عماد مرمل – الجمهورية
بينما يعتمد عون على التمريرات البينية مع النائب جبران باسيل، ويطبّق خطة هجومية لمحاصرة الحريري في منطقته، يسعى الرئيس المكلّف من جهته الى الاستحواذ على كرة التكليف أطول فترة ممكنة، منفذاً من حين الى آخر هجمات مرتدة، لعلّه ينجح في تسجيل هدف مباغت في مرمى العهد البرتقالي.
ومع مشارفة الوقت الإضافي على الانتهاء بالتعادل، تكاد ضربات الجزاء السياسية ان تصبح الخيار الوحيد لحسم هذه المواجهة التي طالت فوق ارض محروقة، الّا اذا تمكن بري في اللحظات الاخيرة من تغليب «الحل الحبي» على الاحتمالات الأخرى.
ولعلّ الأمر يتوقف على معرفة كم يستطيع الحريري الصمود بعد في مكانه المعلّق بين التشكيل والاعتذار، خصوصاً انّ المسؤولية الملقاة عليه كرئيس مكلّف مُطاَلب بإنجاز التشكيل، هي كبيرة وثقيلة وليس بمقدوره ان يستمر في تمديد المِهَل الطوعية الى ما لا نهاية.
ومع انّ الحريري خسر حتى الآن زخم التأييد من قِبل بعض الحلفاء او الأصدقاء، كالبطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي وقف أخيراً على مسافة منه، ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط الذي تمايز عنه، الى جانب البرودة الفرنسية حياله، الّا انّ تكليفه لا يزال يحظى داخلياً بمباركة قوى عدة مثل حركة «امل» و»حزب الله» وسليمان فرنجية، وخارجياً بدعم روسي- مصري، الأمر الذي منحه ما يكفي من «المؤونة السياسية» للاستمرار في سعيه الى تشكيل الحكومة.
يحاول الحريري من خلال آخر حكومات العهد التعويض عن كل التنازلات التي قدّمها لعون وباسيل في مرحلة التعاون معهما، خصوصاً خلال فترة التسوية الرئاسية التي يوحي رئيس «تيار المستقبل» عبر تصرفاته ومواقفه، بأنّه نادم عليها ويسعى الى التكفير عن ذنب الموافقة عليها.
وبينما تتواجد ورقة الاعتذار على طاولة «بيت الوسط» مع وقف التنفيذ، هناك من يعتبر انّ الحريري لم يكن مضطراً الى التلميح المتكرّر عبر اوساطه الى احتمال اعتذاره، في حال بقي التفاهم مع عون متعذراً، ذلك انّ هذا التلميح سيولّد، في رأي بعض الاوساط، شعوراً لدى الطرف الآخر بأنّه يقترب شيئاً فشيئاً من التخلص من الحريري المفروض فرضاً على عون بقوة الاستشارات النيابية الملزمة، الأمر الذي شجع العهد على التمسك بطروحاته وعدم التراجع عمّا يصنّفها ثوابت له، ليدفع بالرئيس المكلّف الى حسم قراره في اتجاه الاعتذار، بعدما كان هذا الخيار خارج حساباته من قبل، او مربوطاً بشرط تعجيزي يتمثل في استقالة رئيس الجمهورية.
لكن أصحاب وجهة النظر المتفهمة للحريري يلفتون الى انّ الرجل المتحسس بخطورة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، لا يستطيع ان يبقى مكلّفاً بلا سقف، «علماً انّه لو اراد التصرف على اساس حسابات شخصية، فإنّ مصلحته تقتضي بأن يجلس جانباً ويتفرج على تخبّط العهد في مواجهة الازمة المتدحرجة، استعداداً لخوض الانتخابات النيابية والعودة أقوى مما هو عليه اليوم».
اكثر من ذلك، يشير هؤلاء الى انّ الاعتذار، إن حصل، قد تكون مفاعيله في غير صالح العهد وباسيل، اذا كان سيُرفق باستقالة تيار «المستقبل» من مجلس النواب، والدفع نحو انتخابات مبكرة من شأنها، في رأي خصوم التيار، ان توجّه ضربة قوية له.
وفي انتظار ما ستفرزه الايام، يبدو أنّ الحريري قد ادار حتى الآن معركته على الأسس الآتية:
– اقتباسه سياسة او تكتيك «النَفَس الطويل» من عون نفسه الذي صبر طويلاً حتى وصل الى رئاسة الجمهورية، وبالتالي الثبات لأقصى الحدود الممكنة في موقع الرئيس المكلّف والاستشراس في حماية صلاحياته الدستورية وفق تفسيره لها.
– انتقاله كلما دعت الحاجة من الدفاع الى الهجوم في نزاعه مع عون وباسيل، على قاعدة انّه تحمّل الكثير منهما، الى درجة التزامه الصمت المطبق بعد تسرّب الفيديو الشهير الذي تضمن هجوماً حاداً من عون ضدّه، ولكن للصبر حدود، وهو لا يستطيع أن يستمر في التغاضي عن مغالطات العهد وتياره من دون ردّ عندما تقتضي الضرورة، كما تؤكّد الاوساط الداعمة للرئيس المكلّف.
– إبداؤه مرونة حيال مبادرة بري وطروحاته للمعالجة، وصولاً الى كشف المعطّل من المسهّل.
– رفض اي تعويم لدور باسيل من حساب الحريري ورصيده، وبالتالي فإنّ مناصري «بيت الوسط» يجزمون بأنّ تفادي عقد لقاء معه لا يعود إلى نكايات شخصية، بل ينبع من كون تشكيل الحكومة يتمّ حصراً بالاتفاق مع رئيس الجمهورية تبعاً للدستور، وليس مع رئيس «التيار الوطني الحر».
– حرصه على عدم تحويل ورقة الاعتذار المفترض هدية مجانية لرئيسي الجمهورية والتيار، وصولاً الى ابقائها احتياطية والتحكّم بتوقيتها وفق ما يناسب تقديرات الحريري.