أسعد بشارة – نداء الوطن
أرسل الرئيس نبيه بري أولى إشارات المناورة، التي تعني رفض الملاقاة الإيجابية لمبادرة كتلة «الاعتدال». عندما يقول رئيس المجلس إنّه مستعدّ لفتح جلسة بدورات متعدّدة، متى تأمّن نصاب الـ86 نائباً، فهذا يعني تزييفاً للحقيقة وتحويراً لها، لا بل هو انقلاب على الدستور وعلى الصلاحيات والمسؤوليات التي من المفترض برئيس المجلس النيابي أن يتحلّى بها.
ليست مسؤولية رئيس المجلس، أن يضع العصي في دواليب النصاب النيابي، وليس تفصيلاً أن يشترط رئيس البرلمان توفّر ثلثي أعضاء المجلس كي يفتح الجلسة، بل واجبه أن يحدّد جلسات مفتوحة دائمة حتى انتخاب الرئيس، وإلا يكون كما هو الآن، جزءاً من التعطيل، لا بل أحد أسباب التعطيل.
يصوّر برّي كتلته النيابية، على أنّها تعمل بمعزل عنه وتتّخذ القرارات بمعزل عنه، فيما عدم توفّر نصاب الـ86 ناتج عن خروج كتلة «التنمية والتحرير» وغيرها من الكتل الحليفة لـ»حزب الله» من قاعة المجلس النيابي، وبالتالي لا يجوز لرئيس المجلس أن يطلب توفّر النصاب الذي تعطّله كتلته، كلّ ذلك كي يتمّ فرض المرشح الواحد الحليف للثنائي.
ينفّذ برّي مناورة مفادها رمي كرة التعطيل والمسؤولية عنه في ملعب المعارضة، لكنّ السّحر هذه المرّة سينقلب على الساحر، فالمعارضة بمعظمها أيّدت مبادرة كتلة «الاعتدال»، التي تدعو إلى التشاور، ثمّ الطلب من رئيس مجلس النوّاب تحديد جلسة بدورات مفتوحة، في وقت تفرّغ الرئيس برّي لتجويف المبادرة، علماً أنه بدأ يرسل إشارات أوّلية على احتمال تخلّيه عن ترشيح رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية.
يريد برّي تفادي الاصطدام باللجنة الخماسية، لذا حرص على إعطاء سفرائها من طرف اللسان حلاوة، أمّا في الاختبار الجدّي فالواضح أنّه لن يسير هو و»حزب الله»، بخيار الرئيس الثالث أو التوافقي، على الأقلّ لن يجلس على طاولة التشاور الجدّي، أقلّه في الوقت القريب.
سيشكّل تجويف مبادرة كتلة «الاعتدال» إن حصل، الجواب الأوضح عمّن يعطّل انتخابات الرئاسة، وستكون له تداعيات، لدى مجموعة الدول الخمس، التي بات سفراء دولها يتحدّثون من دون تحفّظ، عن مرحلة عقوبات آتية، على كلّ من يعطّل الانتخابات الرئاسية في لبنان، وهذا كلام سُمع في بيروت من أكثر من سفير يمثّل هذه الدول.
تضيق المهلة المعطاة لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، فالمطلوب دوليّاً وعربيّاً انتخاب رئيس بمعزل عمّا يحصل في الجنوب، وربما مواكبة لليوم التالي في لبنان، إذا ما دقّت ساعة المفاوضات حول تنفيذ القرار 1701 والترتيبات الملازمة له، فهذه المفاوضات تتطلّب عودة الإنتظام إلى المؤسّسات وفي طليعتها رئاسة الجمهورية.