
تعود مسألة اللجوء إلى حذف أصفار من الليرة اللبنانية، لتُطرح في بعض الأوساط الرسمية كإحدى الوسائل لمواجهة انهيار العملة والحد من التضخم وامتصاص السيولة من السوق وضبط سعر الصرف. ويستند هؤلاء إلى تجارب عدد من الدول التي اعتمدت هذا الحل لضبط استقرار عملتها الوطنية، علماً أن معظمها باءت بالفشل، ما يجعل التعويل على حذف الأصفار من الليرة كحل للأزمة أقرب إلى الوهم.
الباحثة في الشأن الاقتصادي والمالي، ليال منصور، تشير، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إلى أن “حذف أصفار من الليرة لا يحل الأزمة، بل ربما يسهِّل فقط التعاملات بين الناس لناحية حمل الأوراق النقدية”، لافتة إلى أن “للمسألة تأثير بسيكولوجي فقط من دون أي تأثير اقتصادي”.
وتضيف، “لنفرض مثلاً أن سلعة معينة ثمنها اليوم 100.000 ليرة، وفي حال حذفنا الأصفار من العملة يصبح ثمنها ليرة، فماذا نكون استفدنا في هذه الحالة؟ لا شيء. لا رفعنا المعاشات، ولا انخفض سعر السلعة. بمعنى أنه إذا كان معاش الموظف بالملايين ويشتري به 10 سلع مثلاً، وحذفنا الأصفار كي نخفف الرقم من الملايين، سيظل يشتري 10 سلع”.
وتلفت، إلى أن “حذف الأصفار يمكن أن يسهِّل المعاملات الحسابية والتعاملات التجارية والتبادل من خلال تصغير أرقام التداول. فمعظم محطات البنزين مثلاً غير مجهزة للتعامل مع 6 أرقام”، لكنها تشير إلى أن “بلداناً عدة اعتمدت حذف الأصفار من بينها إيران، حيث العملة الأساسية هي الريال الإيراني، وحين حذفت 3 أصفار منها سمَّت العملة تومان، لكن هذا لم يحلّ الأزمة المالية والاقتصادية لأن عملة التومان الأساسية بقيت الريال”.
وتضيف، “هكذا أيضاً بالنسبة لليرة اللبنانية، إذا حذفنا الأصفار منها وسمّيناها مثلاً ليرة الأرز، ستبقى تابعة لليرة اللبنانية الأساسية المتدهورة”، موضحة أن “الحل الوحيد لمعالجة الوضع هو بإيجاد عملة جديدة كلياً، كما أقترح. وهذه العملة الجديدة تكون بداية الإصلاح إذ تكون مبنية على اقتصاد جديد، وعلى نظام سعر صرف جديد هو الـcurrency board. لكن إذا بقينا على العملة ذاتها أي الليرة الحالية وحذفنا فقط الأصفار، لا يتغير شيء ولن تنفع أي إصلاحات”.
وتوضح، أن “نظام سعر الصرف الجديد أو الـcurrency board يعني إنشاء عملة جديدة كلياً متوافقة مع حجم الاقتصاد المتدهور بحالته الراهنة، إنما نكون عندها قد أوقفنا التدهور عند الوضع الحالي وعلى معرفة بأنه لن يتدهور أكثر، بل نكون وضعنا الأسس للتحسن في المستقبل”.
وتشير منصور، إلى أن “نظام العملة الجديدة التي أقترحها ينزع إدارة سعر الصرف من مصرف لبنان، فلا يعود بإمكانه طبع العملة وتمويل ودعم بضائع وسلع تُستثمر في مزاريب الفساد، أو أي مشاريع فاشلة أو فاسدة. وبهذه الحالة نكون أنشأنا عملة جديدة كلياً وعلى هذا الأساس نقيس الاقتصاد”.
وتؤكد، أن “الحل بعملة جديدة مع نظام سعر صرف جديد، وحذف الأصفار من الليرة ليس حلاً. فعندها، تصبح معدلات وحركة وقوة السوق هي التي تعكس نفسها على العملة وبالعكس، من دون أي تدخلات فوقية. وإلا فستكون النتيجة ذاتها، مثلما حصل في بلدان عدة اكتفت بحذف الأصفار من عملتها”.
