نسرين مرعب – أساس ميديا
ربما أوّل ما فكّر فيه أحمد موّاس Ahmed Mawas، الشاب اللبناني الذي حاز أخيراً جائزة أفضل ممثّل في مهرجان أوروبا للأفلام، عن دوره في الفيلم القصير “Beauty of Warmth”، هو عائلته الكبيرة في شمال لبنان.
هذا التعلّق بالبلد الأم لا يعود للولادة. فأحمد ولد في لندن، ثمّ قضى 11 عاماً من حياته في غانا حيث يعمل والده، وحيث عائلة والدته لجهة الأم. وبعدما أتمّ الـ11 عاماً، عاد إلى لبنان حيث قضى 6 سنوات في كنف جدّيْه لجهة والده، وهنا تلقّى علومه في مدرسة الشويفات – الكورة.
وجوده في أميركا، لم يمنع من إجراء حوار مطوّل معه، فبعدما راسلناه عبر تطبيق “مسنجر” استجاب فوراً، لتتم المقابلة في اتصال عبر “واتس آب”، بدأناه بالحديث عن حياته والسنوات التي قضاها في طرابلس.
“والداي كانا يريدان منّي أن أكون قريباً من العائلة، وأن أتعلّم الثقافة اللبنانية”، يقول أحمد لـ”أساس”، موضحاً أنّ لهذه السنوات الست التي قضاها في لبنان الأثر الأكبر على حياته. ويختصر المرحلة بعبارة: “عرفوا كيف ربّوني، وكل شيء علّموني إياه استفدت منه”.
فيلم “Beauty of Warmth” ليس الأوّل في رصيد أحمد، لكن ما يميّزه هو الجائزة التي نالها، والتي علم بها أحمد وهو يوضب حقائبه في مطار شيكاغو.
يحدثّنا ابن الشمال عن الفيلم وكيف بدأت فكرته. فالمخرج تامر خليل كتب النصّ مع شريكه في أزمة كورونا. وكان يطمح إلى تصويره في نيويورك، فما كان من أحمد إلا أن اقترح عليه تصويره في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا، على أن يسند إليه هو شخصيّة “يوسف”، وهو البطل.
ربما أوّل ما فكّر فيه أحمد موّاس Ahmed Mawas، الشاب اللبناني الذي حاز أخيراً جائزة أفضل ممثّل في مهرجان أوروبا للأفلام، عن دوره في الفيلم القصير “Beauty of Warmth”، هو عائلته الكبيرة في شمال لبنان
ولكن من هو يوسف؟
يجيب أحمد: “يوسف هو شاب عربي ناجح، لديه المال والعائلة. ولدواعٍ علاجية يتناول المسكّنات التي يصفها له أحد الأطباء، فيتحوّل إلى مدمن. وهنا يبدأ الصراع” في فيلم “تثقيفيّ في قالب درامي”، على ما يصفه، يشهد قصة حبّ مع الممثلة Melissa Paakh.
لا ينكر أنّ المخرج تامر خليل كان متردّداً في البداية قبل إسناد الدور إليه. ثم طلب منه تأدية بعض المشاهد أثناء قراءة النصّ. هنا يضحك أحمد، بلغته العربية الغريبة قليلاً، ويقول: “طلب منّي تمثيل النوبة التي يتعرّض لها المدمن، فلم أفكّر وقلت: سأقوم بالدور. وصدّق المارّون بنا أنّ خطباً ما قد أصابني. حينئذٍ أدرك المخرج أنّ الدور يصلح أن يكون لي”.
حُلم أحمد بالتمثيل يعود إلى طفولته. فالشغف بالأفلام كان حاضراً دائماً، وكان يتابع العديد منها مع والده، ولا سيّما أفلام جان كلود فان دام وستيفن سيغال. ومثل ملايين حول العالم كان يحلم بهوليوود.
متى وقف على المسرح للمرّة الأولى؟
يعود أحمد بالذاكرة إلى مدرسة الشويفات، حيث أُسندت إليه البطولة لعامين متتاليَيْن في مسرحيات نهاية العام الدراسي. في العام الأوّل أدّى دور روميو في مسرحية روميو وجولييت، وفي العام الثاني أدّى دور أنطوني في مسرحية كليوباترا، وهو ما دفع أستاذ المسرح الإيرلندي شون داوني إلى تشجيعه والثناء على موهبته.
