عماد الشدياق – اساس ميديا
مثل الفطر أو بقعة الزيت، تنمو ظاهرة “المَحافظ الإلكترونية” وتنشر إعلاناتها لدى مكاتب شركات تحويل الأموال، أو على اللوحات الإعلانية في الطرقات. أسماءٌ لشركات عدّة دخلت هذا الغمار، وبدأت بالعمل والترويج لتلك المحافظ، مستغلّة غياب القطاع المصرفي عن الساحة النقدية، محاولة سدّ الفراغ الذي خلّفته الأزمة.
المحفظة الإلكترونية هي تطبيق إلكتروني يُحمّل على الهاتف الجوّال، ويمكن إيداع الأموال بالدولار “الفريش” والليرة اللبنانية بداخله عبر الشركات، فيخوّل حامله دفع رسوم أو بدل خدمات مثل فواتير الهاتف الثابت أو المحمول، أو دفع اشتراكات الإنترنت لدى الشركات الخاصة أو اشتراكات تطبيقات التلفزة مثل Netflix وغيرها أو اشتراكات النقابات وتذاكر السفر وغيرها من الخدمات، وخصوصاً إرسال وتلقّي الأموال من داخل لبنان وخارجه… وكلّ ذلك بواسطة الهاتف المحمول. لكنّ نطاق عملها محصورُ على الأراضي اللبنانية.
والجدير ذكره أنّ مصرف لبنان “أعمى” لا يرى ما يحصل داخل هذه الشركات والمحافظ، إلا من خلال تقارير ترفعها له إدارات هذه الشركات
لماذا ظهرت الآن؟
ظهور تلك المحافظ الإلكترونية وانتشارها يعودان إلى 4 أسباب رئيسية، وهي:
1- عدم ثقة الناس بالقطاع المصرفي نتيجة الأزمة المستمرّة منذ ما يزيد على 4 سنوات.
2- عدم حماسة القطاع المصرفي لتطبيق تعميم مصرف لبنان ذات الرقم 165 الذي يجيز التحويلات وإصدار الشيكات عبر مقاصّة داخلية في مصرف لبنان، بالليرة اللبنانية “الفريش” وبالدولار “الفريش”، وراهن عليه “المركزي” (وما زال يراهن) من أجل ضبط “اقتصاد الكاش” وتفعيل وسائل الدفع البلاستيكية، علّها ترفع عن لبنان “كأس” إدراجه على “اللائحة الرماديّة” الخاصة بمجموعة العمل الماليّ التي تُعرف باسم FATF.
3- عدم حماسة الحكومة أو ربّما عدم رغبتها بالتخلّص من “اقتصاد الكاش”.
4- غياب التنسيق بين مصرف لبنان والحكومة التي يُفترض أن تكون تلك من صلب مهامّها، باعتبار أنّها “صاحبة مصلحة”، وتمتلك محفّزات تستطيع من خلالها توجيه المواطنين إلى استخدام وسائل الدفع المشابهة، من خلال إعفائهم أو تخفيض بعض الرسوم أو بعض الضرائب المحدّدة.
ثمّة من يستغلّ تلك المحافظ الإلكترونية من أجل الترويج للمضاربة بواسطة العملات الرقمية
ساهمت هذه الأسباب الأربعة في ظهور “المَحافظ الإلكترونية” على هامش الأزمة، ودفعت بشركات تحويل الأموال باعتبارها من بين الجهات الأكثر اعتماداً لتلك المحافظ، والأكثر استفادة منها، إلى اغتنام تلك الفرصة من أجل الحلول مكان المصارف في بعض الخدمات المصرفية، وبالتالي تعبئة الفراغ الذي خلّفته أزمة المصارف. ومن بين تلك المحافظ الإلكترونية تعود ملكيّة 4 منها لشركات تحويل أموال، هي الأشهر اليوم على الساحة، إضافة إلى شركات أخرى تعود ملكيّتها لشركات ماليّة، وهي:
محفظة BOB Finance:
سقف البطاقة مفتوح، إذ يمكن لأيّ شخص يحمّل التطبيق على هاتفه أن يُودع أيّ مبلغ يريده بالليرة اللبنانية وبالدولار “الفريش” لدى أيّ فرع من فروع الشركة المذكورة. التحويل من محفظة إلى أخرى مجّاني. وهو ما يعني أنّ حركة الأموال داخل المحافظ بلا رسوم، لكنّ السحب سيكبّد الساحِب قرابة 0.25$ عن كلّ 100 دولار أميركي.
محفظة Wish:
هي أيضاً سقف الإيداع فيها مفتوح وبلا رسوم. لكنّ السحب محدّد بـ5 آلاف دولار أو 100 مليون ليرة شهرياً. بينما تكلفة السحب هي 1% على المبلغ المسحوب بالدولار، ومجّاناً تحت 100 مليون ليرة (1% فوق هذا المبلغ).
