منير الرييع – المدن
استقالة وانتظار صدفة
من الواضح أن الجميع استقال من مسؤولياته. لا أحد ينوي القيام بأي خطوة. كلهم يراهنون على ما سيأتي من الخارج، أو ما تحمله الصدفة. ومن ينتظر التغيير يراهن على تغيير وفق شروطه: تعديل دستوري، وتغيير شكل النظام. وهذا غالباً ما لا يحصل بارداً في بلد مثل لبنان.
وأصبحت الصورة واضحة: هناك صراع إقليمي بين وجهتين: الأولى تريد التغيير بشرط تشكيل حكومة لا صفة فاقعة لها في التمثيل الحزبي والسياسي. والوجهة الثانية ترفض هذا التغيير وشروطه.
ولا تبدو القوى السياسية قلقة من الانهيار، معتبرة أنه كلما استفحل يسَهُل الامساك بالناس من أعناقها. ولا تهتم تلك القوى بتشكيل حكومة، على اعتبار أن أي نجاح تحققه الحكومة يكون على حسابها. أما فشل الحكومة فيتجلى في المسار الذي سلكته حكومة حسان دياب، والجميع يتنصل منها ولا يجرؤ على القول إنها حكومته أو أنه شريك فيها. ويعمل هؤلاء بناء على وجهة نظر تقول إن المجتمع الدولي لن يدع لبنان ينهار. لذلك يراهنون على صدف خارجية تعمل على لجم الانهيار.
وفي المقابل هناك من يعتبر أنه لم يعد من وجود لأي ضمانة بأن القوى الدولية ترعى لبنان وتمنعه من الانهيار. لا بل هناك من يراهن على دفع القوى الدولية لبنان إلى الانهيار أكثر، للوصول إلى لحظة تحتّم إعادة صوغ التركيبة السياسية أو آلية تشكيل السلطة وتشكل النظام بطريقة أسهل.
شماتة إسرائلية
هذا كله يقود إلى معادلة واضحة: الاستمرار في الانهيار، والصراع بين طرفين يتسابقان مع الوقت ويتجنّبان الصراخ من الوجع، واحدهم قبل الآخر. وهذا التفكير الجهنمي قد يؤدي إلى انهيار لبنان وتحلله في مقابل عدم استسلام أي طرف أو تراجعه.
ومن أبرز مقومات تغيير الوجهة هو الموقف الإسرائيلي الذي تحول من الخصومة والخوف من لبنان إلى “حال الشفقة” التي يبديها مسؤولون إسرائيليون محترفون بإجرامهم في حق اللبنانيين. والمؤسف أن هؤلاء وجدوا لأنفسهم فرصة يدّعون فيها استشعارهم الإنساني المتضامن مع اللبنانيين، في ظل لا مسؤولية ولا إنسانية القوى السياسية اللبنانية. وفيما كانت إسرائيل تهدد بضرب معامل الكهرباء والبنى التحتية، لم تعد هذه موجودة ولا متوفرة أصلاً. وبدأ الإسرائيليون يشفقون على لبنان، وبصلافتهم يدّعون الاستعداد لتقديم “مساعدات إنسانية”.
يتسابقون نحو الكارثة
ونحن على مسافة أشهر من العجز والتحلل الكامل للدولة، والذهاب إلى حالة أشد مأسوية. ويبقى السؤال حول الجهة التي قد تندفع إلى تقديم تنازل أو الوصول إلى حلّ معيّن، في هذه الكوارث.
وهذ المسار يثبت أنه لا يمكن القيام بالبلد أو إنقاذه بدون تغيير حقيقي. تغيير لن يكون مدخله الذهاب شرقاً أو تغيير النظام السياسي، وفق ما تشتهيه قوى سياسية لها ارتباطاتها الإقليمية أو مشاريعها العابرة للحدود. خصوصاً أن الدستور في لبنان خاضع لتفسيرات وتأويلات متناقضة تتقاطع مع المصالح السياسية الآنية للطرف الأقوى.