بقلم الكاتب والصحافي صفوح منجّد
قرأت مؤخرا تحت عنوان” الحمار الصاعد”: أن رجلا إشترى حمارا لأول مرة في حياته، ومن فرحته بالحمار أخذه إلى سطح بيته وصار الرجل يدلّع الحمار ويُريه مساكن قبيلته وعشيرته من فوق السطح حتى يتعرّف على الدروب والطرق ولا يضيع حين يرجع للبيت وحده، وعند مغيب الشمس أراد الرجل أن يُنزل الحمار من على السطح لإدخاله الحظيرة، فحزن الحمار ولم يقبل النزول، فالحمار أعجبه السطح وقرر أن يبقى فوقه.
حاول الرجل أن يقنعه مرات عديدة وحاول سحبه بالقوّة أكثر من مرة، أبدا ! لم يقبل الحمار النزول ، لكنه دقّ رجله بين قرميد السطح وصار يرفس وينهق في وجه صاحبه… البيت كله صار يهتز والسقف الخشبي المتآكل للبيت العتيق أصبح عاجزا عن تحمّل حركات ورفسات الحمار، فنزل الرجل بسرعة ليُخلي زوجته وأولاده خارج المنزل، وخلال دقائق إنهار السقف بجدران البيت، ومات الحمار فوقف الرجل عند رأس حماره النافق وهو مضرّج بدمائه وقال : أنا لا ألومك على ما فعلت، لأن مكانك في الحظيرة، أنا المخطىء، لأنني صعدت بك إلى السطح.
من الصعب إنزال الحمير الذين تم إيصالهم لمكان غير مكانهم الحقيقي، لا يلام إلآ من أوصلهم لذلك المكان، فعند تعيين اُناس غير مناسبين في مواقع القرار فلا عجب من إنهيار المنظومة وتصدّع البيت، فالحمير كثُرت على أسطحنا حتى تزعزعت دعامات أمم وأوطان فهل من وسيلة لإنزالها؟ لأن من يصعد السطح منهم لا ينزل قبل أن يهدم البيت (إنتهى).
طبعا هذه “الحدّوته” لا أحاول “تطبيقها” على أحد مطلقا، ولكن ألا ترون معي أنه قد آن الوقت للعديد ممن يسكنون سطح هذا البلد أن يهبطوا منه وينزلوا عن كراسيهم قبل أن تقضي منظومة المافيا والفساد والسلاح على ما تبقى من حجارة واقفة في هذا البلد بعد أن أوصلوه إلى ما وصل إليه من خراب ودمار وجوع ويأس وبطون خاوية !؟
ألا تتفقون معي أنّ أصحاب السطوح قد زاد عددهم وإنتفخت بطونهم وجيوبهم وزادت مآسيهم وما يفرضونه من ذل ومصائب وكوارث بحق وطنهم ويمعنون في شل المقدرات والأسس وتفريغ المؤسسات الدستورية والإنسانية والإجتماعية والمالية من قدراتها وحتى من إنهاء وجودها… كل ذلك ليبقى (حمارهم) واقفا على أرجله ليدلهم على الطريق التي توصلهم إلى “إكتناز” المزيد من المال والسلطة والجاه.
والأعجب من كل ذلك هو لجوء البعض من وقت إلى آخر إلى التهديد بإستخدام السلاح بدلا عن العصا أو السيف كما كان الحال سابقا، في محاولة “ممجوجة” لإرهاب بعض شركائه في الوطن ولفرض وتكريس مفاهيم جديدة تثير الغثيان ولا تعبّر عن حقيقة ما يتم الإدعاء به أنّ محاولاتهم وإدعاءاتهم هي للدفاع عن الوطن والمواطنين، والحقيقة أنها مخططات واضحة وجلية تهدف إلى تفتيت هذا البلد والقضاء على ما تبقّى من تحالف في “صفوف القوى الوطنية والديمقراطية” لاسيما على أبواب الإنتخابات الرئاسية، ليسهل على منظومة الفساد والمافيا والسلاح التحكّم بالبلد، بحيث أنه بات من الملِح قيام حركة إنقاذية تضع لبنان على سكة الخلاص من الأوضاع المأساوية التي يعيشها منذ سنوات وتزداد “شراستها” وترتفع وتيرة أضرارها وخسائرها.