وتضيف، “زيمبابوي مثلاً غيَّرت عملتها 4 مرات ولا تزال غارقة في المشكلة، لأن المسألة لا تتعلق بتغيير اسم العملة ذاتها فقط أو أرقامها أو حذف أصفار منها، فتغيير الاسم من دون أن يكون ناتجاً عن نظام سعر صرف جديد لا معنى له”.
وتلفت منصور، إلى “نوعين من تطبيق نظام الـcurrency board، الأول، مثل الولايات المتحدة والدول المتقدمة، إنما لا يمكن تطبيقه في أي بلد من خارج هذه الفئة. فحتى دول الخليج التي تتمتع بملاءات مالية ضخمة من العملات الأجنبية والدولار ولديها مخزون هائل من النفط والغاز، لم تحرِّر عملاتها التي لا تزال مثبَّتة، لأنها لا تملك حتى الآن الأرضية الاقتصادية التي تستوعب عملة محرَّرة”.
وتضيف، “لبنان يقع ضمن الفئة الثانية، ولذلك كانت عملتنا مثبتة. إنما حين لا نحافظ على ثبات العملة، نصبح أمام حلٍّ وحيد هو الـcurrency board الناتج عن استنزافنا لكل الحلول، إذ لسنا قادرين على تثبيته كما في السابق عند 1.500 ل.ل، وأثبت مصرف لبنان فشله على مدى 30 عاماً بالحفاظ على العملة، ولا نستطيع تحرير سعر الصرف، فيبقى هذا الحل الوحيد أمامنا”.
وتشرح، أن “نظام الـcurrency board يعني عملياً نزع الصلاحيات الاستثنائية من مصرف لبنان وتدخله في النقد وطبع العملة استنسابياً وكيفياً، ويصبح لدينا عملة جديدة هي ذاتها الدولار، أي قوتها بقوة الدولار والثقة بها مثل الثقة بالدولار، بمعنى أن لبنان المنهار تصبح عملته موازية لأقوى عملة على المستوى العالمي”.
وتشير، إلى أنه “عندها يصبح طبع العملة الجديدة بقدر ما يكون الاقتصاد بحاجة إلى سيولة على حجمه الفعلي، فلا يعود هناك طبع ليرات لتمويل الفساد والمشاريع الفاشلة، إذ يصبح لدينا ليرة جديدة، (الأرزة، أو ليرة الأرز) مثلاً، هي ذاتها عملة الدولار، بالتالي لا يعود هناك أسعار متعددة للصرف من 1.500 و3.900 و12.000 و20.000 ل.ل وغيرها، فـ1 دولار يساوي 1 ليرة جديدة”.
وتوضح منصور، أنها تتعرض لـ”هجومات شتى، لأن هذا نظام إصلاحي قاسٍ يقطع الطريق على السرقات والنهب. فحتى مع وجود هذه الطبقة الحاكمة، مع اعتماد نظام الـcurrency board نكون كمن يقطع يد اللص إذ لا يعود بإمكانه السرقة”.
وتؤكد، أنه “عاجلاً أم آجلاً ومهما كابر فرقاء هذه الطبقة وأجلَّوا المسألة، سيقرّون هذا النظام لأن الانهيار مستمر وحتى لو قاموا بتحرير العملة اللبنانية كما يخططون، سيصلون إلى مرحلة حين يبلغ الدولار 500 ألف ومليون ليرة (يرفعون فيها العشرة) ويطالبوا بإقرار الـcurrency board”.
وتشدد، على أنه “حتى مع افتراض إقرار إصلاحات موعودة في القطاع العام والاقتصاد والكهرباء وغيرها، هذه عناصر إيجابية لكنها لا تحل مشكلة سعر الصرف لأنه بات متفلتاً، ولن تأتي استثمارات إلى بلد سعر الدولار فيه غير مستقر ومتغيِّر على الدوام”، مؤكدة على “ضرورة التزامن بالتوازي في تطبيق الـcurrency board بعملة جديدة ونظام سعر صرف جديد مع الإصلاحات واستعادة الثقة كسلة متكاملة”.
وتلفت، إلى أنه “حتى مع التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي والبدء بالإصلاحات، لا يكفي ذلك لوحده، إذ ستتحرر الليرة ويرتفع الدولار. ولدينا في المفاوضات بين مصر والصندوق التي تعتبر من أنجح المفاوضات، أفضل مثال. فحين تم الاتفاق على برنامج تمويل بين الطرفين كان الدولار بـ8 جنيهات مصرية وأصبح بـ20 جنيهاً بعد تحرير العملة”.