نبيل الخوري – المدن
ماذا لَوْ اقتنع حزب الله بحياد لبنان، وبات هو أيضاً واحداً من الذين يطالبون به، فهل سَيَغْدُو الحياد ممكناً؟ سؤال كهذا يبدو خيالياً، للوهلة الأولى، نظراً إلى التجربة التي تظهر أن هذا الحزب لم يلتزم حتى بالبند رقم 12 من “إعلان بعبدا” الصادر عن هيئة الحوار الوطني اللبناني، في حزيران 2012، والذي يدعو إلى مجرد “تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية (…)”. فهو (وغيره أيضاً) تدخّل في سوريا، ضارباً بعرض الحائط مبدأ “النأي بالنفس”.
لكن من يجزم بأن موازين القوى لن تتبدل في المستقبل؟ ومن يجزم بأن مصلحة حزب الله لن تدفعه يوماً ما، ربما، إلى تفضيل الحياد؟ لذا، وبعيداً من زواريب السياسة المحلية وواقع الغلبة الطائفية، لا بد من طرح المسألة، لا لنسف اقتراح البطريركية المارونية، إنما لتحديد مدى إمكانية الإلتزام بالحياد في دولة مثل لبنان، وتبيان جوانب الإستحالة في تطبيقه. أو بمعنى آخر، لمعرفة أيّ حياد ممكن وأيّ حياد مستحيل في السياسة الخارجية اللبنانية بشكل عام؟
يحق لبيروت نظرياً أن تتبنى الحياد، طالما أن أدبيات القانون الدولي تقرّ به، لاسيما بعد مؤتمر لاهاي عام 1907، المخصص لقوانين الحرب، والذي قطع شوطاً في تكريس الحياد كمفهوم قانوني في العلاقات الدولية.
الحياد المؤقت: إنهاؤه مجازفة
كدولة سيّدة، يحق لها أن تبقى محايدة في حال وقعت حرب بين طرفين أو أكثر، من بداية الحرب وحتى نهايتها. يمكنها أيضاً أن تضع حداً لحيادها، لاحقاً، إذا اقتضت مصالحها ذلك. فتشارك في الحرب مع الطرف الذي تقرر التحالف معه. هذا ما حصل مع الولايات المتحدة الأميركية في الحربين العالميتين الأولى والثانية. عندها، يصنّف الحياد بالمؤقت. يمكن للبنان إذاً أن يبقى على الحياد لفترة من الزمن، إلى أنْ تدفعه مصالحه للإنحياز إلى طرف ومن ثم الانخراط إلى جانبه في القتال. وهذا يعني نهاية الحياد المؤقت. لكن خيار الإنحياز لطرف ضد آخر ليس بهذه البساطة، خصوصاً في مجتمع تعددي. الولايات المتحدة لم تكن تتجاهل حساسية موقفها بالإنخراط ضد ألمانيا، خلال الحرب العالمية الأولى، نظراً لوجود أميركيين من أصل ألماني كجزء مكوّن من مجتمعها. لذلك، وقبل إنهاء الحياد المؤقت، يجب تَوَفّر ضمانة بعدم انعكاس المشاركة في الحرب دعماً لطرف متحارب، على الوحدة الوطنية والاستقرار الداخلي. وإلا يكون الخيار متهوراً. من هنا، يفضل البعض اللجوء إلى نوع آخر من الحياد. إنه “الحياد الدائم”.
الحياد الدائم: أي حقوق وواجبات؟
في هذه الحالة، تلتزم الدولة على الدوام بأن تبقى خارج أي صراع دولي. يمكن للحياد الدائم أن يُمارس بشكل عرفي. ويمكن تطبيقه أيضاً في إطار قانوني، يحدد الوضعية القانونية للدولة، كدولة محايدة. يتطلب الأمر هنا تثبيت مبدأ الحياد في الدستور اللبناني وفي معاهدة دولية مُصادق عليها من قبل الأمم المتحدة.
