منير الربيع – المدن
استثمار روسي
ولذلك، كانت روسيا قد أبدت سابقاً استعدادها للعمل على ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان وسوريا، إضافة إلى إصرارها على مبادرتها لإعادة اللاجئين السوريين.
ويوم أمس وصل إلى بيروت وفد من شركات استثمارية روسية في مجالات متعددة: البنى التحتية، الاستثمار في المرافئ والنفط. والهدف هو التواصل مع المسؤولين اللبنانيين وإبداء الشركات الروسية استعدادها للدخول في عملية إعادة إعمار مرفأ بيروت.
وليس تفصيلاً أن تأتي هذه الزيارة بعد أيام على لقاء الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، على وقع كلام كثير حول الانسحابات الأميركية من المنطقة والاهتمام بالشؤون الداخلية. وهذا يدفع روسيا إلى التقدم أكثر، بلا عودة إلى الصراع الحاد أو الانقسام القطبي مع الولايات المتحدة الأميركية.
تقاسم نفوذ
وثمة من يشبه الحركة الروسية في لبنان باتفاقية الخط الأحمر التي وضعت في العام 1973 بين وزير خارجية أميركا هنري كيسنجر والرئيس السوري حافظ الأسد. إذ وضعت خريطة لبنان ورسم خطّ أحمر حول النفوذ السوري والنفوذ الأميركي-“الإسرائيلي”. وحالياً هناك من يعتبر أن واشنطن ستبقى موجودة في لبنان بنفوذ كبير، بدءاً من دورها في عملية ترسيم الحدود البحرية، ووجودها نظرياً في مرفأ بيروت وعلى السواحل اللبنانية في قواعد عسكرية للجيش اللبناني، أو من خلال مبنى السفارة الضخم الذي يتم تشييده.
وفي المقابل، روسيا تريد أن يكون لها نفوذ في لبنان، امتداداً من نفوذها السوري، وخصوصاً في الشمال وعلى الحدود الشرقية الشمالية.
وفي العام 2018 فازت شركة نفط روسية بمناقصة إعادة تأهيل مصفاة النفط في طرابلس. كان ذلك مؤشراً على الدخول الروسي بقوة إلى لبنان. والهدف له أبعاد تتعلق بالنفط والغاز.
إيران وروسيا
وتأتي زيارة الشركات الروسية اليوم في أخطر أزمة مالية واقتصادية يعيشها لبنان، الذي ينتظر الوصول إلى اتفاقات إقليمية تسعى إلى حلّ الكثير من المشاكل مع المجتمع الدولي، وتؤدي إلى تخفيف القيود التي يتعرض لها.
وينتظر لبنان بفارغ الصبر الوصول إلى تسوية تتيح له إنجاز عملية ترسيم الحدود والبدء بعمليات التنقيب عن النفط والغاز. وفي هذا السياق كثرت دعوات حزب الله وفريق رئيس الجمهورية للتوجه شرقاً وبناء علاقات تعاون استراتيجية مع روسيا، لتحقيق إنجازات في هذا الصدد.
وتراهن إيران ومن خلفها حزب الله على أي دور روسي في هذا المجال. ولكن لا يمكن لموسكو أن تحقق ما تريده في لبنان من دون موافقة أميركية أو عدم ممانعتها كحدّ أدنى. ووفد الشركات الروسية كان قد مهد لزيارته أمين عام حزب الله حسن نصر الله في خطابه الأخير، عندما أكد استعداد الكثير من الشركات للمجيء إلى لبنان والاستثمار في مجالات متعددة، وأبرزها الكهرباء.
ومن مصلحة حزب الله وإيران دخول روسيا، كما من مصلحة طهران الوصول إلى اتفاق نووي مع الأميركيين بموافقة الروس، لتعزيز التعاون بين البلدين في ظل الانسحاب الأميركي من المنطقة. وهكذا يحظى النفوذ الإيراني والروسي بموافقة أميركية، تحتمها الأولوية الأميركية لمواجهة الصين و”طرق حريرها”.
نفط إيران ولبنان
ويؤشر هذا إلى مدى التنسيق بين حزب الله والروس بعد الزيارة التي أجراها وفد من الحزب إياه إلى موسكو. والمراد هنا هو التركيز على “الأمر الواقع” الذي أنتج تفاهمات روسية-إيرانية في سوريا حول توزيع مناطق النفوذ، بغض النظر عن وجود خلافات متعددة.
وهذا لا يمكن أن ينفصل عن موقف الخارجية الإيرانية أمس. والذي أكد وقوف إيران إلى جانب لبنان، وأن إيران تبحث عن أسواق جديدة لتصدير النفط. ولبنان قد يكون أحد هذه الوجهات. وطهران تنظر بجدية إلى أي طلب تقدمه الدولة اللبنانية. وتتجاوز أبعاد هذا كله مرحلة الاتفاق النووي مع الأميركيين، في انتظار رفع الحظر عن الصادارات الإيرانية.