شعار ناشطون

كان شيويه… كاتبة مشت حافية القدمين على “نصل” الشيوعية

02/01/25 08:27 pm

<span dir="ltr">02/01/25 08:27 pm</span>

هناك خلف أشجار الحور المرصوفة على جانبي شوارع بيجينغ، اختبأت مراراً لتزرع أدبها في التربة الصينية، باسم مستعار، تاركة غرستها تنمو في الظلال.

 

ومنذ طفولتها الشقية، بعد سجن والديها بتهمة الفكر الماركسي، أدركت أنّ مهمة توثيق الثورة الثقافية غير مرحب بها في الجمهورية الصينية الشعبية، لكنها حاولت مدى سبعين عاماً، متأملة في الجيل الشاب من التقدميين، عسى يحصد ما زرعت من دون أن تكون لها حياة عاشتها في الخفاء. امرأة أم رجل؟”. تردد السؤال في الأوساط الثقافية هناك. من تكون “كان شيويه”، الاسم المستعار لـ”ني دينغ شياو هوا”، تلك التي هجرت الموروث الأدبي الصيني، موثقة مشاهدات حياة في سيرة شقية ونبرة ثائرة أخذتها من والديها والكتّاب الأربعة الذين تأثرت بهم: كافكا وتولستوي وشكسبير ودانتي، وقد وجدت مؤلفاتهم في مكتبة والدها، ناشر صحيفة “نيو هونان دايلي”، قبل أن يعتقل وزوجته وتنفى العائلة إلى الريف بذريعة مؤازرة الماركسية.في كوخ صغير عند مرتفعات جبل يويلو، اختبرت كان الصغيرة الشقاء والفقر. بعد وفاة جدتها متأثرة بمرض “الوزمة”، لم تجد الصبية التي تعلمت الخياطة والطب الشعبي، ومشت حافية القدمين، كسرة خبز لأخوتها، إذ تروي في كتاباتها: “جاء علينا يوم أكلنا فيه وأخوتي السبعة سترة والدي المصنوعة من أزهار اليقطين ومعطف الفرو الخاص به. فكان أن أصبت بالمرض”.

 

وبتدهور حالتها الصحية، نقلت الى مكان أقرب إلى المدينة، حيث عملت في مصنع للمعادن، وفي قلبها حسرة أنها لم تدخل المدارس ولن تعرف معنى أن تكون “طالبة جامعية في يوم من الأيام

ولدت كان عام 1953 في مقاطعة هونان. رشحت أعمالها لجائزة نوبل، وهويتها الأدبية تختصرها بالآتي: “أفكاري تنمو في الغرب ولكنني أحفرها لإعادة زراعتها في التربة العميقة للصين، وهي تاريخ غني يعود إلى 5000 عام”.

 

 

في سن الثلاثين، تعلمت الإنكليزية وبدأت بالكتابة مسطّرة سجلاً حافلاً بالإبداع بلغ 29 رواية، وسيرة حملت اسم “فقاعات الصابون في الماء القذر”.

 

اختارت من خلال كتاباتها التي ضمنتها الواقع والخيال أن تنقل صرخة جيل برسم الأجيال المقبلة. كتبت لأجل ذلك روايتها “The Hill “، أما اسمها المستعار فاستقته من وحي الجبل الذي نفيت إليه، ويعني: “الثلج الذي لا يذوب أبداً”.في التسعينيات، لمع اسمها بعد أن أينعت غرستها في الأرض الصينية لتغدو شجرة لا تشبه صف الأشجار الطويل، ومع ذلك بقيت متهمة بالكتابات المسيّسة، وقد ردت: “لا أكتب في السياسة. إنها تجربة حياة وثّقتها وفق الآتي: “بينما كنت أشرب قهوتي، أصغيت بانتباه، لكنني لم أسمع شيئًا. فكرت، ربما يكون هذا بسبب وجود الكثير من الضوضاء في عالمي”.وصفها الروائي الأميركي برادفورد مورو بأنها واحدة من أكثر المؤلفين “إبداعاً وأهمية” في الأدب العالمي المعاصر.

 

عام 2015، فازت روايتها “الحبيب الأخير” بجائزة أفضل كتاب مترجم في مجال الخيال. كما سبق لها أن رشحت لجائزة البوكر الدولية عن روايتها “الحب في الألفية الجديدة”.

 

 

 

اتهمت في الأوساط الثقافية بأنها صوت “تخريبي”، وذنبها مضاعف لأنه صادر عن امرأة. وقد اشتكت مراراً: “الكثير من النقاد يكرهونني، أو على الأقل يلتزمون الصمت، على أمل أن أختفي. لا أحد يناقش أعمالي، إما لأنهم يختلفون مع أفكاري وإما لأنهم لا يفهمونها”.لأعمالها تقدم: “إنها ليست مثل تلك القادمة من الغرب أو الصين، بل هي من إبداعي الخاص. الثقافة الصينية في قلبي. لقد ولدت هنا. أنا أعيش هنا. ولست بحاجة إلى تعلم ما يجب أن يكون في قلبي”.وكما في قصتها القصيرة “جزيرة الثعابين”، والتي يعود فيها رجل إلى مسقط رأسه الريفي بعد ثلاثين عاماً، ليجد أنه لا يعرف شيئاً ولا أحد وأن أسرته لا وجود لها في أي مكان، يتظهر الصراع الوجودي في كتاباتها، وهذا هو صراع كان شيويه الذي لا ينتهي: “الكتابة ضد موت الروح، والقتال من أجل حياة أصيلة. الصراع لا ينتهي أبداً؛ فالأداء مستمر”.

 

 

 

وفي خضم الجدل الحاصل في الصين بين أدباء يبدون حرصاً على التمسك بالموروث الثقافي لبلدهم، وبين أنصار الكاتبة من أتباع الفن الحديث: ” حيث يراقب العقل من بعيد. وتنطلق المشاعر إلى أقصى حد”.

 

تتوقع الكاتبة المخضرمة الآتي: “بعد 20 عاماً أخرى، عندما يواجهون هناك في الصين مشكلات روحية، أو عندما لا تستطيع المادية تلبية احتياجاتهم، قد يلتقطون أحد كتبي، وربما يكتبون بالطريقة التي أكتب بها”.لماذا الكتابة عن كان شيويه اليوم؟ ربما لأنها اختارت الطريق الذي عبّدته بنفسها، بعيداً من طريق الحرير القديم الذي يربط بين بلدها وأوروبا والشرق الأوسط، والذي يعود الى القرن الثاني قبل الميلاد، ومن خلاله تسعى امبراطورية التنين الى تصدير موروثها الثقافي، ذلك الذي لا يشبه ما تكتبه شيويه، هي التي لا تعنى بالزحف لغزو الحضارات، ومقصدها الإنسان المعذب على هذه الأرض، أياً يكن انتماءه ودينه

تابعنا عبر