هنا، تكون الدولة المحايدة بمنأى عن أي صراع بين دولتين أو أكثر، مع كل ما يترتب عن ذلك من حقوق وواجبات. هكذا، وفي حال وقوع حرب، من المفترض أن يمتنع المتحاربون عن المس بأمنها. لا ينتهكون سيادتها وسلامة أراضيها. للحياد إذاً فضْل لا يمكن إنكاره، نظرياً. هو ملاذ للدول الصغيرة المجاورة لدول كبيرة وقوية، عدوانية وتوسعية. يجنّبها أي تأثر بالاضطراب الدولي. يتيح لها حماية نفسها. يعفيها من الدخول في حرب لا مصلحة ولا إرادة لديها بالإنخراط فيها. وفي حال تعرضت لاعتداء أو عدوان من قبل أحد المتحاربين، يحق لها الدفاع عن نفسها. أي لديها الحق باللجوء إلى الوسائل العسكرية من أجل ردع أي معتدٍ وأي منتهك لحيادها. بهذا المنحى، لا يعني الحياد عدم وجود قدرات دفاعية وردعية.
في المقابل، تمتنع الدولة المحايدة رسمياً عن الإنضمام إلى أحلاف دولية. وعند اندلاع حرب، لا تنحاز ولا تدعم ولا تسلح أو تمول أي من المتحاربين. كذلك، لا تمنح أي من هؤلاء حق استخدام أرضها وأجوائها وبحارها لغايات قتالية. ممنوع عليهم استخدام أرضها للمواصلات والإمدادات العسكرية أو كقاعدة لعمليات حربية. لكن يحق للدولة المحايدة الحفاظ على حرية العلاقات التجارية وأنشطتها التجارية مع الجميع. وإذا كان عدم الانحياز يعني أن تُعامل المتحاربين على قدم المساواة خلال الحرب، كأن تقدم خدمات طوارئ صحية مماثلة للطرفين، إلا أن هذا لا يعني بالمطلق أنها مضطرة لمعاملتهم على قدم المساواة في ما يتعلق بالعلاقات التجارية، مثلاً. فماذا يعني كل ذلك بالنسبة للبنان؟
إشكالية إسرائيل كدولة معادية
تحييد أرض لبنان أو قسم من أرضه خلال الحرب بين العرب والفلسطينيين وإسرائيل، أمرٌ ممكن. عدم انخراطه في هذه الحرب، كدولة محاربة، ممكنٌ أيضاً. وكل هذا لا يمنع انحياز موقفه لمصلحة طرف ما. مثلاً، يتم اليوم تحييد أرض لبنان عن الصراع المسلح الذي يدور بين إسرائيل وإيران على أرض سوريا. طبعاً، حزب لله ينحاز إلى الطرف الإيراني. لكنه يلتزم التهدئة وعدم فتح النار على الجبهة اللبنانية. أي يقوم بتحييدها عملياً. إلا أن تطبيق نظام الحياد في لبنان حيال إسرائيل غير ممكن طالما أن هذه الدولة غير معترف بها وتُصنف بوصفها معادية. فالتحييد وعدم الإنخراط في القتال، لا يمنعان الدبلوماسية اللبنانية من انحياز موقفها بشكل كامل إلى مواقف العرب والفلسطينيين. لكن الحياد يفترض عدم مشاركة في حرب وعدم انحياز كهذا. من هنا، تمثل إسرائيل إشكالية تجعل مشروع الحياد مستحيلاً. وأساساً، يوجد إجماع في لبنان، حتى من قبل البطريرك بشارة الراعي، على الإلتزام بسقف المبادرة العربية في بيروت، عام 2002، التي تشترط انسحاب إسرائيل من كامل الأراضي المحتلة مقابل السلام معها.
