يعاني شخص من أصل 6 منا أو حوالى 16 في المئة من سكان العالم حالياً من إعاقة، منهم حوالى 240 مليون طفل. وعام 2023، كان 101 مليون شخص، أو 27 في المئة من سكان الاتحاد الأوروبي فوق سن الـ16 عاماً، يعانون شكلاً من أشكال الإعاقة.
في الوقت الذي نتحمل فيه جميعاً تبعات استغلال التطور التكنولوجي في الحروب والذي أصبح ركيزة أساسية في ديناميكيات الصراع العالمي. يوم بعد يوم تثبت الابتكارات والتكنولوجيا أنها أيضاً أدوات قوية في جانبها المضيء لدمج الفئات المهمشة في المجتمع. إن كان من خلال تعزيز الوصول إلى المعلومات أو التعليم أو سوق العمل، أو تمكين التعامل مع مختلف أنواع الإعاقة التي قد يتعرض لها الإنسان من خلال أطراف اصطناعية وصولاً إلى منتجات المنزل الذكي و”المتيافيرس” والروبوتات.
في عام 2022، وجدت منظمة الصحة العالمية و”اليونيسيف” أن أكثر من 2.5 مليار شخص يحتاجون إلى منتج مساعد واحد أو أكثر. ومع ذلك، يُحرم منه قرابة مليار شخص، وبخاصة في البلدان المخفوضة والمتوسطة الدخل، حيث قد لا يتجاوز الوصول إليها 3 في المئة من أصل الحاجة إلى هذه المنتجات المصيرية. وهنا دعونا نوقف عجلة الزمن للحظة، ما أهمية التكنولوجيا إذا لم تصل إلّا الى قلّة قليلة؟
تكنولوجيا الخير… أدواتٌ حياتية ومصيرية
مع مطلع الألفية الثالثة، يمكن للأنظمة التي تدعم الذكاء الاصطناعي أن توفر فرصاً جديدة لإدماج الإعاقة مع توسيع إمكانات الأشخاص ذوي الإعاقة للعيش بشكل مستقل. وذلك من خلال تحسين التقنيات المساعدة، يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز القدرة على ممارسة الحركة الشخصية بشكلٍ مستقل. إضافة إلى التكنولوجيا المساعدة التي انشهرت مثل قارئات الشاشات، والأجهزة القابلة للارتداء والوسائل المساعدة على الحركة والسير ولوحات المفاتيح المخصصة، التي لعبت دوراً بارزاً مثل لوحة مفاتيح “Maltron”. وشاشات برايل لإخراج النص من شاشة الكمبيوتر بطريقة برايل، ويستخدمها المكفوفون. كذلك قدّمت التكنولوجيا الكثير من الخيارات لاستخدام الكمبيوتر، مثل استخدامه بالأقدام أو الأفواه أو العضلات وحتى من خلال الأنفاس والتّتبع البصري.
قدرت منظمة الصحة العالمية أنه بحلول عام 2050، من المتوقع أن يعاني قرابة 2.5 مليار شخص من مشاكل في السمع، وأن أكثر من مليار شخص معرضون لخطر فقدان السمع الدائم. والحياة فى عالم تسيطر عليه أجهزة الاتصالات قد يُشعر هؤلاء بالعزلة والانقطاع، لكن التكنولوجيا ساعدت في تفادي ذلك من خلال أحدث أجهزة السمع. إضافة إلى برامج الاتصال بالوجه التي تتيح التحدث من خلال لغة الإشارة أو قراءة الشفاه، وبالتالى تواصل رقمي بديل.
وتؤكد تغريد كساب، موظفة من ذوي الاعاقة في مؤسسة دار الأيتام، إمكان مواصلة عملها بشكل طبيعي وتصفح مواقع التوصل بفضل برامج متخصصة وصفتها بأنها “دليلها في تحركاتها”.
