أُعلنت صباح اليوم وفاة الكاتب التشيلي أنطونيو سكارميتا، عن 83 عامًا. ولد سكارميتا في مدينة أنتوفاغاستا في تشيلي العام 1940، ويعدّ من أهم كتاب أميركا اللاتينية حيث ترجمت أعماله إلى لغات عديدة، ومنها العربية.
حقق سكارميتا نجاحاً كبيراً من خلال روايته “عرس الشاعر”، قصة حب أسطورية قوامها المكيدة والسخرية، نظرة ذكية وتهكمية إلى أوروبا ما قبل الحرب العالمية الأولى، لكنها في الوقت نفسه تأريخ لسلالة من المهاجرين الذين وصلوا إلى تشيلي في بدايات القرن العشرين. روايته “ساعي بريد نيرودا”، والتي كانت سابقا تحمل عنوان “الصبر الحارق”، تحولت إلى فيلم سينمائي رشح لجوائز أوسكار عديدة، وكان لها نصيب أوسع من الانتشار، فذاع معها صيت الكاتب، وترجم إلى لغات العالم.
في الرواية، ماريو خيمينث صياد شاب يقرّر أن يهجر مهنته ليصبح ساعي بريد في ايسلانيغرا، حيث الشخص الوحيد الذي يتلقى ويبعث رسائل هو الشاعر بابلو نيرودا. الشاب خيمينث معجب بنيرودا، وينتظر بلهفة أن يكتب له الشاعر إهداء على أحد كتبه، أو أن يحدث بينهما شيء أكثر من مجرد تبادل الكلمات العابرة، وتتحقق أمنيته في النهاية، وتقوم بينهما علاقة خاصة جداً، لكن الأوضاع القلقة التي تعيشها تشيلي تسرّع في وضع نهايةٍ غريبة لتلك العلاقة. من خلال هذه القصة شديدة الأصالة، يتمكن سكارميتا من رسم صورة مكثفة لحقبة السبعينات المؤثرة في تشيلي، ويعيد في الوقت نفسه سرد حياة بابلو نيرودا بأسلوب شاعري.
الرواية كُتبت في ألمانيا، أولاً للإذاعة الألمانية ومن ثم كسيناريو. ولاقى هذا العمل نجاحاً كبيراً وترجم إلى ثلاثين لغة، وتمت معالجته مسرحياً وسينمائياً وإذاعياً، وأكد سكارميتا على وجود أكثر من مئة إصدار في العالم. وأبدع الملحن الموسيقي المكسيكي دانيال كاتان في أوبرا تستند إلى هذه القصة، تم عرضها في أوبرا لوس أنجليس تحت عنوان بوستونو الثاني، حيث لعب بلاسيدو دومينغو دور بابلو نيرودا، فيما لعبت كرستينا غاياردا-دوماس دور ماتيلدي.
سكارميتا هو أحد الأسماء المهمة في السرد التشيلي، وهو جزء من جيل 1960، درس الفلسفة في جامعة تشيلي، وبعد ذلك – بفضل منحة فولبرايت – أكمل شهادة الدراسات العليا في جامعة كولومبيا في نيويورك. على الرغم من أن مهنته كانت دائماً أدبية، قال: “لقد شجع والدي مهنتي الأدبية بحماس وقوة كبيرين. وليس بمجرد كلمات، لكن في الوقت الذي كنت فيه طفلاً فوضويًا، فعل شيئًا يعني الكثير بالنسبة إلي. سألت نفسي ماذا كتبت اليوم، ماذا كتبت هذا الأسبوع… أذكر أنني عندما أنهيت دراستي، درست في المعهد الوطني، وتخرجت بكل الحيرة التي يعانيها شاب مهتم بالأمر. كل شيء. سألني ماذا أريد أن أدرس. قلت له: يا أبي، سأدرس الفلسفة. وجاء وعانقني. لقد كان مغرمًا بي إلى هذا الحد”.
