يدخل لبنان في فصول متوالية من معارك متضاربة الاتجاهات. إنه بيت ينهار على وقع مشكلات ومعضلات متناسلة، قد تصل به إلى انفجارات متتالية لن يتمكن أحد من إيقافها.
المصير الأسود
شطر أساسي من الاهتمام العربي والدولي بلبنان بدأ يخفت ويتلاشى. الدول شروطها معروفه: إما الالتزام بها، أو ترك لبنان لمصيره الذي يبدو أسود. أما المعارك السياسية المشهودة على الساحة اللبنانية، فخلفياتها كثيرة، بعضها إقليمي وبعضها داخلي. وفي مقدمتها معركة الانتخابات الرئاسية التي أصبحت مفتوحة. والمعارك كلها تضاعف الانهيار، فيما تبرز نزعة ودعوات إلى التقسيم والانغلاق، أو إلى اعتماد سياسة الكانتونات.
بعض خلفيات المعارك رئاسية، وبعضها الآخر يرتبط بآلية التفاوض بين القوى السياسية المتصارعة على التسوية وشكلها في المرحلة المقبلة.
يعلم اللبنانيون أن لا أفق لتسوية إقليمية أو دولية، مهما تقاربت المواقف الديلوماسية المعلنة. لكن البلد قابل للانفجار بشرارة داخلية، أو نتيجة خطأ يؤدي إلى صدام خارجي. وإذا لم يكن الصراع أو الانفجار عسكريًا أو حدوديًا يتعلق بترسيم الحدود، فقد يحدث بفعل خلفيات طائفية ومذهبية داخلية، مسمياتها كثيرة، معيشية، أو مالية، أو اجتماعية، أو قضائية.
صراع قضائي
يعيش لبنان انقسامين واضحين في توجهات قواه: اتجاه حزب الله وحلفائه لتمتين علاقاتهم وتوحيد جهودهم وموقفهم، سياسيًا ورئاسيًا وقضائيًا وترسيم حدود. واتجاه آخر للقوى المناهضة لحزب الله وحلفائه.
الصراع القضائي يشكّل خلفية أساسية في هذه المعارك القابلة للاتساع. وهناك معلومات تفيد عن تحضيرات لإحياء الذكرى السنوية الثانية لتفجير مرفأ بيروت، وقد تشكل الذكرى عنوانًا جديدًا لانفجار الشارع.
استباقًا لذلك، ثمة من يحضّر ملفاته المضادة، ولا سيما ما يجري على صعيد القضاء، سواء تجاه حاكم مصرف لبنان أو تجاه رئيس دائرة المناقصات. وبينهما ملفات واستحقاقات، ليس آخرها توقيف المطران موسى الحاج في معبر الناقورة، بعد عودته من زيارة رعوية للأراضي المقدسة. وقد فسّرها البعض بأنها محاولة للضغط على البطريرك الماروني بشارة الراعي بسبب مواقفه الأخيرة.
إنها صراعات تعزز الخطاب الطائفي وتكرسه. هذا فيما يتهم معارضون لحزب الله بأنه يحمي متورطين في أحداث كثيرة، ولدى الحزب مضبطة اتهاماته أيضًا.
تدمير ممنهج
كل ما يجري هدفه إشعار الجميع بأن لا مكان للتفاؤل، ولا مجال للبحث عن حلّ. السياق يدلّ على تدمير ممنهج، سواء عبر القضاء أو عبر الأمن، أو عبر استخدام الشارع.
يعكس هذا فقدانًا للحيلة أو لمساعي الحلّ. هنا تصبح وسيلة الترهيب هي الأنجع لمن يعيشون في أزمة سياسية تضيّق الخناق عليهم، ولا يريدون غير تضييق الخناق على الجميع. يريد هؤلاء صناعة هيبة قد تكون مفتقدة، فيسعون إلى جر الناس إلى المعارك.
نتيجة هذا كله خلق أجواء متشنجة في الشارع، وقد تكون قابلة للتفجير، مع دنو لحظة البحث عن تسوية رئاسية أو الدخول في فراغ رئاسي.