بحسب موقع “InclusiveCityMaker”، فإن 91 في المئة من الأشخاص ذوي الإعاقة يستخدمون الهاتف الذكي أو الجهاز اللوحي، لهذا السبب تُعد التكنولوجيا المساعدة الموجودة في هذه الأجهزة التقنية مصيرية جداً. هناك تطبيقات تساعد مستخدمي الكراسي المتحركة، عبر نظام الملاحة لتجنب العقبات على طول طريقهم، وتطبيقات اخرى تساعد المكفوفين على إدارة حياتهم. نستذكر هنا مثلاً تطبيق “Be My Eyes” الذي يُمكن للمستخدمين من خلاله طلب المساعدة من أجل مطابقة ملابسهم أو معرفة تاريخ انتهاء صلاحية منتج ما.
أمّا الذكاء الاصطناعي، فيجعل التواصل أسهل من خلال المساعدين الرقميين مثل “سيري” من “أبل” أو “Google Assistant” التي يمكنها وصف النصوص وجدولة الاجتماعات وتعيين التذكيرات والبحث عن بريد التكروني محدد وأتمتة العديد من المهمات.
كذلك برزت تقنية الواقع المعزز “AR” كأداة تحويلية للأفراد ذوي الإعاقة، إذ تقدم وسائل للتفاعل لم يكن من الممكن تقديمها من خلال العالم الماديّ. وفي السنوات الأخيرة، جرى الترويج لمصطلح “الميتافيرس” عندما فاجأ مارك زوكربيرغ العالم وأعلن تغيير اسم الشركة إلى “ميتا”، اختصاراً لـ”ميتافيرس”. وبالفعل عام 2023 نشر “NFT news today” أنه بتمويل من مجلس أبحاث الهندسة والعلوم الفيزيائية في المملكة المتحدة، تعاونت جامعتا Brunel وCambridge مع “ميتا”، لاستكشاف كيف يمكن للـ”ميتافيرس” مساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة في حياتهم.
هل سيشمل القطار الجميع؟
بعد عرض كيف ساهمت التكنولوجيا في تسهيل حياتهم، بل كيف شكلت مفتاحاً لتمكينهم، فإن حرمان الأشخاص ذوي الإعاقة الاستفادة من التكنولوجيا يعني حرمانهم فرصة حقيقية لعيش حياتهم.
يقول ح. د.، الأستاذ الكفيف في مؤسسة للإعاقة السمعية والبصرية، إن “التكنولوجيا ساهمت في تسهيل حياتنا وأتاحت لنا استقلالية في ممارسة العمل واستخدام الكمبيوتر والتواصل عبر الهاتف”. لكنه من ناحية أخرى، يضيف أن هناك نقصاً كبيراً في إمكان الوصول إلى العديد من الخدمات والتطبيقات، “فبعضها لايزال من غير الممكن أن يقرأه البرنامج الناطق الخاص بالمكفوفين” إضافة إلى التكلفة العالية “فهناك برامج قد تصل تكلفتها إلى آلاف الدولارت”. وعند سؤاله عن دور الوزارة اللبنانية المعنية بالملف، أكد أن ذلك نص عليه القانون الرقم 220/2000 المتعلق بحقوق ذوي الاعاقة لكنه لم يُفعّل كما يجب بعد.
وفي سياق المعوقات، على صعيد الذكاء الاصطناعي، يمكن لبعض أدواته أن تديم التحيز وتخلق حواجز جديدة. وسيبرز ذلك بشكل واضح إذا أصبحت هذه الأنظمة حاسمة في عمليات مثل التوظيف أو الوصول إلى الخدمات. كما أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تتعرف فقط على أنماط السلوك المبرمجة مسبقاً، مما يعني أن هذه التقنيات لديها قدرة محدودة على التعامل مع التنوع البشري. وإن لم تواجه هذه الفئات التمييز ستواجه بنسبة كبيرة صعوبة في تغطية أكلاف الأجهزة والخدمات والتقنيات.