ومن هنا نُدرك طبيعة القرارات أو التوصيات التي صدرت عن اللجنة الخماسية (فرنسا، اميركا، السعودية، مصر و قطر) التي أكدت في ختام جولة مباحثاتها الأولى على مستوى الوفود بأن خلاص اللبنانيين هو بأيديهم وبمدى ما يتفقون عليه حيال خلافاتهم وإنهائها، وإنتخاب رئيس جديد للجمهورية وإجراء الإصلاحات الدستورية المطلوبة.
ووسط رُكام الدمار والخراب الذي يزداد مساحة وإرتفاعا ويحول دون لقاء اللبنانيين يطل علينا من حين إلى آخر قائد ميليشيا السلاح، ينظّر علينا، يهددنا، ويتوعّد بإستخدام “إصبعه” ويتوجه إلى معارضيه وهم كُثر قائلا: من حقكم أن تخافوا من هذا الإصبع!؟ ولا ندري هل هو حقيقة يخاطب شركاء له في هذا البلد أم يعتبرهم أعداء له؟؟ وعندها يجب أن يقيم لهم وزنا في تلك المواجهة!! والمسألة التي باتت تتطلب موقفا حاسما وتوضيحا، فالكلام مباح للجميع وإن كان يحمل تهديدا مبطّنا أو ظاهرا، فقد إعتدنا عليه، ولكن ما لا نتقبله هو أن يترافق الكلام مع إعلان الكفر بالعزّة الإلهية! كأن يقول أحدهم أنّه (مكلّف من الله) عزّ وجلّ بما يقوم به أو ما يفعله وما يقوله!.
وهل صحيح أن الله تعالى كلّفك يا سيّد القيام بهذه الفوضى وبإيصال البلد إلى “الإرتطام الكبير”، وبزيادة حِدّة المآسي التي يعاني منها أبناء هذا الشعب؟ أم أنهم برأيك “كافيين” حالهم ورزقهم وثمن دوائهم ومتطلبات ابنائهم؟.
والأمر المحيّر (لدى البعض وليس بالنسبة لنا) أن هناك من أدلى بتصريح عشية ذكرى 14 شباط قال فيه للمرّة الأولى العبارة التالي نصها: ” نجدد التعازي لعائلة الشهيد رفيق الحريري” فهل تناسى تلك الحملة على محكمة العدل الدولية التي كشفت ودانت منفذي جريمة الإغتيال والتفجير بالأسماء والوقائع، وهو الذي أقرّ بذلك، بشكل أو بآخر ورفض تسليم المتهمين وهم من عناصر حزبه إلى العدالة.
هذا وتواصل منظومة “المافيا والميليشيا” الحاكمة والمتحكمة بمفاصل البلد والإمعان في إغراق اللبنانيين وتجفيف منابع الحلول المطلوبة داخليا وخارجيا لإنتشالهم من الوحول ومستنقعات الإنهيار ليأتي خطاب الأمين العام ل “حزب الله” السيد حسن نصر الله كمن “يزيد في الطين بلّة” مع تصعيد لغة التحدي والتهديد في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية (فهمنا ذلك وإعتدنا عليه فهو كلام بكلام) ومفاقمة تعقيدات الأزمة اللبنانية بإعلاء نبرة التلويح بالحرب والفوضى في المنطقة تحت شعار “كسر الحصار” عن محور الممانعة، وفي الوقت نفسه يتغاضى عن حقيقة تخلف السلطة ونكثها بالوعود الإصلاحية التي قطعتها لصندوق النقد وقافزا فوق كل الاسباب الداخلية للأزمة المتفاقمة من دون حلول منذ أكثر من 3 سنوات تحت إدارة منظومة سياسية فاسدة نهبت المال العام والخاص وتمتهن سياسة الإنكار وتقاوم الإصلاح بكل ما أوتيت من بطش وسطوة وفائض قوّة.
