بقلم الكاتب والصحافي صفوح منجّد.
يزخر تراثنا الوطني والعربي بالكثير من الأحداث والأقوال والمواقف التي تعاقبت على مر السنوات والعصور والتي إتُخذت منهجا للتمكن من إجتياز الصعوبات وإختيار الطريق الأفضل والأمثل للوصول إلى الهدف المنشود، بخلاف ما إبتُلينا به من أشخاص تسلقوا على كراسي الحكم وإعتقدوا أنفسهم من القادة الذين بإمكانهم أن يستبيحوا البلد ويتحكمون بالعباد.
والبعض إعتقد بنتيجة ما إبتلي به من مشاعر “العظمة” أنه قادر على فعل أي شيىء وفرض تصوراته وآرائه على بقية الناس وإن كان في ذلك إساءة أو ظلم للعباد أو تجاوز للقوانين.
ومن هؤلاء من بات يعتقد أنّ قناعاته لا يمكن التنازل عنها بل يجب أن تطاع حتى ولو كانت أخطارها ماثلة للعيان وفيها خراب للبلد ويزداد آثارها المدمرة في حال كان هذا المرض يصيب في آن واحد مجموعة ممن يعتقدون أنهم قادة!؟ وأن أياديهم تطال أعناق مواطنيهم!؟ وباتوا يسرحون ويمرحون ولا هم لهم سوى السيطرة ولو على بلد آيل إلى الإنهيار بمساعيهم!؟ غير عابئين بأن مسرحياتهم وفضائحهم ونحرهم للبلد لم تعد تنطلي على أحد وأن المثل العربي يقول (تستطيع أن تضحك وتخدع بعض الناس بعض الوقت، لكنك لا تستطيع أن تضحك وتخدع كل الناس كل الوقت).
وهذا المثل بكلماته القليلة والموزونة يمكن أن يختصر ما إعتقده إبن “الحارة” عندما تهيأت له الظروف وإعتلى كرسي القصر، فمارس وسَطا وأطعم الناس كلاما بكلام وأوصلهم بيده إلى جهنم وشرّع أبواب الوطن أمام الإنهيار، وها هو، ما أن اُزيح الكرسي من تحته، تحوّل في حارته إلى “عفن”، لا حول له ولا قوّة، وفي الوقت نفسه ينتظر أن ينضم إليه شريكه في إتفاقية “مار مخايل”، إفتقد للكثير من مصداقيته لاسيما في الشؤون الإقليمية في أعقاب ما طرأ من “زلزال” أطاح بمشروعه الهادف بضم لبنان إلى الحلف الإقليمي الذي بات يتهاوى.
ووسط ما يعانيه شعبنا من دمار وخراب، يطل علينا الصهر المعجزة الذي إشتهر بفساده وبالسطو على موارد الدولة ويحاول تزييف الحقائق الدامغة والتي لو أمضى ما تبقى له من عمر في محاولة إزالة آثارها المدمرة والبادية في كل وزارة إستلم زمامها، لما نجح في مساعيه، وها هي مرافعته الأخيرة في ال”عشاء الأخير” تفضح ما حاول ستره حين أجرى مقاربة ومقارنة بين ما يفعله الآخرون وما فعله عمه عندما كان متربعا على الكرسي، ومرة أخرى يخونه الكلام كما تخونه الذكريات نفسها، فالكاذب مهما إحتوى حديثه من معسول الكلام لا بد وأن تفضحه العبارات ومضامينها، لاسيما عندما يدّعي أن بمثل هذا العشاء (الذي كان يتحدث خلاله) قد موّل مصاريف عام بكامله؟! متناسيا أن “العم” لم يصرف يوما من جيبه بل سطا على أموال الناس عندما هرب إلى فرنسا متأبطا ما مجموعه حوالي 37 مليون دولار هي من خزينة الدولة وليست من تبرعات جمعت في عشاء ولكنها أموال جُمعت من الناس تحت شعار انها ستصرف على أبناء الجيش اللبناني آنذاك وطبعا لم يرها هؤلاء.
