عماد مرمل – الجمهورية
تتفاقم الهواجس الداخلية على وقع الحفر المتواصل في قعر الهاوية، وتتسع المخاوف من الآتي الأعظم مع تزايد مؤشرات الوهن، الأمر الذي بات يستوجب التعجيل في إحداث صدمة إيجابية تلجم وتيرة الإنحدار.
مع حلول أيار، تكبر التساؤلات عمّا ينتظر اللبنانيين في نهايته، فهل سيكونون على موعد مع رفع الدعم او ترشيده، كما سبق وان لوّح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ام سيجري تأجيل هذا الاستحقاق حتى إشعار آخر، الى حين إنجاز البديل المتمثل بالبطاقة التمويلية؟
وإذا جرى «التمديد» للدعم الى ما بعد نهاية الشهر، فهل سيتمّ قضم الاحتياط الإلزامي لتأمين التمويل، ومن سيغطي قراراً كهذا يصيب آخر الودائع «الناجية» لدى مصرف لبنان؟ اما إذا توقف الدعم من دون أن يكون البديل عنه جاهزاً فأي تداعيات اجتماعية ستترتب على ذلك ومن يستطيع أن يتحمّل آثارها ومفاعيلها؟
صار واضحاً أنّ المأزق الاقتصادي الاجتماعي آخذ في التفاقم مع تراكم الوقت الضائع والمكلف، حيث لا حكومة ولا خطة لمواجهة الأزمة، ليصبح هامش الخيار في مرحلة انعدام الوزن محصوراً بين السيئ والأسوأ او بين المر والأمّر.
َوضمن هذا الإطار، كشف رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط لـ»الجمهورية»، عن البدء في استخدام ما تبقّى من الاحتياط الالزامي لتمويل الدعم، منبّهاً الى انّ هذا الأمر يشكّل مخالفة كبيرة للقانون، ولافتاً الى انّ رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب يتصرف بنحو يوحي انّه لا يريد إنجاز البطاقة التمويلية.
ويحذّر جنبلاط من انّ مواصلة الدعم العشوائي تعني الاستمرار في خدمة مصالح كبار تجار الدواء والمواد الغذائية والمحروقات وغيرها من السلع، بينما تقتصر حصّة المواطن على الفتات.
ويقول جنبلاط، انّه «اذا وُجدت الإرادة يمكن ترشيد الدعم على الفور لخفض كلفته الى النصف تقريباً، على أن يُخصّص في المقابل مليارا دولار لتمويل البطاقة التمويلية». ويدعو الى «إعادة النظر في السلة المدعومة الفضفاضة التي تضمّ لائحة طويلة من مواد ثانوية او كماليات لا تندرج ضمن الاولويات»، مشدّداً على «أنّ الدعم يجب أن يشمل حصراً السلع الاساسية، بدل ان تتمّ إضاعته في مزاريب الهدر وجيوب المنتفعين».
َويهاجم جنبلاط «المافيات التي تستولي على الدعم في وضح النهار، ومنها على سبيل المثال مافيا الدواء الأقوى من الدولة، منذ ايام الرئيس صائب سلام وحتى الآن، شأنها شأن المافيات الأخرى التي وصلت الى بحيرة القرعون، حيث باعوا اطناناً من السمك النافق للمواطنين، بلا رقيب ولا حسيب».
ويرجح جنبلاط ان لا يتوقف الدعم في نهاية أيار الحالي، كما سبق أن حذّر رياض سلامة، «بل أخشى انّه سيستمر حتى ينفد آخر دولار في البنك المركزي لحساب التجار والمهرّبين العابرين للحدود في اتجاه سوريا والعراق». ويشير الى «انّ القرار بمواصلة الدعم يخضع الى معادلة سياسية تتجاوز طاقة سلامة الذي لوّح بوقفه في آخر الشهر، للضغط على أصحاب القرار، ولكن لا أظن أنّه سيكون قادراً على فعل ذلك وحده».
َوعندما يُسأل جنبلاط عمّا اذا كان يجد انّ هناك فرصة لإنعاش المبادرة الفرنسية مع زيارة وزير الخارجية جان إيف لودريان المرتقبة للبنان، يكتفي بالقول: «لقد بذلت اقصى جهد ممكن لتسهيل الأمور، لكنني اصطدمت للأسف بحسابات كبار القوم».
وكان «الحزب التقدمي الاشتراكي» قد وضع دراسة للمشكلات البنيوية التي تعتري آلية الدعم المطبّقة حالياً، واقترح حلولاً لمعالجتها والتخفيف من كلفتها. وتعتبر هذه الدراسة، انّ الآلية المعتمدة تفيد المقتدر بأضعاف على حساب ذوي الحاجة الفعلية، بحيث انّ ما دون 20 % من الدعم فقط يذهب إلى الفقراء.
وتشير الدراسة، الى انّ الآلية المتبعة ساهمت، وسط انعدام الإطر الرقابية، في تحفيز أعمال تهريب كافة السلع المدعومة، كذلك ادّت في ظل غياب تام للضوابط الى احتكار عدد من المستوردين والتجار المواد المدعومة، ما منع وصولها الى ذوي الحاجة الفعلية.
وتقترح الدراسة إجراءات لخفض الفاتورة الدوائية والنفطية التي يُهدر الجزء الأكبر منها في التهريب والتخزين، وبالتالي ترشيد الدعم على هذا الصعيد. كذلك تدعو الى الوقف الكامل لدعم السلة الغذائية التي لم تختص بالامن الغذائي بمقدار اختصاصها بتأمين المغانم والمحاصصة لبعض المستوردين.
ويعدّد «التقدمي» البنود الاساسية لخطة الترشيد كالآتي:
1- الاستهداف المباشر للعائلات المستحقة من خلال بطاقة تمويلية والاستعاضة بها عن دعم السلع.
2- المبالغ المخصصة للدعم يجب ان تكون بالدولار الأميركي.
3- اذا توافرت الإرادة السياسية يمكن وضع البطاقة التمويلية (او تطبيق مماثل على جهاز الهاتف) حيز التنفيذ خلال مدة اقصاها شهراً.
4- يجب ان تترافق خطة الترشيد الزامياً مع اصلاحات، منها اصلاح قطاع الكهرباء وإقرار قانون عصري للمنافسة يمنع الاحتكار.
ويشدّد «التقدمي» على أنّ تأمين الموارد للبطاقة التمويلية وبالدولار ليس أمراً صعباً، لافتاً الى انّ هناك دولاً لا تُصنّف بأنّها اكثر تطوراً من لبنان مثل توغو، استطاعت ابتكار حل استهدف نحو 500 الف شخص في غضون اسابيع.