ملاك عقيل – أساس ميديا
رَمى المحقّق العدلي في جريمة المرفأ القاضي طارق البيطار كرة الحصانات في ملعب الرئيس نبيه برّي، قبل أن تكون في ملعب مجلس النوّاب نفسه، صاحب الاختصاص في إعطاء الإذن بالملاحقة عبر رفع الحصانة عن النواب نهاد المشنوق وعلي حسن خليل وغازي زعيتر.
يتماهى موقف برّي بالكامل مع ما سبق أن أعلنه الأمين العامّ لحزب الله السيّد حسن نصرالله عن خشيته من “توظيفٍ سياسي” عزّزته “قائمة” المدّعى عليهم، وأسلوب تسريب خبر طلب الملاحقة بحقّ نواب ووزراء سابقين وقادة أمنيّين وعسكريّين وقضاة تلقّوا خبر الادّعاء عليهم عبر الإعلام قبل وصول الإحالات إلى مكتب النائب العام التمييزي الناظر في جريمة المرفأ القاضي غسان الخوري.
معلومات “أساس”: وزير الداخلية محمد فهمي لن يعطي الإذن بملاحقة المدير العام للأمن العامّ اللواء عباس إبراهيم
والقاضي الخوري مكلّفٌ بالملفّ من قبل مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات بعد تنحّي الأخير، بداعي القربى مع النائب غازي زعيتر، ويمارس مهامّه، كما يقول، سنداً إلى قرار توزيع الأعمال في النيابة العامة التمييزية.
ولذلك يَكتسب تموضع برّي السياسي أهمّيةً في مسار رفع الحصانة عن نائبين بارزين من كتلته، إضافة إلى النائب المشنوق.
وتلقائيّاً أخذت القضية بعداً يَرتبط بمجلس النواب كمؤسّسة لناحية تسجيل سابقة في هذا السياق، فيما “مضبطة الاتّهام” التي يوجّهها البيطار إلى النوّاب الثلاثة، كلّ منهم وفق مسؤولياته الوزارية السابقة، تنقصها الأدلّة الدامغة للإدانة في جريمة ترتقي إلى مستوى جريمة العصر وقضيّة رأي عام. لذلك فإنّ استسهال رمي الاتّهامات بشأنها هو بحدّ ذاته فعل “إدانة”.
وقد نُقِل عن رئيس مجلس النواب قوله: “بادرت إلى الدعوة سريعاً للجلسة (غداً) لأخذ القرار، وقد لا يحتاج الأمر إلى مدّة الأسبوعين. ولكنّ الأهمّ أنّني سألتزم بما يقوله نصّ القانون”.
وفيما بات برّي يملك، وفق المعطيات، صورة عامة للمطالعة القانونية “الدفاعية” التي ستوقف “اندفاعة” القاضي البيطار عند عتبة مجلس النواب، فإنّ رئيس المجلس شخصيّاً سجّل أكثر من مأخذ على المحقّق العدلي، الأمر الذي يطرح علامات استفهام كبرى عن الاستراتيجية التي وضعها للسير بالقضية.
يُذكَر أنّ النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر هما عضوان في لجنة الإدارة والعدل التي ستشارك في الاجتماع غداً مع هيئة مكتب المجلس.
لكن أبعد من المنحى القانوني لطلب الملاحقة والاستماع إلى النواب الثلاثة كمدّعى عليهم، تؤكّد مصادر مطّلعة لـ”أساس” أنّ “برّي والسيّد حسن نصرالله ينظران إلى الملفّ من زاوية تقارب التسليم بوجود استهداف سياسي. وقد بدأت أجواء من داخل بيئة حزب الله تتحدّث عن تصويب مباشر لن تسكت عنه إذا تبيّن وجود انحراف في تحميل المسؤوليات”.