وإلى جانب كل ذلك وفي محاولة من ميليشيا السلاح للإستيلاء على “ميراث” البنوك والمصارف اللبنانية فإنه باشر في إفتتاح وإقامة فروع للقرض الحسن وتعميمها في مختلف المناطق اللبنانية إنطلاقا من الجنوب والبقاع والشياح في بيروت وعالية، في حين تتحدث بعض المصادر عن بدء دراسة الجهة المعنية اللبنانية- الإيرانية لإفتتاح أكثر من فرع في شمال لبنان، ومن هنا يمكن تفسير هذه الحملات الأخيرة التي شهدتها مناطق لبنانية عديدة لتخريب وحرق بعض الفروع المصرفية مقابل الترويج عبر بعض وسائل الإعلام اللبنانية عن مؤسسات “القرض الحسن” الإيرانية المنشأ ودفع اللبنانيين بإتجاه التعامل معها والمشاركة في تأسيسها، فبعد تهديدات نواب الحزب وقياداته بإستخدام سلاحهم والإمعان بالقتل والتخريب وإحتلال مناطق بالقوّة وتصفيات جسدية هاهم يحاولون السيطرة على الثروة المالية ومدّ اليد “إلى جيوب اللبنانيين” ومدّخراتهم.
مواقف وإجتماعات
– على صعيد آخر من المتوقع أن يدعو رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى إجتماع يعقد يوم الخميس القادم للمجلس ولكن يرجح أن لا تعقد بسبب إعلان عدد من الكتل النيابية عن إعتراضها حضور هذه الجلسة وبالتالي فإنه من المتوقع عدم إكتمال نصاب الجلسة، وبذلك يكون بري قد رفع المسؤولية عن نفسه بشأن إبطال هذه الجلسة وبالتالي عدم إقرار قانون التمديد لمدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم.
– وعلى الصعيد المالي فقد دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى إجتماع ثان تعقده الحكومة اليوم الإثنين بحضور رئيس مصرف لبنان رياض سلامة ونوابه والمعلومات تتحدث عن حلحلة مصرفية ولجم للدولار بدء من يوم الثلاثاء.
– هذا وبمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج توجه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في رسالته إلى اللبنانيين بالقول “إن كل خدمات الدولة الوطنية وميزاتها سقطت في الأعوام الثلاثة الأخيرة، ولسنا نجد أحدا من المسؤولين الرسميين يعمل على الصمود أو على الإستعادة”.
أضاف: “الجميع يشكو من غياب رئيس الجمهورية ولا جمهورية من دون رئيس، لكن نصف الشاكين على الأقل هم الذين منعوا ويمنعون إنتخاب الرئيس، لا لشيىء إلآ لأنهم يريدون مرشحيهم وليس غيرهم للرئاسة وهم مستعدون لهلاك الوطن أو إهلاكه إن لم يلب مطلبعهم الفظيع”.
– من جهة ثانية قال البطريرك الراعي في عظة الأحد: كم كنا نود مع الشعب اللبناني أن نعيش فرحة عرس العيش معا في وطن لبناني يؤمل فيه المسؤولون السياسيون ولاسيما النواب طيب الحياة للجميع بإنتخاب رئيس للجمهورية لكي تعود الحياة الدستورية المنتظمة.
أضاف: فيا أيها المسؤولون السياسيون والنواب والنافذون والمعطلون بوجه او بآخر لقد حولتم عرس لبنان وشعبه وجمال طبيعته وغنى موارده إلى مأتم كبير ، وشحتموه برداء اسود من الفقر والجوع والحرمان والتهجير، تهجرونه من وطنه وتفتحون ابوابه لمليونين وثلاثماية الف نازح سوري ما بدأ يفوق نصف الشعب اللبناني، ترفضون اي نصيحة من الدول الصديقة والحريصة على إستقرار لبنان وإستعادة قواهن ترفضون كل دعوة ملحة لإنتخاب رئيس للجمهورية، فتدعون ذلك تدخلا ومسّا بكرامتكم”.
– ورأى المتروبوليت إلياس عودة في عظة الأحد:” ان دينونة المسؤولين عظيمة طالبا من المسؤولين إنتخاب رئيس يقود السفينة إلى ميناء النجاة “.
وقال:” سنوات مرت والأوضاع السياسية والإقتصادية تنهار وعملتنا الوطنية تتدهور إلى حضيض غير مسبوق، ولم نشهد جهدا من اجل إنقاذ الشعب من هذا المصير، ألا يخجل كل من يسمي نفسه مسؤولا أو زعيما من تحويل الشعب اللبناني الحي والمبدع إلى شعب خائف وجائع ومتسول وطالب للهجرة؟؟.