الجنوب وإيران
في المقابل، لا بد من الإقرار بأنه في حال احترم الجميع مبدأ الحياد، سيتجنب لبنان خطر الاجتياح أو العدوان، ويحافظ بالتالي على وجوده واستقراره وازدهاره ويحمي حياة سكانه وأمنهم الغذائي. لكن الواجبات تفرض على لبنان ألا تكون أرضه ساحةً يستخدمها طرف بوجه آخر. لذلك، إذا أرادت الدولة إقرار الحياد في دستورها وبموجب معاهدة دولية، ستكون مضطرة مثلاً للفصل ما بين الإمكانات العسكرية الموجودة في جنوب لبنان، المخصصة لمقاومة وردع إسرائيل، وما بين السياسة الإيرانية في المنطقة. تحوّل كهذا يستحيل تحقيقه في ظل ما يمثله حزب الله.
استقلالية عسكرية؟
حتى أن الحياد، الذي يفترض أنْ يحافظ لبنان على كامل إمكاناته القتالية الردعية، إنما يشترط أيضاً وخصوصاً الاستقلالية الكاملة في تأمين موارد قوة الدولة العسكرية. أي أنْ تتكل على نفسها لبناء قوتها الردعية، وليس على دول أخرى. هذا يعني أن السلاح يجب أن يكون منتجاً وطنياً، لا إيرانياً ولا أميركياً ولا روسياً. فأين القدرة الصناعية اللبنانية بشكل عام؟ وهذا قبل الحديث عن صناعة عسكرية بشكل خاص؟ هل يمتلك “الدماغ” العسكري في هذا البلد أكثر من خبرة تخزين “نيترات الأمونيوم”؟
مزايا وعوائق
بالنسبة للعلاقات مع الآخرين، يفترض الحياد الدائم أن يُعامِل لبنان، على قدم المساواة، الدول المتخاصمة أو المتحاربة. وهنا، لا بد من القول إنه حتى لَو زالت إسرائيل عن خريطة العالم، وانتهى بالتالي وجود العامل الإسرائيلي الإشكالي، فلا يمكن للبنان أن يتجاهل أن مزايا الحياد تقابلها عوائق محتملة.
سيكون من واجب لبنان أن يعامل دول مثل إيران والسعودية، أو الجزائر والمغرب، أو إيران والإمارات، أو مصر وإثيوبيا (…)، بطريقة متساوية. وهي نماذج ثنائية لدول لديها صراعات وخلافات استراتيجية أو حدودية أو نزاعات تتعلق بتقاسم المياه. من إيجابيات الحياد أنه يتيح للبنان أنْ يتاجر مع الجميع كما يشاء. أكثر من ذلك، يميّز مؤتمر لاهاي 1907، بين الدولة كلاعب يلتزم الحياد ويخضع لموجباته، وبين الأفراد والمؤسسات الخاصة في هذه الدولة. يتعلق الأمر بالتمييز بين فكرة بقاء الدولة كدولة، على حياد، أثناء صراع أو حرب بين دولتين أو أكثر. وفكرة أن مواطني هذه الدولة يحق لهم استمرار التعاون مع مؤسسات وأفراد داخل الدول المتحاربة. لا يشمل الحياد إذاً المدنيين وأنشطتهم. بل فقط الأنشطة الحربية للدولة. لأن عدم مشاركة لبنان في حرب محتملة بين دولتين متصارعتين، يترافق مع عدم تصنيف هاتين الدولتين كعدُوّتَيْن للدولة المحايدة. وهذا يعني أنه حتى في حالة الحرب، تبقى العلاقات الفردية والاقتصادية والتجارية عادية بين اللبنانيين ونظرائهم أو شركائهم في أيّ من الدول المتحاربة. حتى الآن، لا وجود لأي عيوب أو أوضاع غير مناسبة.
