صرخة جديدة يطلقها أبناء منطقة التل في طرابلس وتضيف إلى رزمة الأزمات الإجتماعية والأمنية والإقتصادية شحنة من تداعيات غياب الدولة وفقدان هيبتها.
فبعد ظاهرة “المتسولات” اللواتي كنّ يتجولن في شوارع طرابلس خلال شهر رمضان بهدف الترويج للدعارة ، إذ بسكان وجمعيات من منطقة التلّ يرفعن الصوت عبر إحدى صفحات المواقع الإلكترونية الخاصة بمدينة طرابلس تحت عنوان “إلى متى”؟. والسؤال المطروح موجه إلى القوى الأمنية بعدما “تحولت منطقة التل إلى مركز لتسهيل الدعارة لقاصرات، وتعاطي المخدرات والإتجار بها، عدا عن عمليات السلب والتشبيح “.
بحسب أصحاب الشكوى، يرافق القاصرات أحد الأشخاص الذي يتولى أعمال الترويج للمخدرات وتسهيل الدعارة للقاصرات. وهم يتجمعون ليلا في نقاط محددة وتحت أنظار الأجهزة الأمنية الموجودة في المدينة، وينطلقون لاحقاً إلى”أعمالهم” عبر اقتناص الزبائن والشبان الذين يتوافدون من مناطق بعيدة لشراء المخدرات. واللافت أن “القوّادين” معروفون بالأسماء لدى الأجهزة الأمنية وهم من أهل السوابق، بحسب سكان منطقة التل، وهي ليست المرة الأولى التي يناشدون فيها الأجهزة الأمنية “بضبط الأمن ووضع حد لهذا الفلتان من هذه الظاهرة الغريبة التي تتكرر كل مساء…لكن من دون جدوى “.
أزمة الثقة بالأجهزة الأمنية الموجودة في المنطقة قد تكون وراء تفشي هذه المجموعات التي باتت أبعد ما يكون عن الظواهر الغريبة، “إنما جزء من يوميات أبناء التل حيث يتكرر المشهد من دون أي رادع أمني أو قانوني ولا حتى ديني أو سياسي أو المرجعيات المختصة” تقول مصادر متابعة في المدينة. وتلفت إلى ان عمليات “التشليح والنصب والهجوم بالسلاح الأبيض أو الأسلحة الرشاشة بهدف السرقة باتت تشكل جزءا من مشهدية الحياة اليومية في مناطق البحصاص والتل وسواها لكن مسألة تفشي ظاهرة القاصرات اللواتي يمتهن الدعارة من قبل مجموعات تعمل على ترويج المخدرات والتعاطي باتت مكشوفة”.
علامات استفهام كثيرة ترسمها المصادر حول عدم تحرك الأجهزة الأمنية على رغم مناشدات الأهالي “خصوصا أن كل الأجهزة الأمنية من قوى أمن وفرع المعلومات والمخابرات وأمن الدولة موجودة في منطقة التل. وتضيف بأن الكلام عن تجاهل القوى الأمنية لهذه الظاهرة ليس من باب الشك بتواطؤ أي من الأجهزة مع العصابات التي تروج للمخدرات والدعارة. لكن لماذا يغضون النظر ويسمحون بتشويه صورة المدينة والتسبب بأذية شبابها الذين بدأوا يسلكون طريق الإنحراف؟”.
بالتوازي يلفت مرجع قانوني إلى أن هذه الممارسات الأخلاقية والإجتماعية بعيدة كل البعد عن بيئة وأخلاقيات أبناء طرابلس لكن أيا من أبناء طرابلس لا يريد أن يتورط بأي إشكال معها حتى لا يتهم بالإرهاب أو الإنتماء إلى “داعش”. ويضيف أن الهدف من الترويج لظاهرة الدعارة والمخدرات في هذه البقعة التي يعاني غالبية سكانها من الفقر والضائقة الإجتماعية هو تشويه سمعة المدينة،وإلا كيف يمكن أن نفسر ارتفاع أسعار كل السلع والأدوية وأسعار المخدرات لم تتغير مما يسهل ترويجها في البيئة الأكثر فقرا وتحديدا فئة الشباب العاطل عن العمل”.
ما ليس خافيا على أحد أن الرادع الأمني موجود وإن نسبيا من خلال عمليات توقيف مروجي المخدرات والمتعاطين. وهذا الواقع الأمني يشمل طرابلس كما سائر المناطق في لبنان. أما بالنسبة إلى التجار والرؤوس الكبيرة “فاسألوا الجهات السياسية والحزبية التي تغطيهم وتؤمن لهم الحماية” يقول المرجع القانوني.
النائب أشرف ريفي يعتبر أن ما تشهده مدينة التل في طرابلس كما في أي منطقة في لبنان هو نتيجة فقدان هيبة الدولة وتراجع قدراتها. ويضيف لـ”المركزية” تعقيبا على السؤال أين هم نواب طرابلس، بأنهم “يتحركون بالحد الأقصى لكن العلة الأساسية تكمن في غياب الدولة وعدم توافر العديد المطلوب من عناصر الأجهزة الأمنية، وإذا تأمنت فلا القدرة اللوجستية والمعيشية تسمحان بتطبيق الخدمة الفعلية”. ويؤكد ريفي أن الحل الجذري يتوقف على انتخاب رئيس للجمهورية لانتظام الحياة من جديد في كل القطاعات والمؤسسات لا سيما الأمنية منها بعدما تحول الهاجس الأكبر كيفية تأمين الغذاء ولقمة العيش والدواء”.
بين الرادع الأمني والقانوني ثمة رادع لا يتأثر بأي من العوامل الإقتصادية والظروف السياسية “إنه الرادع الأخلاقي والتربية” يقول ريفي ليختم مؤكدا أن الرادع الأمني ضروري ومكمل إلا أن البيئة والتربية هما الرادع الأساس. من هنا لا أخشى من تفلت كل هذه الظواهر الموجودة في كل المجتمعات وحتى في أرقى الدول مع فارق أن الرادع والخشية هناك تكون من القانون أما عندنا فالبيت والتربية هما الأساس”.