محفظة Weepay:
صادرة عن شركة Cash united. وهي مفتوحة سقف الإيداع أيضاً ولا رسوم عليها. لكنّ السحب من خلالها محدّد بـ3 آلاف دولار أميركي أو 150 مليون ليرة شهرياً. بينما تكلفة السحب هي دولار واحد فقط، بغضّ النظر عن المبلغ المسحوب (السحب مجّاني حتى نهاية شهر أيلول بسبب عرض تقدّمه الشركة لاستمالة الزبائن).
ثمّة حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر استغلال هذه الوسائل من أجل تحويل الأموال لـ”سماسرة” يقومون بـ”تسييل” العملات الرقمية إلى دولارات أو العكس
محفظة OMT:
سقف المحفظة 10 آلاف دولار للعملاء الحاصلين على بطاقة بلاستيكية صادرة عن الشركة، و3,000 دولار لعملاء المحفظة. أمّا السحب الشهري فسقفه 3,000 دولار أو 150 مليون ليرة لبنانية، وتقتطع 1% من كلّ سحب من المحفظة. أما البطاقة البلاستيكية فهي الوحيدة التي يمكن استعمالها خارج لبنان بعد تحالف الشركة مع بنك لبنان والمهجر.
إضافة إلى هذه المَحافظ الإلكترونية الأربع، ثمّة محافظ إضافية مثل Mymonty التي يملكها المتموّل منتصر الهاشم، وتعمل (للإيداع والسحب) بواسطة فروع شركة OMT.
وكذلك محفظة Zaky، وهي لشركة Areeba التي يملكها نجل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي (ماهر ميقاتي).
وهناك شركات أخرى غير لبنانية يمكن تحويل الأموال عبرها إلى لبنان والخارج، مثل محفظة Purpl وغيرها.
ما هي الفائدة من تلك المحافظ؟
في التعقيب على “تفريخ” هذه المَحافظ الإلكترونية، يُجمع الخبراء الماليّون على أنّ فوائدها محدودة، إذ لا تحدّ 100% من اقتصاد “الكاش”، الذي يطمح إلى محاصرته مصرف لبنان وتدعونا الخزانة الأميركية إلى ضبطه ومراقبته، خصوصاً خلال الزيارة الأخيرة لوفد الخزانة للبنان. وإنّما جلّ ما تقوم به أنّها “تُبعد التبادل التجاري عن الأوراق النقدية” و”توفّر وسائل دفع إلكترونية محصورة بنقاط محدّدة” فقط.
والجدير ذكره أنّ مصرف لبنان “أعمى” لا يرى ما يحصل داخل هذه الشركات والمحافظ، إلا من خلال تقارير ترفعها له إدارات هذه الشركات.
أضف إلى ذلك، قد تحضّ المَحافظ الإلكترونية المواطنين اللبنانيين على استخدام وسائل الدفع الإلكترونية والاعتياد عليها، خصوصاً في حالات “توطين رواتب”، إذ يعمد الناس على استخدام أرصدتهم بالبطاقات، وذلك للدفع بدلاً من سحبها أوراقاً نقدية (كاش).
… وهذه محاذيرها
لكن على الرغم من هاتين الإيجابيّتين، ثمّة محاذير أكثر خطورة تتعلّق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، خصوصاً أنّ هذه المحافظ الإلكترونية تصدر عن شركات ماليّة أو عن شركات تحويل الأموال. وهي بطبيعتها أقلّ اهتماماً بهذه المسألة من المصارف التي تربطها علاقات مع المصارف المراسلة والمؤسّسات الدولية ومع الخزينة الأميركية، التي تدفعها لأن تكون بالعادة أكثر حرصاً على مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. بل هي في أقلّ تقدير “سيف ذو حدّين”، وتعتمد برقابتها على مناعة الشركة الذاتية وعلى التزامها الذاتي، خصوصاً أنّ هذه الشركات تخضع لرقابة مصرف لبنان فحسب، الذي قد لا يُعوَّل على فاعليّة رقابته في هذا الشأن، بحسبما يؤكّد الخبراء الاقتصاديون. فتلك المؤسّسات مطالَبة بتقديم تقارير إلى المصرف المركزي حول عدد العمليات وأحجامها وأسماء العملاء وغير ذلك، ومن غير المؤكّد إن كانت تقوم بتلك الإجراءات في ظلّ الظروف الحالية.
أضف إلى هذا أنّ ثمّة من يستغلّ تلك المحافظ الإلكترونية من أجل الترويج للمضاربة بواسطة العملات الرقمية. وثمّة حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر استغلال هذه الوسائل من أجل تحويل الأموال لـ”سماسرة” يقومون بـ”تسييل” العملات الرقمية إلى دولارات (USDT) أو العكس، من دون الحاجة إلى معرفة المُرسِل أو حتى المتلقّي. وقد تتسبّب بحالات نصب واحتيال، لا تكون الشركات المصدّرة للمِحفظة مسؤولة عنها بالضرورة، لكنّها حتماً ستجلب لها الجَلَبَة والسمعة السيّئة!