لكن المشكلة قد تطرأ، حين تقع حرب بين دولتين أو حين يشتد الصراع بينهما، عندما تضغط دولة مشاركة في الحرب على الدولة المحادية لكي تقطع علاقاتها التجارية والاقتصادية والدبلوماسية مع الدولة الأخرى المشاركة في الحرب. هذا ما حصل مع سويسرا والسويد خلال الحرب العالمية الثانية. فحياد هاتين الدولتين حال دون اجتياح ألمانيا النازية لهما. لكن تسبب لهما بإلتباس وإحراج كبير في علاقاتهما مع “الحلفاء”، تحديداً عندما انخرطت الولايات المتحدة في الحرب ضد الألمان. واشنطن كانت أكثر تشدداً وحزماً من لندن في الضغط على سويسرا والسويد لكي توقفا أي شكل من الالتزام أو التعاطي التجاري مع نظام أدولف هتلر. استخلاص دروس تلك التجارب مفيد للبنان في حال أراد تبني الحياد الدائم، ونجنب أي إلتباس من شأنه أن يعرض مصالحه للخطر.
فماذا لو ضغطت عليه مصر أو المغرب أو الجزائر أو الولايات المتحدة أو إيران أو سوريا لكي يوقف علاقاته التجارية مع دولة تصنفها هذه أو تلك باعتبارها عدوّة لها، ولكن لبنان يصنّفها كدولة صديقة؟ وإلى أي مدى يستطيع لبنان تحمّل ضغط هذه الدولة أو تلك؟ لعل العقوبات الدولية والأميركية خير مثال على استحالة الحياد. حسابات كهذه قد تكون غير ملائمة لتبني خيار الحياد الدائم.
المعيار الأخلاقي وواجب التدخل
معضلات أخرى يمكن أن تقع فيها الدولة المحايدة. فالحياد قد يجنب لبنان ويلات حرب، لكنه قد يجعله يتصرف على نحو منافٍ لمعايير القانون الدولي في بعض الحالات. ويضعه في موقع المتقاعس عن الاستجابة لمتطلبات الأمن الجماعي في العالم. ففي حال تجاوز جيش إحدى الدول المتحاربة قانون الحرب، وارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فهل يجوز أن يبقى لبنان على حياد؟ وماذا لو طلبت منظمة الأمم المتحدة، في قرار صادر عن مجلس الأمن، من دول العالم أن تتدخل عسكرياً، تحت البند السابع، من أجل نجدة الشعوب التي تتعرض لإبادة أو لجرائم ضد الإنسانية، وحمايتها؟ فهل يمتنع لبنان عن مساندة القرار ودعم التدخل الأممي هذا، تحت حجة الحياد؟ ألم يساهم لبنان في صدور القرار 1793، في 17 آذار 2011، عن مجلس الأمن، الذي قرر فرض منطقة حظر جوي في ليبيا، لحماية المدنيين من القصف والقمع الوحشي لنظام معمر القذافي؟
يتعلق الأمر بأحد جوانب إلتباس الحياد إذاً. فهو يعني عدم الانحياز لأي طرف من الأطراف المتصارعة. وبمجرد استجابة لبنان لقرار أممي محتمل، وهي استجابة مبررة في المعايير الأخلاقية والإنسانية، فإن ذلك يعني خروجاً عن الحياد الدائم. فماذا لو واجه لبنان حالة جديدة مشابهة للحالة الليبية؟ هنا، يجب عدم تجاهل أن أي تذرع بالحياد للامتناع عن واجب التدخل، هو بمثابة وصمة عار. منظّرو العلاقات الدولية يشيرون إلى أن تمسك دولة ما بالحياد لتبرير عدم مشاركتها في حرب عادلة، هو تصرف غير أخلاقي. فكيف سيواجه لبنان هذه المعضلة في حال أقرّ نظام الحياد في دستوره وبموجب معاهدة دولية؟
نحو حياد غير تام؟
طبعاً، قد يستحضر البعض حجة مضادة مستوحاة من مقولة الدبلوماسي والقانوني السويسري، إمير دو فاتيل (Emmer de Vattel). وهو يميز، منذ منتصف القرن الثامن عشر، بين “الحياد الصارم” الذي يعني “عدم انحياز كامل”، وبين “الحياد غير التام”، الذي يعني أن بإمكان الدولة المحايدة مساندة طرف تعتبر أن “قضيته عادلة”. فهل هذا ما يقصده البطريرك الراعي من خلال طرحه لمفهوم “الحياد النشط والإيجابي”، أم العكس؟ إذا كان المقصود أن لبنان لا ينحاز لإيران ولا للسعودية، مثلاً، خلال صراعهما، لكنه ينحاز لطرف منهما إذا كان معتدى عليه أو منتهكة سيادته؛ وينحاز إلى حق سوريا بتحرير الجولان؛ ويدعم حق الفلسطينيين بتحرير أرضهم وبناء دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة؛ ففي هذه الحالات، يصبح الحياد غير التام أكثر من ممكن. وقد يكون من السهل توفير إجماع وطني لبناني حياله.
