زياد عيتاني – اساس ميديا
لا يمكن رمي مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان ظلماً بالقول “ماذا حقّق الرجل؟”.
بداية لا بدّ من الإقرار بأنّ أيّ مسؤول مهما علا شأنه غير قادر على تحقيق كلّ شيء. بل المسؤول الماهر الذكيّ هو الذي يحدّد هدفاً أو هدفين يعمل ليل نهار من أجل تحقيقهما منذ لحظة تسلّمه موقع المسؤولية. من هنا لا يمكن تحميل المفتي عبد اللطيف دريان بعد 10 سنوات من الإفتاء مسؤولية ما حصل ويحصل للسُّنّة في لبنان. قد يكون أخطأ بعض الأحيان، فكلّنا خطّاؤون، و”كلّ ابن آدم خطّاء وخير الخطّائين التوّابون”. ومن المؤكّد أنّه أصاب في بعض الأحيان، فواجبه ومهمّته أن يصيب ويُجيد ما يقوم به. لكن كي يكون الإنسان عادلاً، فإنّ درّة تاج أعمال الشيخ عبد اللطيف دريان في موقع المفتي أنّه قاد سفينة السُّنّة في رحلة العبور من الماضي إلى صناعة المستقبل. كان الراعي الأمين في عبور سُنّة لبنان المرحلة الانتقالية من أُحادية القرار إلى صناعة النُخب وريّ حقولهم بالماء العذب كي ينبت العشب على هواه.
المفتي دريان فعل ما هو مطلوب منه عندما تردّد الكثيرون:
1- دعا إلى المشاركة في الانتخابات النيابية الأخيرة عندما عمل الكثيرون من فلول الزعامات السابقة وأشباح بعض الزعامات الحالية على مقاطعة الانتخاب تصويتاً وترشيحاً، فكان المفتي دريان ربّان سفينة عدم استقالة السُّنّة من مسؤوليّتهم الوطنية في الترشّح والتصويت، فمنع الآخرين من القبض على قرارهم السياسي، وحرّر الكثيرين من الهيمنة على خياراتهم السياسية.
إن أردنا إنصاف المفتي دريان أمكننا القول إنّه كان مفتي الانتظام الديمقراطي داخل مجتمع السُّنّة في لبنان. لم يقبل بتمديد ولا بشطط ولا تهريج، ويُكتب له ذلك في صحيفته
2- أصرّ المفتي عبد اللطيف دريان على انتظام الحياة الديمقراطية في أوساط السُّنّة، فأصرّ على انتخاب مفتي المناطق، وعلى الرغم من وجوده على السرير الأبيض في المستشفى يخضع للعلاج كان يردّ كلّ مرجع يقترح تأجيل هذه الانتخابات، ولسان حاله يقول: “من حقّ المناطق أن يكون لها مفتٍ أصيل”. فجرت الانتخابات بنجاح منقطع النظير، وبات للمحافظات مُفتون تُرفع القبّعات لهم.
3- وقف المفتي دريان ضدّ سلخ الهويّة الإسلامية عن جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، فانتصر للسيّدة خديجة أمّ المؤمنين التي كاد اسمها أن يُمحى في منطقة عائشة بكّار، وانتصر للسيّدة عائشة بنت أبي بكر فأصرّ على بقاء اسمها يزيّن حيّ العرب في منطقة الحرش.
إن أردنا إنصاف المفتي دريان أمكننا القول إنّه كان مفتي الانتظام الديمقراطي داخل مجتمع السُّنّة في لبنان. لم يقبل بتمديد ولا بشطط ولا تهريج، ويُكتب له ذلك في صحيفته.
على خلفيّة كلّ ذلك يبدو أنّ هناك من ساءته إنجازات المفتي دريان، فبدأ بالكيد والتخطيط كي يعكّر هذه الإنجازات ويشوّه ماهيّتها طارحاً التمديد للمفتي دريان في موقع الإفتاء وليس هذا وحسب بل وإعطاء رئيس الحكومة العامل صلاحية اختيار قائمقام المفتي في حال شغور المنصب. ما يعني وضع مقام الإفتاء رهينة الهوية السياسية لرئيس الحكومة العامل، وكأنّه يقول إنّ من قاد السُّنّة إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية، ومن قادهم إلى صناديق الاقتراع في انتخابات مفتي المناطق، عاجز عن قيادة بضع مئات من نخبهم لاختيار مفتٍ جديد للجمهورية ومسنعد للتفريط بإستقلالية مقام الإفتاء هو الفخّ الذي يُنصب للمفتي دريان ولا نخاله غيرَ دارٍ بحقيقة هذا الفخّ، فكلّ ما يفعلونه ينطبق عليه المثل الشهير: ليس حبّاً بروما بل كراهية للبابا. وهنا المطلوب من المفتي دريان اتّخاذ موقف يؤكّد فيه للجميع أنّه زاهد بالمناصب، قانع بما قسمه الله، ملتزم بمبادئه بعدم تأجيل أيّ استحقاق تمديداً أو غير تمديد. فليس المفتي دريان من يقبل بتمديد يأتي على شكل تهريبة في زمن التهريب عبر الحدود وغيرها. فإن كان لا بدّ من التمديد فليكن على رؤوس الأشهاد عبر مجلس شرعي سيُنتخب بعد أيام، وليس عبر مجلس شرعي انتهت أيامه وبات في حكم “كان ما كان”. في الشرع، والمفتي دريان هو العالم بالشرع وأحكامه، طلاق يوصف بطلاق الهارب، وهو طلاق يُسقطه رجل مريض على زوجته خلال مرضه وأيّامه الأخيرة، والشرع ينظر إلى هذا الطلاق على أنّه باطل لأنّه صادر من رجل يعيش أيّامه الأخيرة، فكيف بمجلس شرعي يريد أن يشرّع في أيامه الأخيرة تشريعاً يصحّ القول فيه إنّه تشريع الهارب، والمفتي عبد اللطيف دريان في لحظات المواجهة ما عوّدنا الهروب ولا الانكفاء.