زياد عيتاني – اساس ميديا
الحوار الوارد في هذا النصّ هو حوار افتراضي يستند إلى خيال الكاتب والكثير من الوقائع التي يصلح إسقاطها في أيّ حوار افتراضي أو حوار حقيقي. هو حوار خيالي في ذكرى حقيقية لكنّ إفراغها حوّلها إلى ذكرى خياليّة.
***********
في الذكرى الـ80 لعيد الاستقلال، وسط حشد سياسي وعسكري وشعبي لافت افتتح الرئيس نجيب ميقاتي معرض الاستقلال في قلعة راشيا وخلال جولته في أرجاء القلعة دخل الغرفة التي احتُجز فيها رئيس الجمهورية بشارة الخوري. طلب ميقاتي من مرافقيه وكبار الحضور الخروج وتركه بمفرده في غرفة الرئيس. استجاب الجميع لطلبه، فأقفلوا الباب عليه، وقد اعتاد المرافقون والوزراء أن يختلي رئيس الحكومة برئيس الجمهورية قبل أيّ جلسة حكومية أو غير حكومية.
سمع الرئيس ميقاتي صرير باب الغرفة عند انغلاقه. نظر إليه مستوحشاً ليعود بعينيه إلى صحن الغرفة فإذا بالرئيس بشارة الخوري يتراءى أمامه وبجانبه الرئيس رياض الصلح وعبد الحميد كرامي وكميل شمعون وعادل عسيران.
– يبادره عبد الحميد كرامي سائلاً: “ملامحك طرابلسية ابن من أنت؟”.
– الرئيس ميقاتي: “أنا ابن عزمي ميقاتي..”.
– عبد الحميد كرامي: “أنتم عائلة الميقات، هذه المهمّة أوكلت لكم منذ عهد الدولة العثمانية. أما زلت على مهنة أجدادك؟”.
– ميقاتي: “أنا الآن رئيس حكومة لبنان”.
– عبد الحميد كرامي: “فزت بنيابة المدينة؟”.
– ميقاتي: “لقد اعتزلت النيابة وأحجمت عن الترشّح في الانتخابات الأخيرة”.
– عبد الحميد كرامي: “لماذا؟ هل اعتزلت السياسة؟ يا ابني لا سياسة بلا نيابة. أخبرني عن طرابلس الحبيبة كيف أحوالها وأحوال أهلها؟ كيف القبّة وباب التبّانة والزاهرية وباب الحديد وساحة التل والميناء؟ من المؤكّد أنّها تعيش سعادة وتطوّراً فأحد أبنائها رئيس للحكومة..”.
– ميقاتي: “طرابلس بخير يا أفندي، أسواقها في الأعياد عامرة، أهلها في الضم والفرز يقضون سهراتهم ليلاً”.
– عبد الحميد كرامي: “ضم وفرز هل هذا مشروع عقاري؟!”.
– ميقاتي: “لا هو شارع سياحي. تمّ استحداثه في منطقة بساتين الليمون”.
– عبد الحميد كرامي: “ألم تجدوا أفضل من هذا الاسم لشارع سياحي (يضحك الجميع). لماذا لم تسمّوه شارع الليمون؟”.
– ميقاتي: “أحببنا التخلّص من كلّ مفردات الحمضيات”.
– عبد الحميد كرامي: “إنّا لله وإنّا إليه راجعون. يا ابني من يتنكّر لماضيه يضيع حاضره. أستأذنكم، فقد حان وقت الرحيل وأريد الانصراف إلى غرفتي للاستراحة”.
في الذكرى الـ80 لعيد الاستقلال، وسط حشد سياسي وعسكري وشعبي لافت افتتح الرئيس نجيب ميقاتي معرض الاستقلال في قلعة راشيا
بشارة الخوري يسأل عن الرئيس
يرتفع صرير باب الغرفة مجدّداً ويقطعه صوت الرئيس بشارة الخوري قائلاً: “أنت رئيس الحكومة فلماذا أتيت بمفردك وأين رئيس الجمهورية؟”.
– ميقاتي: فخامة الرئيس بداية أحمل لكم تحيّة من كريمتك السيدة ليلى الصلح وحفيدك الأمير الوليد بن طلال. وبهمّتهما نحن هنا اليوم لزيارتكم. حوّلوا هذا المكان وهذه القلعة التاريخية إلى متحف رائع للاستقلال. أمّا بالنسبة لانتخاب رئيس للجمهورية فللأسف بعد سنة من الفراغ لم ننتخب رئيساً للجمهورية”.
– بشارة الخوري: “هل منعكم الاحتلال الفرنسي من انتخاب رئيس؟”.
– ميقاتي: “فخامتك، لقد منعنا أنفسنا، فكلّ الموارنة مرشّحون وكلّ المسلمين ينتظرون. الموارنة فخامتك ينتظر جزء منهم تيّاراً يحاول جرف الجميع، والجزء الآخر قوات يسعى إلى إخضاع الجميع. يخوض الموارنة سيدي الرئيس منذ الاستقلال معارك التمديد تارة لرئيس، وتارة أخرى لقائد جيش ودائماً لصلاحيات باتت من العصر القديم”.
