كتب عمر البردان في “اللواء”:
بعث الثوار من خلال الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي تعم مختلف المناطق اللبنانية، برسالة شديدة اللهجة إلى السلطة الحاكمة، بأن التصعيد في التحركات أمر لا مفر منه، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال اتساع نطاق هذه التحركات بشكل لافت، على غرار ما شهدته انتفاضة السابع عشر من تشرين الـ2019، وما يمكن أن يحدث في الأيام والأسابيع المقبلة . في ظل تزايد الحديث عن أن الثوار عازمون على التصعيد في حال لم تستجب السلطة لمطالبهم في انتشال البلد من الضائقة الاقتصادية والاجتماعية، بعدما قارب سعر صرف الدولار الأميركي الـ11 ألف ليرة، فيما تستمر أسعار المحروقات بالارتفاع على نحو غير مسبوق. وهذا مؤشر بالغ الخطورة سيدفع الثورة إلى تزخيم تحركاتها من أجل تحقيق أهدافها، والتخفيف عن كاهل الناس الذين اكتووا بنار الغلاء وتردي أوضاعهم الحياتية والمعيشية.
وإذا كان اجتماع القصر الجمهوري قد بادر إلى اتخاذ إجراءات لوقف استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي، وملاحقة الصرّافين المتورطين، إلا أن العبرة تبقى في جدية تنفيذها، بعدما قامت القوى الأمنية، وبعد وقت قليل على صدور مقررات الاجتماع، بمداهمة عدد من محال الصيرفة في عدد من المناطق، وتوقيف بعض الصيارفة المتورطين في عملية ارتفاع الدولار ، بحيث أنه يخشى وفق ما قالته مصادر سياسية معارضة لـ«اللواء»، من أن يصار إلى الإفراج عن الصرّافين الذين تم توقيفهم، وهذا بالتأكيد لن يساهم مطلقاً في الحد من تفاقم أزمة الدولار الذي لم يسجل بعد مقررات اجتماع بعبدا، انخفاضاً ملحوظاً، كما كان يؤمل، وهذا يؤكد أن المعركة مع هذه المنظومة طويلة وصعبة، في ظل وجود تغطية سياسية لشبكات الصيارفة التي تستغل وجع الناس، برفع أسعار الدولار وتحقيق الأرباح على حساب أصحاب الدخل المحدود والفقراء .
وفي الإطار، كشفت المعلومات المتوافرة لـ«اللواء»، أن تعليمات مشددة أعطيت للقوى الأمنية في كل المناطق اللبنانية، للتعامل بحزم مع كل الصرافين الشرعيين وغير الشرعيين المشتبه بهم الذين يقفون وراء المضاربة على الدولار الأميركي، ما تسبب بارتفاع جنوني في سعر صرف العملة الخضراء، على نحو ينذر بمزيد من المضاعفات. إلى جانب التشدد في إغلاق المنصات الداخلية المرتبطة بمنصات خارجية، والتي تعمل على رفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء. بعد توفر معلومات للأجهزة الأمنية بأنه إذا لم يتم وضع حد للارتفاع المقلق في سعر الدولار، فإن الأمور قد تفلت من عقالها، في ظل تحضر الثوار لتوسيع دائرة احتجاجاتهم ضد السلطة الحاكمة، وهو ما دفع قادة الأجهزة العسكرية والأمنية خلال الاجتماع الوزاري إلى التحذير من مغبة خروج الوضع عن السيطرة، في ضوء حالة الاحتقان السائدة لدى الناس التي لم تعد قادرة على تحمل تبعات تفاقم الأزمة المعيشية والحياتية.
وكشفت المعلومات، أن قادة الأجهزة كانوا صريحين في تحذيرهم من تداعيات ما يجري على الأرض، الأمر الذي يفرض على القوى السياسية المبادرة إلى اتخاذ القرار بالحل الذي لن يكون إلا سياسياً، من خلال الإسراع في تشكيل حكومة تتمتع بالمصداقية في الداخل والخارج، والذي هو مطلب لبناني ودولي، باعتبار أن قادة الأجهزة يرفضون زج القوى العسكرية والأمنية في أي مواجهات مع المواطنين على الأرض، وهو ما ظهر من خلال رفض الجيش وقوى الأمن الداخلي من اعتراض المحتجين في ما كانوا يقومون به في اليومين الماضيين، من قطع للطرقات وإحراق الإطارات في الساحات وعلى الأوتوسترادات، ما يستوجب على القيادات السياسية إلى المبادرة إلى القيام بما هو مطلوب منها من خطوات إنقاذية، لإخراج البلد من مأزقه قبل أن ينهار الهيكل على رؤوس الجميع .
وأشارت المعلومات إلى أن تقارير دبلوماسية نقلها عدد من السفراء العرب والأجانب إلى بلادهم، ترسم صورة سوداوية لمستقبل الأوضاع في لبنان إذا استمر هذا الانهيار الذي تتحمل مسؤوليته الأطراف السياسية غير المبالية بوجع الناس. وهذا المأزق لا يمكن تجاوزه، إلا بعودة الثقة للمؤسسات اللبنانية، والعمل على تشكيل حكومة طال انتظارها، بعيدة من المحاصصة ولا تعطي أحداً من مكوناتها حق مصادرة قرارها، في إشارة ضمنية إلى ما يطالب به الرئيس المكلف سعد الحريري في عدم إعطاء الثلث المعطل لأي فريق.