تناول الدكتور سابا قيصر زريق رئيس «الهيئة الإدارية لمؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية» في حديث أدلى به إلى «جريدة اللواء» أبرز القضايا الوطنية والثقافية وحدّد موقفه من التطورات الراهنة وكيفية إنقاذ البلد من الأزمات وفق الحوار التالي:
{ مع إنتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كثرت الاقتراحات من داخل الحكم لسد العجز الحاصل في موازنة الدولة وسط ما نلحظه من تهرّب ضريبي من جهة وإرتفاع في أسعار السلع والدواء وتكاليف الدراسة التي باتت ترهق الأسر من مختلف الفئات الإجتماعية والمتوسطة كيف تنظرون إلى هذه المسألة؟ وهل سيكون لها إنعكاسات على الصعيد التربوي والتعليمي؟
– كُتب الكثير عن المشاكل التي يعاني منها المودعون في المصارف بسبب سياسات مصرف لبنان غير المجدية منذ أكثر من ثلاثين سنة. وقُدمت اقتراحات كثيرة، من كل حدب وصوب، ليس فقط لسد العجز الحاصل في موازنة الدولة، بل لما يسمّى بالتعافي المالي والنقدي والاقتصادي، بقيت كلها حبراً على ورق؛ وليس فقط بسبب تضارب مضامينها أو عدم جدواها أصلاً، أو عدم التمكن من تنفيذها. إن السبب في العجز الحاصل في موازنة الدولة، وعدم دقة المعلومات الواردة فيها أو طرق المعالجات المختلفة والهمايونية أحياناً، لا يعود فقط الى «التهرّب الضريبي» فهو ليس السبب الوحيد في تقليص موارد الدولة. إن للهدر والسرقة والاختلاس دورا أساسيا في حرمان الخزينة من إيرادات باهظة حطّت في جيوب المؤتمنين المرتكبين.
أما أرتفاع أسعار السلع والدواء وتكاليف الدراسة، وأضيف الرعاية الصحية، الخ… فهو تحصيل حاصل لارتفاع سعر صرف الليرة إزاء الدولار الأميركي كون لبنان أساساً بلداً مستورداً لمعظم حاجياته. وبالطبع، انعكس ذلك على كافة القطاعات، ولم يسلم منها قطاع التربية والتعليم.
{ إلتقيتم مؤخرا راعي أبرشية طرابلس المارونية المطران يوسف سويف، هل تم التطرق إلى المسائل المذكورة آنفا؟
– فعلاً التقيت منذ حوالي الاسبوع سيادة المطران سويف في زيارة خاصة، لم نتطرق فيها إلى السياسة أو إلى الوضع المتردّي الذي نعيشه إلّا عرضاً. وكان هدف الزيارة أساساً الاتفاق مع سيادته على موعد إقامة ندوة حول كتاب الدكتورة هند عبود صواف وعنوانه «السيدة مريم في القرآن: من النص الى الخطاب»، التي سوف تعقد في مركز الصفدي، يوم السبت الواقع فيه 16 أيلول 2023، والتي سوف يشارك فيها سيادته وسماحة الدكتور مالك الشعار. ولما كنت قد لمست حرص سيادته على تفعيل الحوار والالتقاء بين أبناء المدينة، تناقشنا في سبل التعاون لهذا الغرض بين المطرانية ومؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية.
{ برأيكم هل الحل للقضية اللبنانية هو في إختيار رئيس صُنع في لبنان؟ وهل بالإمكان أن يتم ذلك دون الإستعانة بقوى ودول أجنبية وعربية؟
– طالما أن القوى الرئيسية في لبنان تتأثر بالخارج، إن لم نقل هي مرتهنة له، فإن هنالك صعوبة بمكان أن يصار إلى انتخاب رئيس صُنع في لبنان. أما التبعية والإرتهان للخارج فهو ليس بأمرٍ جديد، وإن بلغ في أيامنا هذه مستويات فاضحة. وبالإضافة، لا يبدو أن هنالك إرادة قوية صادقة في أن تكون عملية إنتاج رئيس لبنانية. إن الواقع يدلّ على أن التشرذم الحاصل خاصةً ضمن الكتل المسيحية، وأبرزها التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، المعنيتين المباشرتين بموضوع انتخاب رئيس للجمهورية، يحول دون تسهيل هذه العملية. فلو أنهما يتحدان ويتفقان على ترشيح شخصية ما لهذا المنصب، لما كان انتخابه ليطول.