يجزم مطّلعون أنّ “رزمة الادّعاءات، التي طُبِعت باستنسابية غير مفهومة، ستشكّل أحد أهم عناصر التريّث والدرس المعمّق، ثمّ لاحقاً رفض منح الأذونات المطلوبة
وعلى ما يبدو لم يَبلَع بعد برّي وحزب الله وقادة أمنيّون التسريب الذي رافق مسار الإحالات إلى النيابة العامة التمييزية، ولا تعمُّد المحقّق العدلي لقاء أهالي ضحايا الانفجار في اليوم نفسه. وقد سجّل متابعون نقطة سلبية في رصيد البيطار لناحية ما أدلى به بعض أهالي الضحايا، وقارب التهديد “بعدم دعم مسار البيطار في التحقيقات إذا لم يكبّر حجر الادّعاءات والتوقيفات”.
ولفت في هذا السياق ما نُقِل عن القاضي البيطار من أنّ “الادّعاءات لم تنتهِ هنا. وسأطلب الأذونات بملاحقة آخرين من الصفّ الأول أيضاً. ولن أسمح لأحد بالوقوف بوجهي”.
بالنظر إلى التلوينة السياسية لهيئة مكتب المجلس وأعضاء لجنة الإدارة والعدل، يُنتظَر أن يكون نقاشٌ في مضمون الإحالات المتعلّقة بملاحقة النواب خليل وزعيتر والمشنوق. إذ ستُفنَّد الكتب التي أُرسِلت إلى مجلس النواب، وستطرح على طاولة اللجنة المشتركة غداً مسؤولية كلّ من الوزراء الثلاثة إبّان تولّيهم مهامّهم الوظيفية آنذاك، التي على أساسها طلب البيطار الإذن بالملاحقة.
والنقاش الأهمّ سيكون حول الصلاحيات في ملاحقة واتهام وزير، بين القضاء العدلي من جهة، ومجلس النواب لجهة إصدار قرار الاتّهام بثلثي عدد أعضائه، والمحاكمة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء من جهة أخرى.
يُذكر أنّ أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء من النواب، الذين اُنتُخِبوا في الهيئة العامة في 20 تشرين الأول 2020، هم: جورج عقيص، علي عمّار، فيصل الصايغ، علي درويش، سمير الجسر، أغوب بقرادونيان، وجورج عطالله.
ويتألّف المجلس من ثلاثة نواب أعضاء من الاحتياط، وهم رولا الطبش، علي عسيران، وسليم عون، ومن ثمانية قضاة أصيلين، وثلاثة قضاة احتياط، والنائب العامّ لدى المجلس الأعلى، وهو القاضي غسان عويدات (المتنحّي اليوم عن قضية جريمة المرفأ)، إضافة إلى مساعدَيْن للنائب العام.
وبالتأكيد، سيعكس “النَفَس” السياسي لاجتماعات اللجنة المشتركة مسار التصويت في الهيئة العامة لمجلس النواب تجاه أيّ قرار تتّخذه اللجنة.
في مطلق الأحوال، لهذا الملف وجه قانونيّ محض وآخر سياسي سيلعب دوراً أساسياً في رسم مسار القضية بعدما سلّم القاضي البيطار بأنّه صاحب الاختصاص في ملاحقة الوزراء والقادة العسكريين والأمنيين، وعلى هذا الأساس طلب الأذونات بالملاحقة. وهي نقطة خلافية كبيرة لم تُحسم بعد.
وفيما تفيد معلومات “أساس” أنّ وزير الداخلية محمد فهمي لن يعطي الإذن بملاحقة المدير العام للأمن العامّ اللواء عباس إبراهيم، فإنّ لهذه الخطوة تداعيات ستنسحب على أنّ رئيس الجمهورية لم يمنح الإذن بملاحقة المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا.
وفي هذا السياق، يجزم مطّلعون أنّ “رزمة الادّعاءات، التي طُبِعت باستنسابية غير مفهومة، ستشكّل أحد أهم عناصر التريّث والدرس المعمّق، ثمّ لاحقاً رفض منح الأذونات المطلوبة”.