رمال جوني – نداء الوطن
لا صوت يعلو صوت الألم داخل قسم “كورونا” في مستشفيات النبطية، وحده الوجع يرافق يوميات المصابين، هنا لا مجال للمزح، فـ”كورونا” توغّل داخل الأجساد وبات يهدّد الجميع، لم يسلم الشباب ولا الأطفال، الخوف من المفاضلة بين “الشب والختيار”، يقول دكتور قسم “كورونا” في مستشفى راغب حرب حسن مجلل، ويجزم بأنّ “القسم مفوّل، ومعظمهم على أجهزة التنفّس”.
لم يعد هناك مجال للندم، ما حصل قد حصل، أعداد الإصابات داخل قرى النبطية تؤكّد أنّ الوضع “فلت عن السيطرة”، لم يقتنع الناس بالتخلّي عن حفلات أعياد الميلاد والأفراح وحتى مجالس العزاء، بل تخلّوا عن الوعي، وباتت الإصابات لا تعدّ ولا تحصى.
ليس المصاب وحده من يتألّم، أيضاً الجهاز التمريضي، هؤلاء يعيشون في عزلة تامة، باتت حياتهم أشبه بحبس، لا يمكنهم فعل شيء سوى مداواة أوجاع مصابي “كورونا”. أما عائلاتهم فبالكاد يرونها، المسؤولية الكبرى ترتّب عليهم معالجة المصاب، غير أنّهم باتوا عاجزين عن الإستمرار أكثر، فالضغط كبير والأعداد في تزايد مستمرّ، وما يخشونه أن يأتي يوم يعجزون فيه عن القيام بمهمّتهم من شدّة التعب.
“أوعو، عم نخسر أحبّائنا بسبب إستهتار البعض”، هي كلمات الممرّضة نرجس التي رفعت من خلالها الصوت مُعلنة الدخول في الأسوأ. أيقنت نرجس، كما كلّ الجهاز التمريضي في أقسام “كورونا” في مستشفيات النبطية، أنّ “الوضع فلت عن السيطرة”، في ظلّ وجود أشخاص ما زالوا يرفضون وضع الكمّامة. وليس بعيداً عن الأمر، أبو مسعود الذي يرى الكمّامة “مسخرة” ويجزم بأنّها “مش حرزانة”، بل يؤكّد أنّ “كورونا” لا يعدو كونه مسرحية سياسية لا أكثر”.
لم يعرف أبو مسعود، كما كثر، أنّ الوباء سرق ثلاثة أشخاص دفعة واحدة من أهلهم بالأمس، بعدما مكثوا لأيام داخل قسم “كورونا” في مستشفى النبطية، وربّما غاب عن باله أنّ “لا واسطة مع “كورونا” وأوجاعه”.
بدا لافتاً حجم الإصابات التي سجّلت داخل القرى، فالأعداد مخيفة، معظمها ناجم عن أعياد ميلاد وعزاء وحفلات. أحد مجالس العزاء سجّل وحده ١٧ ىحالة والحبل على الجرّار، وهو أمر يحذّر منه مدير مستشفى النبطية الحكومي الدكتور حسن وزنة الذي أعلن عبر “نداء الوطن” أنّ قسم “كورونا” الذي يتّسع لـ٣٧ مريضاً “فوّل”، وبات صعباً إستقبال أحد في ظلّ موجة التفشّي السريعة”، وزنة الذي يقرّ بأنّ “الوضع ما بطمن” وأنّ “القسم بات عاجزاً عن استقبال أعداد كبيرة نتيجة الإصابات المرتفعة التي تحتاج بمعظمها عناية فائقة”، يؤكّد أنّ “لا تعافي من الوباء الا بالوعي وتحمّل المسؤولية، وغيرذلك لا شيء سينفع”.
لا يتردّد طبيب قسم “كورونا” في مستشفى نبيه بري الجامعي الدكتور عبد المنعم فرحات بالقول “إنّ القسم ممتلئ، وهذا يضعنا أمام منعطف خطير ،المفاضلة بين الكبير والشب، وهو أمر نخشى الوصول اليه”، معتبراً أن “معظم الاصابات تحتاج الى جهاز تنفّس والقسم لن يكون قادراً على إستيعاب المزيد”.
داخل قسم “كورونا” في الحكومي تتعرّف على علي، شاب لم يعترف يوما بالفيروس، لطالما رفض وضع الكمّامة، غير أنّه اليوم يرقد على جهاز تنفّس، يقول “وصلت للموت، كاد “كورونا” يقضي على حياتي، لم أكن أتوقّع أنّه فتّاك هكذا”. بصعوبة يتكلّم، فرئتاه متعبتان، تماماً كما جسده المُمدّد على سرير منهك، أتعبه الوباء، لا حيلة له على فعل شيء سوى دعوة الناس الى الوعي”كي لا تخسروا عزيزاً عليكم”..
في غرف “كورونا” وحده الألم يتسلّل الى المرضى، وحده جهاز التنفّس الموصول بجسد أبو علي يصرخ، فالأخير وضعه حرج، أصيب بسبب لا وعي أحدهم، يرقد على وجع قاتل، مثله كثل سهام التي كانت نظراتها حزينة، تسأل عن سبب وجعها، بالكاد تتمكّن من الحديث، منذ أيام وترقد على جهاز التنفّس، هي ضحيّة أحد المستهترين ، بكلمات متعثّرة تقول “وعو بقا رح موت بسبب جهل البعض”. على بعد أمتار يقف أحد الممرّضين، يراقب حالها، يحاول أن يبلسم وجعها ولو بكلمة، فالمصاب يعيش في عزلة تامة من دون أنيس، وحدها أجهزة التنفّس ترافق ليله ونهاره، ووحدها الآلام المبرحة تذكّره بـ”كورونا” المجنون على حدّ قول محمد باز أحد ممرّضي القسم. يخبر باز عن معاناة الممرّض أيضاً، ليس المصاب وحده في عزلة، ايضاً الممرّض الذي يقاتل باللحم الحيّ لأجل إنقاذ المريض، فيما الناس تتنمّر على ممرّضي قسم “كورونا”. وِفق باز “الممرّض تخلّى عن حياته لأجل مهنته وعلى المواطن أن يدرك الأمر”.
فهل يؤتى الإقفال نتيجته أم سيكون كما إقفال سلفه؟