– بشارة الخوري: “هل هذا كلام معقول؟ أين الشعب؟ أين القادة الروحيون ولماذا هم ساكتون؟ أين النواب؟ لماذا لا ينزلون إلى البرلمان لينتخبوا رئيساً للجمهورية، وليصوّتوا وليفز من يحصل على أعلى نسبة من الأصوات. أنتم من دون رئيس للجمهورية، هل هذا معقول؟ متى كان الموارنة طائفة أو فريقاً؟ هم دائماً كيان لبنان كما يقول التاريخ، وهم الوطن الذي يسعى إلى احتواء الجميع. لقد خرجنا نحن الموارنة منذ الاستقلال من القوقعة في جبل لبنان إلى باحة لبنان الكبير”.
سمع الرئيس ميقاتي صرير باب الغرفة عند انغلاقه. نظر إليه مستوحشاً فإذا بالرئيس بشارة الخوري يتراءى أمامه وبجانبه الرئيس رياض الصلح وعبد الحميد كرامي
رياض الصلح والعرب
يدخل الرئيس رياض الصلح على خطّ الحوار سائلاً الرئيس ميقاتي: “أخبرني كيف علاقتكم مع الأشقّاء العرب، ولماذا لا تطلبون منهم المساعدة لانتخاب رئيس للجمهورية؟”.
– ينظر ميقاتي إلى سقف الغرفة: “الحمد لله علاقتنا جيدة مع الجميع ولكن بسب ضغط الأعمال لا نمتلك الوقت كي نزورهم ولا يمتلكون هم الوقت لزيارتنا”.
– رياض الصلح (صارخاً): “ما هذا الكلام!! اخترعوا الوقت. لا قيمة للبنان من دون العرب. ما تركت عاصمة عربية إلا وزرتها عند كلّ أزمة. نحن أمّة واحدة ونتكامل مع بعضنا البعض”.
– ميقاتي: “دولة الرئيس أصدقك القول: لقد امتهنّا نحن اللبنانيين إفساد العلاقة مع العرب، وكلّ فريق منّا يتفنّن في إبعادنا عن العرب وإبعاد العرب عنّا. الحمد لله اليوم أدرك الكثيرون خطأهم ولو متأخّرين وندعو الله أن يعيدنا إلى العرب ويعيد العرب إلينا، ويعيدنا من سوريا ومن اليمن ومن البحرين، فما حملت تلك الرحلات والغزوات إلينا إلا الضرّر المميت”.
يصرخ الرئيس كميل شمعون من زاوية الغرفة قائلاً: “يا نجيب لقد كانوا يطلقون عليّ أنا فتى العروبة الأغرّ وفتى لبنان بمسيحيّيه ومسلميه. يكون بخير عندما تكون العلاقة مع العرب بخير”.
– الرئيس عادل عسيران يستأذن الرئيس بشارة الخوري بالكلام ويقول: “لقد سمعت مفردة غريبة منك يا دولة الرئيس عندما قلت كل فريق منّا. هل أنتم شعب واحد أم أفرقاء متعدّدون. ما كان لبنان يوماً هكذا. نحن شعب لبناني واحد موحّد. أنظر إلينا في هذه الغرفة. نحن معتقلون في هذه القلعة لأنّنا زعماء لبنانيون وليس لأنّنا زعماء طوائف، ماذا حصل في لبنان؟ ماذا فعلتم به؟ أين رئيس مجلس النواب؟ فليضرب بمطرقته على المنبر داعياً لانتخاب رئيس”.
– يعود الرئيس بشارة الخوري للكلام قائلاً: “الاستقلال الذي تحتفلون به اليوم بذلنا من أجله الغالي والرخيص. قبل دقائق علمت أنّ ثلاثين شخصاً من الرجال والنساء في صيدا قتلوا برصاص الاحتلال الفرنسي وهم يتظاهرون مطالبين بإطلاق سراحنا فماذا سنقول لهم؟ هل نقول إنّ أبناءنا بعد 80 عاماً أضاعوا الاستقلال وفرّطوا بدمائكم؟ إذهب يا دولة الرئيس إلى بيروت واعمل على انتخاب رئيس للجمهورية. أمسك بالعلم اللبناني فاللبنانيون لن يتوحّدوا إلا تحت علم واحد رسمناه بأيدينا واخترنا ألوانه تعبيراً عن حرّيتنا. اذهب إلى بيروت واجتمعوا كما يجتمع زملاؤنا مع المير مجيد أرسلان في بشامون، من دون تضحيات لن يكون لنا وطن، ومن دون دستور ستضيع كلّ التضحيات. اذهب يا دولة الرئيس إلى بيروت عسى أن يعود الوطن، ولا تُخبر أحداً بلقائنا، إذ نخشى أن يقولوا إنّ رجال الاستقلال علموا بأزمة لبنان ولم يفعلوا من أجل حلّها شيئاً، فما اعتدنا أن نكون من العاجزين”.
يخرج الرئيس نجيب ميقاتي من الغرفة واضعاً يديه خلف ظهره. لم ينتبه عند خروجه إلى صوت صرير الباب. لكنّ الوجوه التي كانت حاضرة في الغرفة اختفت. كان ضجيج الاحتفال في الخارج يملأ المكان. استمع الى الكلمات وسلّم على الحضور. شكر الوزيرة ليلى الصلح على كلّ ما فعلته. همس في أذنها “رحم الله والدك هذا الرجل العظيم”، ووضع توقيعه على العلم اللبناني وعاد إلى بيروت علّه يجد مخرجاً لانتخاب رئيس أو أقلّه تأجيل تسريح قائد الجيش.