شعار ناشطون

حقيقة مرّة أم كذبة حلوة؟… أيّهما أفضل لمريض السّرطان

26/01/23 11:29 am

<span dir="ltr">26/01/23 11:29 am</span>

قبل سنوات مضت، كان الأطباء يفضلون عدم إخبار المريض عن حقيقة مرضه، وهذا ينطبق أيضاً على كل من حوله. ففي فترة المرض والعلاج كان يعيش تجربة تغلب عليها الشكوك والقلق والبحث عن الحقيقة. أما اليوم، فثمة اتجاه إلى التحدث بصراحة معه عن المرض بكامل تفاصيله، حيث يعتبر الأطباء أنها الطريقة الأصح في التعامل مع هذه التجربة. هذا الموضوع يولّد جدلاً حقيقياً. فهل من الأفضل مواجهة المريض بـ”الحقيقة المرّة” ليدرك كل تفاصيل هذه التجربة التي يمر بها مهما كانت صعبة؟ أم من الأفضل نقل تلك “الكذبة الحلوة” التي تزوّده بالأمل

 

وتعطيه دفعاً ليواجه المرض بمزيد من الشجاعة والتفاؤل والإيجابية؟

يلعب الجانب النفسي دوراً مهماً في تجربة المرض، وفق ما تؤكده الاختصاصية في المعالجة النفسية جيزال نادر. فالكل بات يعلم أن الحالة النفسية للمريض لها أثر سلبي أو إيجابي على تجربته مع المرض وأكثر، بعدها هي تترك أثراً حتى على تطور المرض، وثمة تجارب عديدة تؤكد ذلك. لذلك يحتل الجانب النفسي مركزاً في غاية الأهمية في رحلة المرض، ولا بد من التعامل معه على هذا الأساس. يصعب الجزم، بحسب نادر، حول ما إذا كان من الأفضل بنسبة 100 في المئة مصارحة المريض بحقيقة مرضه، أو ما إذا كان من الأفضل تخفيف وقعه عليه عبر تجنب التفاصيل أو إخفاء البعض منها أو تغييرها حتى. إنما ثمة اتجاه اليوم إلى نقل حقيقة المرض إلى المريض، لأنه من الممكن أن يكتشف الحقيقة في أي ظرف من الظروف فيكون وقع ذلك أكثر صعوبة بكثير عليه وتزيد صعوبة طمأنته وتهدئته عندها، خصوصاً عندما تنعدم الثقة بما يقال له في هذه الحالة.

من جهة ثانية، ولأن للجانب النفسي أهمية كبرى في حالة المريض، يمكن الإساءة إليه أحياناً بإخباره بأدق التفاصيل المتعلقة بمرض. في الواقع هذا الطرح ينطبق على كل ما في الحياة، بحسب نادر، ولا يقتصر على تجربة السرطان. فعند المرور بأي تجربة صعبة يُطرح السؤال حول ما إذا كانت “الكذبة الحلوة” أفضل أو “الحقيقة المرة” سواء في حال حصول خيانة أو في تجربة مرض أو غيره.

قد تكون الإجابة في هذا الموضوع مرتبطة بالشخص بذاته وبشخصيته ومن بنيته النفسية، وما إذا كانت تتميز بالمرونة والقدرة على مقاومة الصدمات. فهل هو من النوع القادر على التركيز على الإيجابيات، بحيث من الممكن قول الحقيقة له كما هي؟ أم هو من النوع الذي يمكن أن يستسلم إذا نقلت إليه الحقيقة؟ ثمة أشخاص يتحولون إلى محاربين إذا علموا بحقيقة مرضهم ويصرون على المواجهة والتحدي، أياً كانت العوائق والصعوبات رغبة منهم بالانتصار على المرض. في هذه الحالة ينعكس ذلك إيجاباً على حالتهم، ويكون قول الحقيقة ذات أثر إيجابي عليهم. في المقابل، لا يتقبل البعض الفكرة ويستسلمون ويمرون بحالة من النكران مثلاً. في هذه الحالة لا تبدو فكرة جيدة أن يعرف مثل هؤلاء الأشخاص حقيقة مرضهم أو كل التفاصيل المتعلقة به، خصوصاً أن المعنويات تلعب دوراً جوهرياً في مقاومة المرض وترتبط مناعة الجسم بها وبالرغبة بمحاربة المرض.

 

هذا ما ينطبق أيضاً على كل الأمراض المزمنة التي يمكن أن يصاب بها شخص، فلا بد من اختيار التوقيت المناسب لإخبار المريض بالحقيقة والطريقة الفضلى والشخص الذي يمكن أن ينقلها. كما أن لطريقة نقل الخبر أهمية كبرى لا يمكن التهاون فيها. فبحسب الطريقة المعتمدة وتحضير المريض من الممكن أن يتقبل الحقيقة أو لا.

 

لذلك، توضح نادر أنه بالنسبة لبعض الأشخاص الذين يعانون هشاشة على مستوى الصحة النفسية وهم يميلون إلى الاكتئاب ويبدون عاجزين عن المحاربة، من الطبيعي أن تتدهور حالتهم في حال نقل الحقيقة إليهم، ومن الأفضل تجنب ذلك في معظم الأحيان. وإلا، في الوقت نفسه يمكن إيجاد الطرق المناسبة لمساعدة هؤلاء على تقبل الفكرة واختيار الأشخاص المناسبين لإحاطتهم، واللجوء إلى اختصاصيين في العناية التلطيفية لمساعدتهم في هذا المجال. فالمتابعة النفسية والإحاطة من العناصر المهمة هنا والمسألة لا تقتصر على نقل الخبر فحسب. هذا، مع ضرورة التركيز على معلومات حول المرض وفرص التعافي ليكون المريض أكثر تفاؤلاً في نظرته إلى هذه التجربة، ولرفع معنوياته لأنه يحتاج إلى محاربة المرض بإرادته ومعنوياته قبل أن يحاربه بالدواء. وعند الوصول إلى مرحلة تقبل المرض يكون المريض قد قطع شوطاً مهماً وتزيد قدرته على محاربة المرض مهما كان صعباً أو متقدماً.

 

كارين اليان- النهار العربي 

تابعنا عبر