
شكلت غزوة الطيونة المؤلمة آخر الإثباتات والأدلة – المعروفة سابقاً بالتأكيد – على استحالة تعايش المشروعين المتصارعين على أرض لبنان واللذان يشكلان تناقضاً كلياً على نوعية وماهية الهوية اللبنانية.
انفجار الخلاف على الهوية اللبنانية لم تنطلق شرارته في غزوة الطيونة إنما بدأت بمحاولة اغتيال الوزير السابق مروان حمادة وبلغ ذروته باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005.
ونتيجة لذلك وبتفجر ثورة 14 آذار المجيدة انتشرت مقولة هوياتية تقول (وصلنا لمرحلة إيمان المسيحي بعروبة لبنان والمسلم بلبنانية لبنان) لكن توقف الثورة في منتصف الطريق والاكتفاء بالانسحاب العسكري للاحتلال الأسدي وبقائه مقنعا بأشكال ووجوه مختلفة أولها سلاح حزب الله أجهض الوصول لبناء دولة فعلية.
نتيجة للمهادنة مع السلاح خارج الشرعية لحسابات متنوعة وكثيرة سارع القائمون عليه لاستعادة زمام المبادرة وتوجيه ضربة قاصمة للقوى السيادية في 7 أيار ووضع البلد كليا في الجيب الإيراني واعتبار 7 أيار يوماً مجيداً.
نعم 7 أيار يوماً مجيداً في روزنامة مشاريع الموت والخراب والاستلحاق بالخارج وهو ما لم يخفه الحزب أصلا بل فاخر سيده عشرات المرات بالولاء والانتماء وأنه جندي في جيش الولي الفقيه.
من هنا كانت مظاهرة 14 تشرين المسلحة بالسلاح الخفيف والمتوسط والحقد الثقيل محاولة لفرض 7 أيار جديد لكن إصرار الناس البقاء في بيوتها والدفاع عن أرزاقها وكرامتها حدث ما حدث والأمر بيد القضاء الذي نتمناه ألا يكون عضومياً من جديد رغم معرفة كل اللبنانيين بحال المحكمة العسكرية ومن يضع يده عليها.
في قواميس مشاريع الموت اليوم لا عودة للسيطرة على لبنان إلا بإخضاع القوات اللبنانية وحكيمها سمير جعجع وفقا لمقولة “توافقون أو نقتلكم” وتكريسها من جديد. لكن الاحتضان والالتفاف الشعبي الكبيرين من غالبية المناطق والطوائف وخاصة السنية والدرزية يمثلان الطوق اللبناني لدولة تحميه وتقيه شرور المشاريع الخارجية والأحلام بانبعاث امبراطورية فارس من جديد.
اليوم تقف كل القوى السياسية بين خيارين لا ثالث لهما:
– مشروع الموت
– مشروع الحياة
مشروع الموت الذي يمثله حزب إيران بكل صلافته وجلافته وفوقيته وتعاليه وضربه القوانين والحدود والأعراف والتقاليد عرض الحائط.
مشروع الحياة التي تتصدره القوات اللبنانية المنادي بضرورة العودة لقيم ومبادئ ثورة الأرز بكل تفاصيلها لانبعاث مشروع الدولة الذي يعيد الأمل للإنسان بوطنه وإمكانية العيش فيه بدل أن تكون الهجرة أكبر أحلامه.
بين هذين المشروعين لا خيار ولا مهادنة ولا مواربة.
بل إن العودة لمهادنة مشروع الموت بحجج واهية وقراءات لا طائل منها ستشكل لعنة شعب وتاريخ ووطن لكل مرتكب آثم لها.
اليوم فرصة استعادة وهج ثورة 14 آذار وحتمية مشروع الدولة بسلاح واحد لا شريك له وهو سلاح الشرعية فقط.
فلتكن الانتخابات النيابية محطة انطلاق فعلية وجدية لمشروع السيادة وبناء الدولة أما المهادنون الراضخون فلهم لعنة التاريخ ووصمة عاره.