق الفيحاء للتبضع بالمواد الغذائية التي “يستحلي” الطرابلسيون تواجدها على “طاولتهم الرمضانية”، وسط تساؤلات عن إمكانية تحقيق ذلك في ظل هذا الإرتفاع الفاحش بالاسعار الذي يطل هو الآخر بالتزامن مع هذا الشهر الفضيل ليتحوّل هذا المشهد إلى مجرد صورة من الذاكرة وليس حقيقة على السفرة الرمضانية !!
ولمَ التعجّب؟ وها هي عصبة المستغلين والمرابين والمتلاعبين بلقمة عيش المواطنين وبإفطاراتهم، باتوا بل سارعوا لإستخدام جشعهم وتحويله إلى “أرقام فلكية” على لائحة تسعير بضائعهم الأمر الذي سينعكس تغييبا للعديد من الأصناف والمآكل والحلويات على الطاولة الرمضانية، الأمر الذي لم يكن يحصل في السابق، فالأيام الطرابلسية الرمضانية لم تعرف حتى في زمن الصعوبات والمشاحنات والإقتتال الداخلي شبيها لما بات يلوح على وجوه أبناء المدينة وأولياء العائلات بشكل خاص وهم يتسكعون في أسواق بيع الخضار في المدينة حيث كانوا يتنقلون في تلك الأيام الرمضانية بين المخازن والدكاكين ليتزودوا بحاجياتهم من مأكل ومشرب، ها هم اليوم وعشية بدء الأيام الرمضانية يتهيبون المشهد الجديد الذي ستبدوا عليه مائدة الإفطار في منازلهم والتي ستغيب عنها بلا شك أصناف عديدة إعتاد عليها الطرابلسيون خلال شهر رمضان حيث سيشكل ذلك “مشكلة” لربات البيوت حيال كيفية تأمين متطلبات الإفطار الطرابلسي المعتاد.
وقلّما تدخل إلى بيت طرابلسي في الوقت الراهن إلاّ وتسمع العديد من الشكاوى إن لم نقل أكثر، عن غياب دور الجهات المسؤولة و”تطنيشها” تجاه التمادي في التلاعب بالأسعار، وكأن شهر رمضان المبارك هو الزمن المنتظرللعبث بحياة الناس! والتمادي بالتلاعب بقوتهم وتغييب الإبتسامة الرمضانية المنتظرة عن وجوه الأبناء والأحفاد خلال مسار تحديد أسعار المواد الغذائية إبتداء من جنيها وقطافها وتنظيمها في الصناديق إلى نقلها وتوزيعها على دكاكين الباعة، لتزداد هذه القيمة في الإرتفاع مع كل إنتقال أو توضيب بعيدا عن أعين المراقبين وإن وُجد هؤلاء فمن باب (دود الخل منو وفيه) والشطارة في من بإمكانه “شفط” أموال الزبائن.
ليتبين وبوضوح هذا الترابط بل التواطؤ بين المسؤول والتاجر لإبتلاع أموال الناس و “الحيلولة” دون تمكينهم من تأمين حتى متطلبات طاولة إفطار متواضعة لعوائلهم الذين إنتظروا قدوم هذا الشهر مدة عام، علّهم يحظون هذا الشهر بصحن من “الشوربا” أو “التسقية” (الفتّة) وبعض الخضار، وقد نسوا تماما طعم اللحوم والطبخات الطرابلسية الرمضانية التي كانت “تفتخر” بها مائدة الإفطار والتي غابت عنها ايضا الحلويات التي إمتازت بها طرابلس في هذا الشهر الكريم.
وإذ بالبرازق وأصناف العوّامة وأصابع زينب وحتى التمور والكربوج وقمر الدين أصبحت من المنقرضات على موائد الطرابلسيين، وحتى باعة الحلويات قلّصوا حجم صناعتهم من الحلويات الرمضانية..
والملفت أن الوقوف أمام محلات بيع الخضار والفاكهة بات يشبه تلك الحالة التي يشعر بها ويتحسسها اللبناني عند مداخل “دكاكين” الصيرفة بعد أن أصبح الحصول على الخضار والفاكهة يشبه “صرف العملات النادرة”.
أما على الجبهة السياسية فمبادرة “تكتّل الإعتدال” تسير في الإتجاه الصحيح ولكنها كما يقول المراقبون “تترنّح” والسبب هو في موقف “الثنائي” منها، “فحزب الله” لم يقدّم جوابه المنتظر رغم مضي 6 أيام كاملة على إجتماعه بأعضاء من التكتل، ما يثبت وجود قطبة مخفية ما؟ .
وبالتوازي أكد إجتماع الأمس بين التكتل والرئيس بري أن هناك آلية تُدرس، وهو ما لا يتوافق تماما مع ما أعلنه النائب غسان حاصباني من أن المبادرة التي حملها نواب التكتل إلى “معراب” وترتكز على أن يتداعى النواب إلى الإجتماع لا أن يكون هناك إطار منظم للحوار.
