كتب عمر البردان في “اللواء”:
كل المؤشرات تعطي انطباعاً واضحاً بأن لبنان بات قاب قوسين من الدخول في المجهول المخيف، على أبواب مرحلة اقتصادية ومعيشية خانقة تتهدده، بدت مؤشراتها الملموسة من خلال العتمة الزاحفة بعد إبطال المجلس الدستوري للسلفة المالية التي أقرها مجلس النواب، وقرار الباخرتين التركيتين بإطفاء محركاتهما بعد النزاع مع القضاء، وتوازياً مع تصاعد أزمة المحروقات، حيث السيارات طوابير أمام محطات الوقود، رغم نفي المعنيين لوجود أزمة على هذا الصعيد، وما يترافق ذلك مع مخاوف من انقطاع الأدوية بسبب الاستمرار في ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء.
كل ذلك يجري في خضم تشاؤم دولي حول مستقبل الأوضاع في لبنان، بعد العقوبات الأميركية على القيمين على النظام المالي في لبنان، في موازاة التوجه الفرنسي والأوروبي لفرض عقوبات على معطلي تشكيل الحكومة، في ضوء الصورة القاتمة التي رسمتها النتائج التي أفضت إليها زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان قبل أيام، بشأن مستقبل الأوضاع في لبنان، ووسط توقعات أن يشهد الأسبوع المقبل حركة احتجاجات عمالية ونقابية على نطاق واسع، بدعوة من الاتحاد العمالي العام الذي رفع رئيسه بشارة الأسمر الصوت، في مواجهة عملية إفقار اللبنانيين الذي يواجهون ظروفاً بالغة الصعوبة على مختلف الأصعدة.
ولا تخفي أوساط سياسية القول لـ”اللواء”، إن لبنان مرشح لمواجهة مرحلة قد تكون الأخطر منذ عقود، في ظل مؤشرات مقلقة للنتائج المتوخاة من قرار رفع الدعم عن السلع الأساسية الذي سيتخذه مصرف لبنان في وقت قريب، في وقت يعاني اللبنانيون ظروفاً سيئة نتيجة انهيار سعر صرف الليرة، مقابل الدولار الأميركي، وعلى أعتاب تحول نوعي في علاقات لبنان بأصدقائه الفرنسيين والأوروبيين الذين يتوعدون بعض سياسييه بعقوبات، ستزيد الأزمة الحكومية تعقيداً أكثر فأكثر، مع إصرار رئيس الجمهورية ميشال عون على التمسك بشروطه، في حين نقل عن الرئيس المكلف سعد الحريري، أنه يدرس خياراته للمرحلة المقبلة، في ضوء قراءته لمسار التطورات المتصلة بعملية تأليف الحكومة، وفي ضوء النتائج التي أفضت إليها زيارة وزير الخارجية الأخيرة. وإذ لا تُشير المعلومات إلى أي توجه للاعتذار، أقله راهناً، إلا أن المحيطين بالحريري يقولون إن “أي قرار سيتخذه سيكون منسجماً مع قناعاته ومن أجل مصلحة البلد والناس”.
وتعتبر الأوساط أن لبنان ما واجه عزلة من الأشقاء والأصدقاء في ماضيه، كما هي حال العزلة التي يواجهها الآن على كل الأصعدة، نتيجة سياسة العناد والتعنت التي يمارسها أهل الطبقة السياسية المتحكمين بالقرار، وهذا ما يبدو واضحاً من خلال الصراع القاتل على تشكيل الحكومة، وتغليب المصلحة الخاصة على مصلحة البلد، دون الأخذ بالاعتبار لكل النصائح والتحذيرات من الأشقاء والأصدقاء، بضرورة استعجال الحكومة والعمل من أجل المباشرة بخطوات إصلاحية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، اقتصادياً ومالياً. والأسوأ من كل ذلك، كما تشير الأوساط، إلى أن هناك من لا يزال يراهن على أن الوقت يعمل لمصلحته من أجل دفع الآخرين إلى الاستسلام والانسحاب من المعركة. وهذا مؤشر بالغ الخطورة برأيها سيزيد من غرق البلد وانهياره على مختلف الأصعدة.
وإزاء انسداد مخارج الحل السياسي وطي صفحة تشكيل الحكومة بسقوط المبادرة الفرنسية، فإن لبنان ما عاد قادراً على مواجهة التحديات التي تنتظره وفقاً للأوساط نفسها، بعد التوجّه الفرنسي والأوروبي لفرض عقوبات على عدد من المسؤولين المتهمين بتعطيل تأليف الحكومة، في وقت يرتفع منسوب المخاوف من انفجار اجتماعي وشيك، ينذر بقلب الطاولة على الجميع، وقد نقل عن مسؤولين فرنسيين، ومن بينهم الوزير لودريان، استياء مع المسؤولين اللبنانيين الذين يتعاملون بخفة متناهية مع تأليف الحكومة، في وقت لفت الوزير الفرنسي إلى أن “الوضع في لبنان بلغ مستويات شديدة الخطورة على جميع الأصعدة، وهذا ما يحمل الطبقة السياسية مسؤولية أساسية في وصول الأمور إلى ما وصلت إليه”.
وتعرب الأوساط عن اعتقادها، أن التطورات العسكرية بين الفلسطينيين وجيش الاحتلال الإسرائيلي، تشكل عنصر تعقيد جديداً، يضاف إلى سلسلة التعقيدات التي تواجهها الأوضاع المتأزمة أصلاً في لبنان، مع ما يمكن أن تتركه هذه التطورات من مخاوف على الاستقرار في الجنوب، في حال اتسعت دائرة المواجهات في الأراضي الفلسطينية، وبالتالي خروج الأمور عن السيطرة، وإمكانية تحريك الجبهة اللبنانية.