عرف عنه نشاطه السياسي اليساري، فكان عضواً في حركة العمل الشعبي والموحد (مابو) في سنوات وجود تحالف الوحدة الشعبية. وبعد الانقلاب العسكري، ترك الكاتب البلاد مع المخرج راؤول رويز. وكانت المحطة الأولى في الأرجنتين، حيث قضى عاماً في حي الزيتون ونشر كتابه الثالث من القصص: ركلة حرة العام 1974. ثم توجه بعد ذلك إلى ألمانيا الغربية، حيث حصل على منحة من برنامج الفنون من الأكاديمية الألمانية للتبادل الأكاديمي العام 1975، ومن خلاله تمكن من كتابة روايته الأولى “حلمت أن الثلج كان يحترق”. وبدءاً من العام 1979، عمل ثلاث سنوات كأستاذ في كتابة السيناريو في الأكاديمية الألمانية للسينما والتلفزيون في برلين الغربية. وفي العام 1981، ارتبط سكارميتا عاطفياً مع الألمانية من أصل بولندي نورا بريبيرسكي، وتزوجها بعد عودته إلى شيلي، وأنجب منها ابنه فابيان.
وفي العام 1989، عاد إلى تشيلي بعد فترة طويلة من المنفى لما يقرب من 16 عاماً. وفي العام التالي أسس في معهد غوته في سانتياغو، ورشة عمل أدبية عن هاينريش بول، حيث تدرب الكثير من الأجيال الجديدة من الكتّاب. وفي العام 1992، أسس سكارميتا برنامجاً تلفزيونياً لعرض الكتب، بثه التلفزيون الوطني التشيلي. وفي أيار 2000، وفي عهد الرئيس ريكاردو لاغوس تم تعيينه سفيراً لتشيلي في ألمانيا حتى شباط 2003. وقد شغل منصب أستاذ جامعي في جامعة واشنطن في سانت لويس بولاية ميزوري وفي كلية ولاية كولورادو.
لاحقًا، في العام 2022، أصدرت منصة Netflix نسخة جديدة من الفيلم، بأدوار البطولة لأندرو بارغستيد، وفيفيان ديتز، وكلاوديو أريدوندو، وكلها تحت إشراف رودريغو سيبولفيدا. بفضل الفيلم، كان لاسم سكارميتا صدى عالمي، حيث انضم إلى مجموعة مختارة من المؤلفين التشيليين الذين حظوا بتقدير في الخارج، مثل غابرييلا ميسترال، وبابلو نيرودا، وروبرتو بولانيو، وإيزابيل الليندي. في الواقع، تمت إعادة تسمية المجلد في الطبعات اللاحقة ليصبح “ساعي بريد نيرودا”.
لقد حرص في كتبه على تصوير تشيلي الحقيقية جدًا والتي تعيش الحياة اليومية: “كتبي تعبر عن الاحترام الصادق لحقيقة شخصياتي. أحاول أن أفهم وأعبر عن ما يدور حولهم. لقد اكتشفت في هذه الإستراتيجية أن ما هم عليه يشمل بطريقة حاسمة للغاية ما يريدون أن يكونوا عليه. أنا أؤمن بقوة الخيال، الذي لا يقتصر على الفنانين. الآن، خطابك من أجل التغيير لا ينبغي أن يكون طوباويًا بل شاعرياً”… الطليعة ليست الفنان الذي يتقدم للأمام، بل هو الذي يجعل الآخرين يتقدمون للأمام”، حسبما قال لصحيفة الباييس العام 2013.
في العام 2014 حصل على الجائزة الوطنية للأدب، وفي 2015 انتخب عضواً كامل العضوية في الأكاديمية التشيلية للغة. علاوة على ذلك، خضع في العام 2016 لعملية جراحية لسرطان المعدة. وكان كتابه الأخير عبارة عن قصة قصيرة بعنوان “حريةا لحركة” (راندوم هاوس، 2015).