أحمد الأيوبي – أساس ميديا
أخطر ما يميّز الظاهرة العونيّة هو إسقاطُ تقديس الذات عند صاحبها، على جمهوره. وهذا ما عبّر عنه أنصار الجنرال ميشال عون في محطّات كثيرة جعلوه فيها شريكاً إلهيّاً في ذروة الصّخب الاستقطابي، وقدّيساً في زمن معجزات “العهد الجهنّمي”.
أمّا أخطر ما يميّز عمليّة التوريث الطويلة بين المؤسِّس والصهر، فهو انتقال ظاهرة تقديس الذات إلى جبران باسيل، الذي يريد أن يصنع لنفسه “مجداً” يجعل الناس “تنسى” تاريخ فؤاد شهاب وكميل شمعون وبشير الجميّل حتى ميشال عون، وأن لا يتحدّث أحد إلاّ عن جبران باسيل، ليرتفع منسوب المخاطر مع توغّل باسيل في اعتماد منطق القوّة وامتشاق السلاح.
ترتفع لدى باسيل القناعة بمنطق القوّة المسلّحة، ولهذه الغاية أعاد تنظيم ما يسمّى “الحرس القديم”، مضيفاً إليه منضمّين جدداً من العسكريين المتقاعدين ومن الشبّان المستقطَبين على أساس العصب المشدود طائفياً
أعلن جبران نفسه قدّيساً عندما أعطى أتباعه الأوامر بالردّ المباشر على أيّ انتقاد يصدر من أحد تجاه شخصه، وهو ما كشفه بعد قيام عناصر من حرسه المسلّحين بالاعتداء على ياسمين المصري، لأنّها وجّهت إليه عبارات انتقاد ختمتها بـ”تفه عليك”، فأصدر باسيل بعد الحادثة قراراً أعلنه مكتبه الإعلامي “يطلب (فيه) من جميع المناصرين والمسؤولين والمنتسبين إلى التيار الوطني الحر عدم السكوت إطلاقاً، والردّ بما يناسب على أيّ اعتداء كلامي أو معنوي أو جسدي يتعرّض له أيّ شخص منهم على يد بعض الناس الذين لا يقيمون للكرامة وزناً. انتهى زمن الشتيمة من دون جواب”.
قام باسيل بحملة تعبئة مكثّفة في صفوف أتباعه، وخاصّة ما يسمّى “الحرس القديم” وحرسه الخاصّ، الذين تذكر مصادر متقاطعة أنّ أعدادهم كبيرة، أغلبيّتهم من العسكريين المتقاعدين، ومعظمهم مسيحيون، لكنّ بينهم أعداداً من أبناء طرابلس وآخرين من بلدة ببنين وجوارها.
أمر باسيل بإنشاء مجموعات على تطبيق واتساب، تتضمّن منتسبي التيار في المناطق، وأقام تواصلاً مركزياً فيما بينها، على أن تتدخّل المجموعة الأقرب في حال حصول أيّ إشكال أو صدام بين عناصر التيار وأيّ مجموعة أخرى.
تخضع مجموعات باسيل المستحدثة لتدريباتٍ رياضية قتالية مكثّفة، وأصبحت مجهّزة بالعصيّ والسلاح على حدّ المحامي جوزف أبو فاضل، وهي مستعدّة للتدخّل ولاستهداف الناشطين الذين يعارضون باسيل أو يتعرّضون له، سواء في الشارع أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبشكل خاص جمهور القوّات، وهو ما حدا بأبو فاضل إلى التنبيه من قيام مجموعات التيار الوطني الحر بالتسلّح. وأبدى أبو فاضل خشيته من الاقتتال بين المسيحيين، ومعرباً عن اعتقاده بأنّ الجيش سيتصرّف بشكل قاسٍ مع أيّ مسلّح في الشارع.
ومن مهمّات هذه المجموعات رصدُ معارضي باسيل من الناشطين وضربهم وإهانتهم علناً، في جميع المناطق التي ينتشرون فيها، سواء كانوا نساءاً أو كهولاً أو شباباً. فالجميع مستهدفون لفرض “هيبة” جبران. وفي هذا الإطار يمكن أن نلاحظ أنّ الناشط عبد العزيز الطرطوسيّ في طرابلس تعرّض لإطلاق النار وللإصابة مباشرة بعد توجيهه انتقادات حادّة لباسيل وتيّار البرتقال.