فهل الآلية التي يريدها الرئيس بري تتعارض مع ما تم الإتفاق عليه؟ وبالتالي هل يتكامل الدور بين حزب الله وبري؟ بحيث يتأخر جواب حزب الله، فيما يفخخ بري المبادرة من الداخل؟.
فالحزب يسعى لتغييب رئاسة الجمهورية وصولا إلى الفوضى وتفرده بحكم البلد ولن يترك هذا الأمر أو يسهل عملية الإنتخابات الرئاسية إلآ لقاء ثمن، وما تشبثه بمرشح يضمن الولاء له ولمرجعيته سوى تفصيل صغير في قائمة شروطه وأهدافه المرئية والمعلنة والتي ما تزال مخفية ولن ينخرط في الإعلان عنها إلا عندما (يصبح الفول بالمكيول(.
وموقفه وشرطه اصبحا معروفين (تريدون عودة الهدوء؟ سهلوا وصول مرشحي إلى الرئاسة فأرفع قبضتي جزئيا عن البلد).
في السياق كان لافتا إعلان وزير الإعلام زياد مكاري “أن مبادرة التكتل فشلت قبل أن تبدأ”.
وفي الجنوب الغليان على حاله وكذلك القصف المدفعي والصاروخي، والبارز ما أوردته وكالة رويترز من أن مسؤولا كبيرا في الخزانة الأميركية حض لبنان على وقف تمويل حماس؟!.
وفي غزة القصف الإسرائيلي مستمر وقد سقط أمس عشرات الضحايا، ومع تعسر مفاوضات الهدنة أعلن الصليب الأحمر الدولي أن الحرب في القطاع حطمت كل معاني الإنسانية.
ومقابل كل الحروب السياسية وكل ما تحمله من بشاعة، تمت إنارة معظم ساحات وشوارع طرابلس بمبادرات شخصية ومن قِبل مؤسسات وشركات خاصة مع حلول شهر رمضان، لإتاحة المجال أمام أهل المدينة والجوار للتنزه ليلا بعد الإفطار في الشوارع والساحات العامة داخل المدينة القديمة وفي المناطق الحديثة والتجول في الأسواق التي باشرت مخازنها بإفتتاح أبوابها مساء ووضع عروضاتها بتصرف المارة والمتنزهين ليلا على عادة اهل المدينة في هذه المناسبة العزيزة على قلوبهم.
من جهة ثانية توقفت الأوساط المتابعة عند الموقف الإسرائيلي بالتنازل أمام أي شرط تضعه “حماس” لوقف النار الكامل في غزة مقابل إطلاق أسراها، وستنتظر في الساعات المقبلة إمكانية تراجع “الحركة” عن شروطها، ليتبين هل سينفذ فلسطينيو القطاع هدنة قبل رمضان أم لا؟.
وعلى وقع الخشية من التصعيد الإقليمي حضّ جيسي بايكر نائب مساعد وزير الخزانة الأميركي، السلطات السياسية والنقدية في لبنان للعمل على منع تحويل الأموال إلى “حماس” عبر لبنان.
وقد طالب بايكر بإتخاذ إجراءات صارمة ضد ما اسماه القطاع الكبير من الخدمات المالية غير المشروعة التي تضاف إلى ما يعرف بالكاش إيكونومي والتي تقوم بتأمين حلول لكل الخارجين عن النظام المالي العالمي.
وعلمت وكالة الأسوشيتيد برس أن بايكر أجرى محادثات مطولة وصفت بالإيجابية مع حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري سمع خلالها المسؤول الأميركي إلتزام النظام المالي والمصرف اللبناني بالقوانين الدولية والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة.
ويبقى السؤال من يمكن أن يضبط الخدمات المالية غير المشروعة والصرافة غير الشرعية؟، وعمليات تحويل الأموال المشبوهة؟ وأين الدولة من كل ذلك وكذلك القضاء؟.
وبالرغم من بداية الشهر السادس من الحرب تبدو إسرائيل عالقة ومتعثرة في الجنوب كما أشارت مصادر صهيونية عبر بعض الصحف العبرية، فهل تعمل جديا على وقف عدوانها؟ أم تستمر في الغرق بمستنقع غزة؟.
وبحسب الرئيس الأميركي فإن التوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار بحلول شهر رمضان يبدو أمرا صعبا، وبحسب وزير خارجيته فإن الكرة في هذا الشأن هي في ملعب “حماس” وليست في ملعب إسرائيل، وإلى أن تخرج الهدنة المتوخاة من عثراتها يتقدم إلى الصدارة مشهد “كرنفال” الجسر البحري الذ إبتدعه الأميركيون، في الظاهر يقدّم هذا المشروع على أنه إنساني، بهدف إيصال المساعدات لفلسطينيي غزة، إلا أنه في الواقع مشروع جديد يغطي المشكلة الحقيقية الناجمة عن العدوان ويثير تساؤلات حول مخططات التهجير ومقدمات للسيطرة على ثروات النفط والغاز!!.