بعدما أنهى دراسته الثانوية، سافر إلى الولايات المتحدة الأميركيت حيث درس هندسة الكهرباء وإدارة الأعمال. اختيار أميركا لم يكن عبثاً، فهوليوود كانت دائماً هي الأساس في أيّ خيار يفكّر به. وأثناء دراسته الجامعية خضع للعديد من الدورات في التمثيل كي يصقل موهبته.
بعد 4 سنوات من الدراسة، اتّجه للعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات (IT)، في إحدى الشركات الكبرى. وجاءت الفرصة عندما كانت الشركة تعدّ لتسويق علامة تجارية. وفي خلال اختيار الأشخاص سألته الشركة إن كان يريد المشاركة. وبعدما التُقطت الصور له أُعجب فريق العمل به، فعرّفه إلى الوكالة المسؤولة عن هذه الأعمال، ليبدأ رحلته عارضاً للأزياء (modeling) عام 2011.
لم يترك أحمد عمله، فكان عرض الأزياء مهنة ثانية يحبّها. وهي فتحت طريق الشهرة أمام هذا الشاب الطامح، فرُفعت صوره في شوارع مينيسوتا، ووُضعت على فانات تعبر الطرقات.
عام 2014، غادر مينيسوتا إلى لوس أنجلوس للبحث عن حلمه الهوليوودي. وهناك بدأ يستعمل الأموال التي يجنيها في إنتاج الأفلام القصيرة التي تعرِّف المنتجين إليه.
وعند سؤاله عن عدد الأفلام التي أنتجها، يجيب أحمد: “13 فيلماً قصيراً”، مضيفاً: “بعضها أنتجتها، والبعض الآخر مثّلت فيه. هدفي كان تعزيز ملفّي (portfolio). وبالفعل حصل ذلك، وشُرّعت لي الأبواب، أوّلاً في فيلم The Misfits، ثمّ في مسلسليْ NCIS وon our way”.
إلى ذلك يكشف أحمد عن مشروعين كبيرين سيعرضان قريباً، رافضاً حاليّاً الغوص في تفاصيلهما.
لم يترك أحمد عمله، فكان عرض الأزياء مهنة ثانية يحبّها. وهي فتحت طريق الشهرة أمام هذا الشاب الطامح، فرُفعت صوره في شوارع مينيسوتا، ووُضعت على فانات تعبر الطرقات
إلى جانب الأفلام القصيرة، يبدع أحمد في المقاطع التي يعرضها على صفحته على “فيسبوك”، ويتشاركها مع شقيقه جمال. ولأحمد شقيقة ثالثة تُدعى نور. وهي تعيش في لبنان وتعمل مدرِّسة.
يحنّ إلى لبنان، فيزوره كلّ صيف، ويجتمع مع العائلة في أيام العطلة: “هذه طقوس لا يمكن تبديلها”. لكنّ أكثر ما يفتقده في طرابلس، فنجان النسكافيه والمناقيش والمأكولات البلدية، والبحر والأصدقاء. هو الذي شارك الجالية اللبنانية في تحرّكاتها المواكبة لثورة 17 تشرين قبل عام ونصف العام.
يأسف أحمد للوضع الذي وصل إليه لبنان: “السياسيون هنا لا يعملون لأجل الشعب”. ويدعو الشباب إلى البحث عن أحلامهم وطموحاتهم والسعي إلى تحقيقها.
يثني أحمد، الذي يتابع حالياً مسلسل “أمّ بديلة”، على الشاشة المحلية، ويتمنّى أن يجد فرصةً جيدة في لبنان وأن يستقرّ فيه.
أما طموحه خلال المرحلة المقبلة، فهو “أن أمثّل في مسلسل (series)، وأن تكون القصة جميلة، وأن أنتج وأمثّل في أفلام قصيرة، تصل إلى دول مختلفة، لأؤكّد أنّ العرب أيضاً يملكون الموهبة”.