منير الربيع – المدن
في لبنان هناك من ينتظر إشارة أميركية لولادة الحكومة، للحصول على استثناءات من مندرجات قانون قيصر. والجميع ينتظر: من يخاصم الأميركيين ومن يواليهم. وكلا الطرفين يسخر من سياسة واشنطن قائلًا: هل يمكن لأحد أن يثق بالأميركيين بعد ما جرى في أفغانستان؟
ويمرّ السؤال سريعاً من أفغانستان إلى لبنان وسوريا، ويليه سؤال آخر: كيف يدّعي الأميركيون مواجهة حزب الله وإيران والنظام السوري، وهم يعملون لضمان تسوية في درعا لصالح النظام ويستفيد منها حزب الله وطهران؟
وتشبه هذه الأسئلة –وهي تنطوي على إدانة للأميركيين– تلك المتعلقة بالمواقف الأميركية التي تعلن إدانة كلامية لاستهداف المملكة العربية السعودية، من دون أي فعل بناءً على التحالف الأميركي–السعودي، ولا أي رد فعل عسكري أميركي، ولا حتى أي اعتبار لعلاقة واشنطن بالسعودية في مسار التفاوض الأميركي الإيراني.
لقاءات خاوية
وينطوي هذا على قدر من الهزال السياسي، على مثال التعاطي اللبناني مع وفد الكونغرس الأميركي الذي زار لبنان أخيراً. وهي زيارة جاءت في العطلة الصيفية الأميركية. ومن عادات واشنطن التنسيق بين وزارة الخارجية ووفود من الكونغرس لزيارة دول عدة.
وهدف الزيارة نوعٌ من الاستطلاع، وفرصة لأعضاء الوفود لإطلاق مواقف سياسية أو ثقافية تبرز “مفاتن عقولهم”، بلا أي أثر سياسي، سوى رفع تقارير عن نتائج زيارتهم إلى الكونغرس لدراستها، وربما يتخذ قرارات بناء عليها.
حطّ الوفد في لبنان على مشارف وصول النفط الإيراني الذي يأتي به حزب الله. ولم يكن الوفد يريد لقاء رئيس الجمهورية ولا الرئيس المكلف. ولكن بناء على نصيحة السفارة الأميركية في بيروت، أدرجت مواعيد اللقاءات بهدف “الحث على تشكيل الحكومة سريعاً”. حصلت اللقاءات، واستعرض الجميع مفاتنهم العقلية في قراءة مزامير فن السياسة والإدارة.
فن الكلام الأميركي
ومن أبرز تجليات فن السياسة والإدارة، ما جاء على لسان أعضاء الوفد الأميركي: بعضهم يريد وضع الجيش في مواجهة حزب الله. وبعضهم الآخر يعتبر أن حزب الله سرطان يجب استئصاله، مع إشارة إلى أن تمرير أي مواد من سوريا إلى لبنان يُخضع لبنان للعقوبات. لكن مع تقديم إشارة إلى أن واشنطن قد تدرس معالجة الموضوع.
وهذا الفنّ له أصوله الكلامية الأميركية: رفع اللهجة التي تلهب المشاعر ضد حزب الله، على غرار القول إن لبنان لا يحتاج للنفط الإيراني، ليليه سريعاً قول آخر: واشنطن تبحث عن فرصة لإيجاد البديل الملائم. والبديل هو الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر سوريا. وهذا يفيد النظام السوري. فكرمى لعيون لبنان، وفي مواجهة النفط الإيراني، يمكن أن تخرق واشنطن قانون قيصر وتمنح امتيازات واستثناءات تسحق المعارضة السورية في درعا، وتمنح الروس دوراً يستفيد منه الإيرانيون. وعلى هذا النحو استفاد الإيرانيون من السياسات الأميركية في لبنان منذ أكثر من 15 سنة إلى اليوم، وهذا ينطبق بدوره على العراق.
فنون لبنانية مماثلة
هذه الفنون الأميركية، لها ما يماثلها لبنانياً: يُجمع المسؤولون اللبنانيون على ضرورة إعفاء لبنان من عقوبات قانون قيصر. لكنهم لا يتقدمون بطلب رسمي للبحث في الأمر. ويعملون على تأليف وفد لزيارة دمشق، وتتأجل الزيارة في انتظار معرفة مصير الحكومة الجديدة: هل تتشكل؟ وهل يمكنها تبني الزيارة فتشكل وفداً للقيام بها؟ أم أن رئيسها -إذا نجح في التشكيل- يريد تجنّب مثل هذا الخيار في هذه اللحظة الحرجة؟
وميقاتي وميشال عون يريدان تجنّب أي إحراجات قد تتسبب بها سفينة النفط الإيرانية. وكل منهما أبلغ حزب الله، عبر قنوات تواصله الخاصة به، أن استقدام النفط الإيراني إلى لبنان ممتاز ويسند البلاد. ولكن يُفضل عدم إحراج لبنان بالعقوبات الأميركية. وهما تمنيا عدم رسو السفينة الإيرانية على الشواطئ اللبنانية، مفضلان رسوها في بانياس ونقل حمولتها براً وفي صهاريج إلى لبنان.
حكومة مفاجآت عائلية؟
ويستمر الحراك الحكومي بالدوران في حلقة مفرغة: مشاورات، لقاءات يقوم بها المدير العام للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، محاولاً تجاوز العقبات والعقد، وأبرزها الثلث المعطل. وثمة من يعتبر أن الطبخة استوت، ولبنان لم يعد قادراً على الاستمرار بلا حكومة، خوفاً على الاستقرار السياسي والاجتماعي من الانفجار.
وهناك من يراهن على ضغط يمارسه بعض محيط رئيس الجمهورية، بينهم بناته ومقربون آخرون يشيرون عليه بضرورة التسهيل، لأن ما يجري يرتد عليه سلباً في الداخل والخارج، ولن يكسب منه شعبياً. ويراهن هؤلاء على التجاذبات بين المقربين من عون: بناته من جهة، ومن الجهة الأخرى المسار أو المشروع الذي يريده صهره جبران باسيل.
والنزاع العائلي هذا تحول أزمة يراهن عليها المراهنون لتشكيل الحكومة. ويعتبر هؤلاء أن عون استنفد ما لديه. وهو لن يتحمل خسائر إضافية. لكن التسوية التي يطرحها عليه ميقاتي للتشكيل، تمنعه من تحقيق مكاسب، وقد يرضي بها.
وفي المقابل، هناك من يراهن على المزيد من المفاجآت في الفنون اللبنانية.