ليس انتخاب رئيس جديد إلّا أول الغيث، فالتوصل الى حل دائم دونه عراقيل كثيرة وكبيرة. لأن أي رئيسا سوف يأتي لن تكون في يده عصاً سحرية ولن يكون بمقدوره حل أي أزمة في جو من الانقسام الحاد. إن لم يكن هنالك من نيّة صادقة عند الجميع لإنقاذ البلد، فالهلاك مصيره. إذ لا تكفي الشعارات الفضفاضة التي يرمي مطلقوها، من «الحملان» و«الملائكة»، الى الإيحاء بأنهم جادّون في سعيهم الى الخلاص.
{ هناك تخوّف أن يتم حصول تداعيات سلبية مع إنتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان؟ فهل بلغ العجز الداخلي هذا المستوى من الإنحدار؟
– إن أي تداعيات سلبية إضافية لحلول أجل ولاية حاكم مصرف لبنان سوف تكون برأيي مصطنعة ومبرمجة سابقاً لأن السياسات والهندسات المالية التي رسمها الحاكم بالاتفاق، وربما بالتواطؤ، مع أركان القطاع المصرفي، هي المسؤولة الأساسية عن تدهور القطاع أساساً. ولا أرى أفقاً إصلاحياً على الإطلاق، بخاصة أن الدولة المهترئة أساساً لا تقوى على دعم المصرف على أي نحو أو ربما لا تريد دعمه إطلاقاً. إن الأولوية في هذه المرحلة هي لضبط سعر صرف الدولار الأميركي على نحو لا يسمح للمستفيدين باستغلال الوضع لجني أرباح كبيرة غير مشروعة على حساب المواطن.
{ برأيكم هل أصبحت قضية النزوح والوجود السوري في لبنان قضية ذات بُعد محلي أم أنها مسألة عالمية على صعيد المتابعة وإيجاد الحلول؟
– إن القرار المريب الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي مؤخراً والقاضي بإبقاء النازحين السوريين في لبنان، ليس إلّا حلقة غير ملزمة من سلسلة من الإجراءات التي تورّط المجتمع الدولي بها والتي لن تمرّ لأن أمر عودة النازحين إلى بلدهم هو ربما من الأمور القليلة جداً التي يجمع عليها اللبنانيون. إن العبء الذي ألقاه هذا النزوح على كاهل لبنان واللبنانيين كبير جداً، ولا يمكن لبلدنا المثقل بألف أزمة وأزمة أن يتحمّله. فليُلَبنن المسؤولون هذا القاسم الجامع ويبادروا إلى التواصل الجدّي والمستمر مع أصحاب القرار في سوريا لتأمين عودة كريمة وأمينة للنازحين.
{ في هذا الإطار هل من دور ثقافي إلى جانب التحرك السياحي للنهوض بالبلد؟ وكيف؟
– إن الثقافة ركن أساسي في أي بلد. غير أنها، كما الأنشطة السياحية، ليست بالتأكيد كافية على الإطلاق للنهوض. قد تساعد الثقافة والفعاليات الثقافية في إعطاء بلد ما صورة جميلة وإيجابية، غير أنها لا يمكنها أن تبيّض صفحات من الفساد وسوء الإدارة الرسمية. على كلٍ، إن الدور التوعوي لمحركي الثقافة هو جيد ويجب أن يستمر، كون الجهل سيد الساحات.
{ هل تعتقدون أن إكتمال النجاح على هذا الصعيد ممكن في ضوء ما تشهده طرابلس من تزايد أعمال العنف والمواجهات التي ولحسن الحظ ما تزال ذات طابع فردي ولكن بالطبع لها تأثيرها السلبي على التحرك الاقتصادي والإنمائي في المدينة؟
– تشهد طرابلس ما تشهده من أعمال عنف بسبب ضعف السلطات في قمعها. أما وصفكم بأنها ذات طابع فردي لا يحدّ من خطورتها. ولا شك أن لها تأثيرا سلبيا على الاقتصاد والإنماء في المدينة لآنها تبعد المستثمرين الحريصين على الاستثمار في بيئة مستقرّة، أقلّه أمنياً.
{ البعض يتخوّف من تزايد هذه الممارسات السلبية في المدى المنظور، هل تعتقدون ذلك؟ وما هي رؤيتكم لإمكانية وضع حد لهذه السلبيات بصورة شاملة؟
– إن الحل بسيط فهو أولاً في نزع السلاح المتفشي في أيدي المواطنين، والذي يؤدي إلى ارتكاب جرائم يومياً، وفي اعتقال المرتكبين وزجّهم في السجن واعتقال كذلك تجار السلاح وإلقاء أقصى العقوبات بحقهم.