وعلى رغم وجود اتفاقات لمعالجة التمييز الرقمي القائم فإن الجهود لاتزال محدودة، تؤكد هبة هجرس، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، مشددة على أهمية أن يكون الابتكار متاحاً للجميع، واعتبرت أن “أحد الأمور الملحة هو كيف سيغير الذكاء الاصطناعي عالمنا.”، مضيفةً “تكمن المشكلة في إقناع الأشخاص الذين يقدمون مثل هذه البرامج بجعلها متاحة للجميع”.
أمّا على الصعيد النفسي، فتؤكد الإختصاصية النفسية والناشطة الاجتماعية وردة بو ضاهر، في حديثٍ الى “النهار”، أن “التأثير النفسي لعجز هؤلاء الأشخاص هو نفسه التأثير الذي يتركه عجز أي شخص عن الوصول إلى ما يحتاجه، بسبب اختلاف معين لديه أو بفعل تقصير من المجتمع تسبب بعدم امكان الاستفادة من هذه الأدوات”، وتضيف: “هذا يُشعر الإنسان بالنقص ويؤثر سلباً على الثقة بالنفس والصورة الذاتية والصحة النفسية عموماً”. وأكدت أهمية أن يصل الجميع إلى هذه الأدوات والتقنيات في ظل المساحة والأهمية التي باتت تستحوذ عليها التكنولوجيا في حياتنا.
ووفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لا يدرك العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم ومقدمي خدمات الإعاقة، خصوصاً في البلدان ذات الدخل المخفوض والمتوسط، مجموعة الأدوات المتاحة عبر الإنترنت وسبل استخدامها. وإن ضمان قدرة الأشخاص ذوي الإعاقة على الاستفادة منها بشكل فعال أمر بالغ الأهمية لضمان وصول الفرص إلى الجميع.
تقنيات واعدة… شريحة ماسك وروبوتات بشرية وسيارات آلية القيادة
عند الحديث عن تكنولوجيا ذوي الاعاقة لا يمكن عدم الإشارة إلى شريحة ماسك. فمدى سنوات كان الملياردير الأميركي إيلون ماسك يعمل على شريحة مصمّمة للزرع في دماغ الإنسان، مع شركته “نيورالينك” للتكنولوجيا العصبية. وكان هدفه المعلن يتمثّل بتطوير واجهة بين الدماغ والحاسوب والتي سيتم استخدامها لمساعدة الأشخاص المصابين بالشلل أو بمرض حركيّ على التواصل.
وقد أظهرت “نيورالينك” أول إنسان مصاب بالشلل زُرعت فيه الشريحة يحرك مؤشراً على جهاز كمبيوتر باستخدام الشريحة الدماغية عبر التفكير فقط، ونشرت فيديو حينها وهو يلعب الشطرنج.
وفي سياق التكنولوجيا الحديثة، تُعد الروبوتات والسيارات الآلية من أبرز التطورات التكنولوجية التي من شأنها أن تحدث ثورة في حياة الأشخاص ذوي الإعاقة، بحيث تساهم في منحهم مزيداً من الاستقلالية والقدرة على المشاركة في الحياة اليومية بشكل أكبر. فالروبوتات يمكن أن تساعد الأشخاص ذوي الإعاقة على أداء المهمات اليومية مثل الطهو، التنظيف، وحتى ارتداء الملابس.
وفي مجال الرعاية الصحية، يمكن للروبوتات المساعدة في تقديم الرعاية الصحية مثل التذكير بتناول الأدوية أو مراقبة الحالة الصحية. أمّا السيارات الآلية القيادة فستتيح القدرة على التنقل بحرية من دون الحاجة إلى سائق، والوصول إلى الخدمات والأماكن بسهولة وراحة.
في السياق، لفتت بو ضاهر إلى أن التكنولوجيا ساهمت في إزالة الكثير من العقبات من طريق ذوي الإعاقة، وبالتالي عدم شعورهم بالعجز. ولكن عندما تتخلف التكنولوجيا عنهم هنا سيشعرون بالعجز. ومع التطور السريع للعالم التكنولوجي اليوم ألم يحن الوقت لتوقيف العجلة برهةً ليطاول الخير الجميع؟