وكم من أشخاص كادوا يعتقدون أن البلد وأبناءه قد خُلقوا من أجل أن يحكموهم، دون حسيب أو رقيب ويبتلعون ثرواتهم بل يتحكمون بحياتهم وبمستقبلهم، إذ بهم على قاب قوسين او أدنى من تبخر هذه الأحلام من رؤوسهم.
ولعلنا لا نجافي الحقيقة إذا أشرنا أن تلك المشاريع التي أوهمنا البعض أنهم في طريقهم إلى تحقيقها قد باتت من الماضي، وأن من إعتقد أنه الطرف الأقوى والوحيد على الساحة اللبنانية فإن الوضع الذي كان سائدا وإعتقد من خلاله أنه يمتلك فائض القوة لتحقيق مشاريعه قد تبدد.
وهنا يتبادر إلى الذهن ما حصل في 17 آب 1970 عندما إنتُخب مرشح الحلف الثلاثي النائب سليمان فرنجية (الجد) رئيسا للجمهورية، بفارق صوت واحد عن المرشح الشهابي إلياس سركيس، حين شعر رئيس الحكومة آنذاك المغفور له الشهيد رشيد كرامي أنّ رئيس المجلس يوم ذاك الرئيس الراحل صبري حمادة يحاول أن يُعيد عملية الإنتخاب فتوجه بملىء صوته إلى حمادة قائلا “يا دولة الرئيس إعلن النتيجة على الفور” وهكذا كان، ونجا البلد عندها من مجزرة كادت أن تعجّل بالأزمة التي أطاحت بالبلد بعد أقل من خمس سنوات، والتي هيأت الساحة اللبنانية إلى إنفجار البركان الذي حصل في 17 تشرين 2019 وما يزال بعض الرؤوس الحامية تحاول التسلق على أجساد وأعناق اللبنانيين لا هم لهم سوى إمتصاص دماء اللبنانيين وإستعبادهم.
وتترقب أوساط مطلعة أن تتسارع الظروف التي من شأنها أن تدفع بلبنان للإنزلاق إلى أخطر مراحل أزمته الراهنة من خلال ما يجري من تطورات وتصورات بعيدة عن الواقع وهي مجرد أوهام لإضاعة الوقت وإصابة الناس بالعمى لطمس الحقائق ومنعهم من كشف المستور، والتحكم بالإبقاء عليهم في حالة فقدان النظر والسمع والإحساس، وما جرى يوم الأربعاء الماضي في 22 الجاري من أعمال قمع بحق المتظاهرين في ساحة رياض الصلح خير دليل على هذه الأجواء القمعية التي تعرض لها متظاهرون وجُلّهم من أبناء العسكريين المتقاعدين والاساتذة وعموم موظفي القطاع العام هي من تدبير”العصابة الحاكمة” في مواجهة اللبنانيين المقهورين المظلومين الجائعين والمرضى والذين إضطروا إلى إخراج أبنائهم من المدارس، وأن الإقتصاد في طريقه إلى مزيد من الإنهيار والمستشفيات تعاني ما تعانيه، والأزمات تهيمن على كل المرافق الحياتية.
وها هم اللبنانيون بمختلف فئاتهم وطوائفهم يتشاركون في هذا العام بالصيام الذي بات يطرق كل باب ولا سبيل للاكثرية منهم مسلمين ومسيحيين أي إمكانية للحصول على وجبة إفطار لهم ولأبنائهم أولا وأخيرا، فأي هم هذا في وقت اصبح فيه الغذاء والإفطار من أصعب الصعوبات التي تواجه اللبنانيين؟، في الوقت الذي يسعى البعض إلى تأمين “طريق الحرير” الذي يربط ما بين الصين وأوروبا مرورا بإيران، وبذلك قد يتمكن بعض الساسة اللبنانيين من اصحاب الفساد والإفساد من المسارعة إلى المساهمة ببعض المشاريع التي قد يوفرها طريق الحرير وربما أنّ قضية توسعة مطار بيروت يأتي في هذا الإطار وأن يتم الترخيص للبناء دون العودة إلى لجنة الشراء العام التي يعود لها وحدها الترخيص لهذا البناء من خلال مناقصة معلنة وواضحة، في حين ان الذي جرى، كما يصفه متابعون، هو صفقة إعتاد عليها أهل الفساد والإفساد في البلد على غرار ما حصل ويحصل في العديد من المرافق الرسمية وخاصة ما يتعلق بشؤون الكهرباء والإتصالات إضافة إلى المسائل المتعلقة بالقضايا المالية والبنك المركزي والشؤون العقارية وكأن البلد سائب إلآ لأصحاب المشاريع والصفقات في حين أن المسؤولين ما يزالون يديرون (الإذن الطرشة) لهموم الناس ومشاكلهم وصعوباتهم.
