منير الربيع – المدن
استثناء لبنان من الدعوة إلى حضور قمة العراق، مؤشر خطر. يضع البلد في مصاف الدول المتفككة، أو ربما لعدم وجود “الرمز” السياسي القادر على تمثيل اللبنانيين ككل في هذه القمة. أو ربما بات لبنان يُحسب على سوريا التي لم تُدعَ أيضاً.. وفي ذلك مخاطر أكبر.
متغيرات هائلة
في المعيار الأوضح، غدا لبنان البلد المهمل، والمتروك لمصيره. لا زيارات رسمية إليه، ولا دعوات رسمية لمسؤوليه إلى الخارج. لن يمرّ هذا الانطباع بشكل سلس ولا بناءً على قاعدة روتينية، إنما سينتج عنه متغيرات هائلة، تتخطى النقاشات البيزنطية حول تشكيل الحكومة، والتي لا يبدو أنها ستبصر النور بعد الصراعات المتصاعدة بين رئيس الجمهورية ميشال عون، والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، مدعوماً من رؤساء الحكومة السابقين.
يسير لبنان نحو خيارات استراتيجية جديدة، ترتبط بتفكيك كل ما كان قائماً منذ ما بعد الحرب الأهلية. تتفكك صيغة الميثاق الوطني عام 1943، وتتفكك صيغة الطائف، كما صيغة اتفاق الدوحة. ما يجري هو أمر بالغ الخطورة، ينطلق من تجويف كل البنى الاجتماعية والمؤسساتية. في مثل هذه اللعبة الخطرة يظهر السنّة وكأنهم غير قادرين على الدخول في المعركة، إنما يجدون أنفسهم في خانة أصحاب ردود الفعل وليس الإقدام على الفعل. كما أنهم لا يخوضون المعركة الحقيقية التي يجب خوضها في الحفاظ على بنية الدولة الوطنية، فينزلقون بأنفسهم إلى لعبة الطوائف والمذاهب، وتبني موقف سنّي بدلاً من تبني موقف وطني.
استثارة العصبيات
“التفكك” هذا يتركز الآن في سيناريو الفوضى لإنتاجها في الشمال. من قبل، كان السيناريو يستهدف طرابلس، وحالياً انضمت عكار إلى قبلة الاستهداف. في كلام واضح وعميق، فإن الشمال اللبناني كان جزءاً من الأكسسوار بالنسبة إلى المنظومة اللبنانية، يتم التعاطي معه وكأنه غير موجود، وغير مؤثر، إنما فقط كخزان بشري كبير. ولكن حالياً يفتقد الشمال هذا الدور، مع العلم أنه لا يمكن الحديث عن نهوض اقتصادي جدي ووطني إلا من خلال الشمال اللبناني، نظراً لموقعه الإستراتيجي. التفكك بدأ، ويتجلى في استثارة العصبيات المناطقية والطائفية والمذهبية. وهو يعبر المناطق اللبنانية كلها بشكل متفاوت، لكنه سيستفحل أكثر في المرحلة المقبلة.
هذا المسار يتكامل مع مسار الفوضى الذي سيقود إلى سيناريوهات متعددة. الأول، عدم تشكيل حكومة وعدم تكوين السلطة مجدداً. فيبقى رئيس الجمهورية في القصر الجمهوري بانتظار الوصول إلى تسوية سياسية شاملة جديدة، على قاعدة تسوية 2016 وبشروط مختلفة. السيناريو الثاني، هو استمرار الاستعصاء حتى الوصول إلى مؤتمر تأسيسي جديد، يعيد إنتاج السلطة والنظام وفق موازين قوى جديدة.
الطرف الأقوى
وهذه السيناريوهات كلها يتحسّب لها حزب الله، القادر على الإمساك في مجموعة أوراق قوية بيده، بشكل يجعل نفسه متأقلما مع أي هبة ريح. وعندما يحين موعد التفاوض الدولي الكبير سيكون شريكاً على طاولة التفاوض. خصوصاً ان القوى الدولية في لحظة التفاوض بحثاً عن اتفاق، تجد نفسها مضطرة إلى عقد التسوية أو إبرامها مع الجانب الأقوى. وهذا ما يتمتع به حزب الله. وهذا ما أشار إليه أمين عام الحزب، السيد حسن نصر الله، لدى تناوله لملف أفغانستان وتطوراته، وهو يتناوله أيضاً بمقارعة الأميركيين بملف النفط والغاز، سواء باستقدام النفط الإيراني إلى لبنان، أو بتوجيه الدعوة إلى شركات إيرانية قادرة على التنقيب عن النفط في المياه اللبنانية، من دون أي اعتبارات أو شروط دولية. هذه المعادلة من شأنها أن تفتح باباً جديداً للتفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية، وهو أمر لا يمتلكه الآخرون.