صدقية الحياد في أيام السلْم
ثمة معضلة أخرى محتملة. فالحياد الدائم يتطلب، بحسب المقاربات النظرية، أن يكون معترفاً به دولياً. لهذه الغاية، هو يفترض تصرفات وواجبات محددة من قبل الدولة المحايدة ليس فقط في حالة الحرب بل أيضاً في حالة السلم. هي تحمي حيادها في حالة الحرب إذا أحسنت ممارسته بكل صدقية في أيام السلم، بحسب الباحثة صوفي إينوس ــ أتالاي (Sophie Enos-Attali). أي يجب أن تتصرف، بثبات، على نحو يقنع الآخرين بأنها لن تنحاز أبداً لأي طرف في حال وقوع حرب. كذلك، عليها تقديم صورة إيجابية عن حيادها، عبر إقناع الآخرين بأنه مفيد لمصالحهم أيضاً. كأنْ تقنعهم بأنها لاعب لا يُسْتَغنى عنه في الوساطات لحل النزاعات، ورعاية المصالحات، خدمةً للاستقرار الدولي. فأين تراث لبنان في ممارسة الوساطة وحل النزاعات؟ اللبنانيون يعجزون عن حل خلافاتهم من دون تدخل الخارج، فكيف سيزعمون أن دولتهم تستوفي شرط الحياد هذا؟ أبسط دليل على ابتعادهم عن روحية الوساطة وحل النزاعات يتمثل في عجزهم عن حل خلاف حدودي بين قريتين، مثلاً!
تأثير القيم
بالإضافة إلى كل تلك المعضلات والإلتباسات المحتملة، ثمة عوامل أخرى قد تضع الدولة المحايدة في مأزق. فيمكن للحياد أن يتضعضع عندما تكون منظومة القيم لدى الدولة المحايدة متناغمة مع منظومة قيم إحدى الدول المتحاربة، ومناقضة لتلك السائدة في دولة متحاربة أخرى. ويزداد الحياد هشاشةً إذا كان سكان الدولة المحايدة منقسمين قيمياً وثقافياً، ودينياً. تجارب لبنان في هذا الصدد تظهر أن مجرد الإنحياز إلى تحالفات أو إلى أطراف تخوض حرب، كان عاملاً تفجيرياً في معظم الأحيان. هذا ما تظهره تجربة انضمام لبنان إلى “حلف بغداد”، الموالي لواشنطن، في النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي، خلال الحرب الباردة. ناهيك عن تجربة تساهل لبنان مع أنشطة الفلسطينيين القتالية ضد إسرائيل في الستينيات والسبعينيات. الخياران، بغض النظر عن حيثيات ومسارات كل منهما، كلّفا البلد انقساماً وحروباً أهلية. أما تجربة انخراط طرف لبناني في الحرب السورية، فقد شكلت انتهاكاً لتوافق داخلي حول “النأي بالنفس”. وأثارت توترات معلنة أو كامنة، ومشاكل أمنية محدودة، حتى لو أنها لم تؤد إلى انفجار حرب داخلية.
في المحصلة، إذا كان من شأن نظام الحياد المثبت في الدستور وفي معاهدة دولية، أن يضمن حماية لبنان، إلا أن تبنيه رسمياً، قد يعرض البلد ومصالحه واستقراره لتهديدات مختلفة. وهذا ما يستدعي دراسة الخطوة جيداً، بحذر، بعيداً من الارتجال والانفعال والشعبوية.