ترتفع لدى باسيل القناعة بمنطق القوّة المسلّحة، ولهذه الغاية أعاد تنظيم ما يسمّى “الحرس القديم”، مضيفاً إليه منضمّين جدداً من العسكريين المتقاعدين ومن الشبّان المستقطَبين على أساس العصب المشدود طائفياً، أو الآتين إلى بؤر المنافع، فيما تتوسّع دائرة التعاون الميداني بين باسيل والحزب السوري القومي الاجتماعي، بشكل يثير الكثير من الأسئلة عن أهداف هذا التقارب.
الخطاب الجامح دفع بالكوميدي هشام حدّاد إلى وصف التيار بأنّه “داعش” المسيحيّ مع كرافات، وبأنّ شبابه أصبحوا زعران الشارع المسيحي، تماماً كما سبق أن اتّهموا القوّات اللبنانية
ظهر الحرس القديم في الآونة الأخيرة قوّةً ميدانيّةً تتولّى “الدفاع” عن رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وتقوم ببعض التحرّكات ضدّ معارضيه، كما حصل عندما اعتدى عدد منهم على منزل الفنّان أسعد رشدان في بلدة عمشيت، بعد قيام الأخير بتوجيه انتقادات إلى رئيس الجمهورية، وأخطر “ظهوراتهم” مساندة القاضية غادة عون في غاراتها غير القانونية على عدد من الشركات الخاصّة التي تقف في حلق باسيل سياسياً، مثل شركة مكتّف.
غنيٌّ عن القول، بعد هذا الإعلان، أنّ باسيل ألغى اللّجوء إلى القانون بعد أن ملّ من أسلوب التوقيف والاستدعاء أمام الأجهزة الأمنيّة لمئات الناشطين الذين يكيلون له الانتقادات، ودخل مرحلة الردّ باليد وكفّ يد القانون، كما سبق أن عاقب بيار الحشّاش، وكما “أدّب” حرسه ياسمين المصري التي تفّت عليه في البترون.
عكس الباسيليّون استنفار “قدّيسهم” في الإعلام، فوضع الوزير السابق غسان عطالله معادلة واضحة على الشاشة البرتقالية: “طفح الكيل. النظرة الغلط إلينا تكلّف (صاحبها) اقتلاع إحدى عينيه، فيما تبقى عينه الثانية لتذكّره بالندم على الأولى.. لا يتصرّف أحد معنا بطريقة تجعلنا ندفِّعه ثمناً باهظاً. من يفكّر أن يغلط ويمدّ يده عليكم (يا أنصار التيار الوطني الحر)، إكسروا يده، لأنّ الظاهر أنّ السِلميّة والمحبّة الزائدة، ستُركِّب الآخرين على أكتافنا.. لا. فشر على رقابكم”.
هذا الخطاب الجامح دفع بالكوميدي هشام حدّاد إلى وصف التيار بأنّه “داعش” المسيحيّ مع كرافات، وبأنّ شبابه أصبحوا زعران الشارع المسيحي، تماماً كما سبق أن اتّهموا القوّات اللبنانية.
شملت حملة التعبئة الإعلاميّين “الباسيليّين” الذين ارتفع مستوى فجورهم إلى حدود شتم الجميع، ورفض “المسّ” بجبران. وهذا ما تجلّى في الحالة الهستيرية التي دخلت فيها سكارليت حداد خلال برنامج “وهلّق شو” مع الزميل جورج صليبي، عندما وصف منسّق الإعلام في تيار المستقبل عبد السلام موسى باسيل بأنّه “فرخ الفتنة”، فجُنّ جنون سكارليت وغادرت الاستديو بشكل جنونيّ رفضاً لإهانة باسيل الذي “يمثّل شريحة من اللبنانيين، ويمثّلها شخصيّاً”.
لا يزال “التيّاريّون” مقتنعين بأنّ أغلبية اللبنانيين تحبّ الجنرال وتعشق جبران، وأنّ معارضيه هم أقلّية منبوذة لا تمثّل شيئاً، على الرغم من بلوغ كراهيّتهم أقصى آفاق الأرض، حتّى إنّ مجلّة “ذا تايم” صنّفت باسيل “أبغض الرجال إلى الناس في لبنان”.. فهل ينغمس باسيل في لعبة “القوّة والسلاح”، محاولاً تكرار مغامرات عمّه في الطريق إلى نسف اتّفاق الطائف ودستوره، و”استعادة حقوق المسيحيين”؟