وعلى صعيد متصل أنهى وفد صندوق النقد الدولي يوم أمس مشاوراته التي أجراها مع كافة الأطراف المعنية بالأزمة حيث دامت الإجتماعات الماراتونية نحو إسبوعين، سمع خلالها الممسكون بمنظومة الحكم في لبنان “توبيخا” صريحا ومباشرا من الوفد.
وعقد رئيس البعثة ارنيستو راميريز مؤتمرا صحفيا تحدث فيه عن البطء الشديد في تنفيذ الشروط المسبقة الخاصة بالإتفاق الذي عُقد مع لبنان في نيسان الماضي.
وعُلم ان لهجة الوفد ورئيسه كانت شديدة لجهة الكلمات التي تم إستخدامها والتي أمل الوفد أن تفيق المنظومة من إنكارها للأزمة الكارثية التي تدخل عامها الرابع، محذرا من إستمرار السلطة في سياسة الإنكار وترقيع الحلول بلا إصلاحات جذرية يعني أنها ستُدخل لبنان في دهاليز لا نهاية لها.
وأكد راميريز: أن لبنان حاليا عند مفترق طرق خطير، وبدون إصلاحات سريعة ستغرق البلاد في أزمة لا نهاية لها، مشيرا إلى أن إستمرار هبوط سعر الليرة وتفاقم التضخم وتسارع مخاطر “الدولرة” وتزايد الهجرة كل ذلك على حسابات فئات جديدة من المجتمع لا تشمل الفقراء فقط بل شرائح الدخل المتوسط ايضا.
وعن الإصلاحات التي يتحدث عنها المسؤولون اللبنانيون كشف أن صيغة الكابيتال كونترول المطروحة لا تلبي متطلبات الصندوق، وغمز من قناة مجلس النواب الذي عليه أن يحرز تقدما أكبر في إقرار التشريعات المطلوبة، مشددا على ضرورة الإسراع في الإعتراف بالخسائر الهائلة وتوزيعها بحيث تتم حماية صغار المودعين وتحميل المصارف وكبار المودعين الخسائر.
كل ذلك جرى ويجري تحت شعار (أن البلد قادم على تطورات من شأنها إعادة الإزدهار إلى مرافقه ومشاريعه فإنتظروا أيها اللبنانيون) في حين يؤكد المطلعون أن كل ذلك مرهون بالتطورات على مجمل الساحة العربية والإقليمية ولاشيىء حتى اليوم يمكن أن يؤكد أن لبنان قادم على مسار إصلاحي وإنقاذي واضح، وإلآ ما معنى أن تعصف الأزمات بالمؤسسات المالية من أعلى الهرم إلى أسفله، وأن يتم الإرجاء بالبت بمصير الإنتخابات الرئاسية وتعليق الدعوات إلى مواصلة عقد جلساتها.
وكل ذلك بكفّة وأن يتم إلغاء الجلسات الوزارية والنيابية المتعلقة بتحسين أجور ورواتب الموظفين والمتقاعدين، بكفة أخرى، ما يدل على “إستلشاق” معظم المسؤولين بموظفي وعمال القطاعين العام والخاص لاسيما في الظروف الإقتصادية الراهنة وتجاوز سعر صرف الدولار ال 130 الف وربما أكثر مع صدور هذا المقال، وتسجيل المواد الغذائية أسعارا فلكية ما يؤكد تلك “اللامبالاة” من قبل الدولة بقضايا وشؤون أبنائها.
وما يثير السخرية أن البعض يشبّه ما يجري بلعبة قمار بين قوى 8 آذار في حين أن ما تفعله هذه القوى هو أشبه بلعبة “الروليت” الروسية، والمطلوب الحفاظ على الرؤوس .. ومن يعش يرى.