
محمد علوش – المدن
بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990، شكّل اتفاق الطائف خريطة طريق لإعادة بناء مؤسسات الدولة، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية. يومها، كانت واحدة من أهم الخطوات في تلك المرحلة، عملية دمج مقاتلي الأحزاب اللبنانية المشاركة في الحرب ضمن الجيش، كجزء من مشروع توحيد القوى الأمنية تحت مظلة الدولة.
اليوم، أعاد رئيس الجمهورية جوزيف عون طرح الفكرة، ردًا على سؤال حول مصير مقاتلي حزب الله وإمكانية انضمامهم إلى الجيش اللبناني، كلواء خاص، أو فرقة خاصة، أو غير ذلك. فقال عون: “يمكن لعناصر حزب الله الالتحاق بالجيش والخضوع لدورات استيعاب، مثلما حصل في نهاية الحرب في لبنان مع أحزاب عدة . فهل يمكن تحقيق هذا الأمر؟ وماذا عن موقف حزب الله؟
عملية الدمج بعد الحرب الأهلية
بموجب قانون صدر عام 1991، وُضعت آلية لحلّ “الميليشيات” وتسريح عناصرها، ومن ثم انتقاء عدد محدد منهم للالتحاق بالجيش أو قوى الأمن الداخلي. ومن أجل ذلك، أُنشئت لجان مختصة لتقييم ملفات هؤلاء العناصر، وفق معايير تتعلق بالكفاءة، والعمر، والسجل الأمني، مع مراعاة التوازن الطائفي الدقيق.
يومها، تمّ تسريح حوالي 200 ألف عنصر من المقاتلين في المرحلة الأولى من تنفيذ اتفاق الطائف، فيما قُدّر عدد الذين تمّ إدماجهم في الجيش وقوى الأمن الداخلي بحوالي 15 إلى 17 ألف عنصر خلال السنوات الأولى بعد الحرب، مع أفضلية لبعض الأحزاب التي كانت أقرب إلى السلطة السياسية آنذاك. وقد دخل بعضهم كمجندين، فيما مُنح البعض الآخر رتبًا عسكرية بحسب دوره السابق في الميليشيا، وذلك بعد إخضاع جزء كبير منهم لدورات تأهيلية في الكليات والمعاهد العسكرية.
طرح عون مجرّد فكرة أولية
“لم تصل إلى الجيش اللبناني بعدُ أصداءُ طرح رئيس الجمهورية”، تؤكد مصادر عسكرية، مشيرةً عبر “المدن” إلى أن هذا الطرح لا يزال مجرّد فكرة، إذ لم يتم وضع أي نظام تطبيقي لها، لا لناحية الأعداد التي يُمكن استيعابها ضمن الجيش، ولا الأعمار المطلوبة، ولا الاختصاصات، ولا كيفية انعكاس اختصاصات المقاتلين في المقاومة على رتبهم في الجيش في حال قرروا الانضمام إليه.
وشددت على أن فكرة الرئيس لم تُدرس بعد، لمعرفة ما إذا كان بالإمكان تنفيذها أم لا، وإلى أي مدى يمكن الذهاب بها بعيدًا، نظرًا لخصوصية لبنان وخصوصية الجيش اللبناني.
وترى المصادر أن لبنان حالة فريدة من نوعها، وما ينطبق على باقي الدول قد لا ينطبق عليه. وهذا يتطابق مع ما قاله رئيس الجمهورية، معتبرةً أن هذه الفكرة تأتي في سياق الحديث التقني الذي قد يُتوَّج باتفاق سياسي على مسألة السلاح. وبالتالي، في حال تم الاتفاق السياسي، تصبح الأمور التقنية سهلة ومتاحة.
وبالنسبة إلى المصادر العسكرية، فإن الأولوية يجب أن تكون لإيجاد استراتيجية أمن وطني تشكّل ضمانة لقوة البلد، ليكون قادرًا على الدفاع عن حدوده، لا أن يكون مجرّد حرس حدود. مشيرةً إلى أنه قبل الحديث عن إمكانية دخول عناصر حزب الله إلى الجيش، يجب معرفة كيف ستكون الصيغة الجديدة التي تحدد العلاقة بين فصيل كبير مسلّح بسلاح نوعيّ، والجيش اللبناني.
حزب الله غير معنيّ بالطرح
بعد صدور هذا الطرح عن الرئيس عون، تلقّف بعض جمهور حزب الله المسألة باستخفاف، فانتشرت الفيديوهات والمواقف التي تُحاكي الطرح بطريقة هزليّة.
لكن بالنسبة إلى قيادة الحزب، فهي، بحسب مصادر مطلعة، غير معنيّة بهذا الطرح حاليًا، مشيرةً عبر “المدن” إلى أن الأولوية اليوم، بعد الانسحاب الإسرائيلي ووقف الاعتداءات وتحرير الأسرى ومسألة إعادة الإعمار، هي لبحث استراتيجية دفاعية كجزء من استراتيجية أمن وطنيّ تحافظ على قوة السلاح لأجل لبنان، وقدرته على أن يُشكّل قوة رادعة للإسرائيلي.
وترى المصادر أن رئيس الجمهورية، الذي اعتبر أن تجربة “الحشد الشعبي” لا يمكن استنساخها في لبنان، يُدرك أيضًا أن لبنان حالة فريدة بحاجة إلى صيغة تناسبه، لا أن يتحوّل إلى بلدٍ ضعيفٍ مستسلمٍ يُجرّ إلى التطبيع. وهنا مكمن التحدّي بين من يُريد صيغةً جديدةً للسلاح تحفظ قوة لبنان، ومن يُريدها صيغةً تضمن أمن إسرائيل وتحقق أحلامها.
التنفيذ لن يكون سهلاً
بعيدًا عن موقف حزب الله وعناصره من فكرة الانخراط في الجيش اللبناني، لن تكون هذه العملية سهلة، ولو سلّمنا جدلاً بأنها حازت على موافقة الحزب.
فبعد الحرب الأهلية، واجهت هذه العملية انتقادات واسعة، إذ اعتبرها البعض “شرعنةً للميليشيات داخل الدولة”، خصوصًا أن الولاءات الحزبية لبعض المجندين الجدد بقيت فاعلة داخل المؤسسة. كذلك، كانت الأعداد موزّعة بين الطوائف، بينما اليوم نتحدّث عن فئة طائفية واحدة، وتنظيم واحد، واعتراضات سياسية بدأت قبل أن تُطرح الفكرة حتى.