
ملاك عقيل – اساس ميديا
تُشكّل الانتخابات البلديّة بروفا فعليّة لـ”مطحنة” الانتخابات النيابيّة التي ستجري العام المقبل، على الرغم من “الكليشيه” العائليّ للبلديات. مقابل قوى “تستقتل” لتوسيع دائرة ممثّليها في البرلمان، كـ”القوّات اللبنانية”، وقوى أخرى ستخوض معركة مصير على مقاعدها كحركة “أمل” و”الحزب”، سيكون “التيّار الوطني الحرّ” تحت المجهر بقوّة، لجهة ما يمكن أن يستعيده من رصيد فقده منذ انتخابات 2022. وكبرى معاركه بالتأكيد ستكون في بيروت والبترون وكسروان وجزّين. من يعرف جبران باسيل عن قرب يعلم بأنّه يتحضّر ليخوض مرحلة متقدّمة في مساره السياسي: مرجعية مسيحيّة من دون لوحة زرقاء.
تفيد معلومات “أساس” بأنّ النائب جبران باسيل قد اتّخذ قراراً شبه نهائيّ بعدم خوض الانتخابات النيابية عام 2026، لكنّه سيؤجّل الإعلان إلى اللحظة السياسية المناسبة قبل بدء ورشة التحالفات جدّيّاً. يجزم العارفون أنّ رئيس “التيّار الوطني” كان أقرب إلى اتّخاذ هذا القرار في انتخابات 2022، لكنّه عَدَل عنه في الوقت الذي كان فيه عهد ميشال عون في أمتاره الأخيرة، وما زال جزء من السلطة السياسية والأمنيّة في خدمة العهد، ولأنّ ضرورات المعركة اقتضت ذلك.
ضمن سياق مواقفه الأخيرة قال باسيل إنّه في كلّ استحقاق نيابي “تكون حرب كونية ضدّنا. لكن هذه المرّة رح تكون حرب نووية، وفينا ننتصر فيها إذا كنّا “بولاد” ما بيتأذّى بالنوويّ”. قد لا يُبالغ باسيل إذا وصفها بالحرب النووية، وقد يخوضها للمرّة الأولى من دون حلفاء واضحين.
تحييد للرّئيس
بعدما خاض، قبل سنوات، حرباً شرسة ضدّ جوزف عون، نصّب باسيل نفسه رئيس كتلة نيابية داعمة للعهد من لحظة انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية. لا فريق العهد “قبضها جدّ”، ولا باسيل على استعداد ليجيّر وزنه السياسي، أيّاً كان حجمه ليكون في خدمة تلميع صورة العهد.
ضمن سياق مواقفه الأخيرة قال باسيل إنّه في كلّ استحقاق نيابي “تكون حرب كونية ضدّنا.
لكن اليوم، في كلّ مداولاته الداخلية، حتّى تلك التي تجمعه بالدائرة الصغيرة، يتحدّث باسيل بكلّ حياديّة عن الرئيس عون، ويُحاذر انتقاده، حتّى إنّه أبدى أخيراً إعجابه بالمعركة التي خاضها رئيس الجمهورية بوجه رئيس الحكومة في ما يتعلّق بحاكميّة مصرف لبنان.
يُدرك باسيل، بالأرقام والوقائع، أنّه فقد الكثير من أدوات السلطة، حين أصبح خارجها. يبدأ الأمر بالفريق النيابي الذي انسلخ عنه، وبصفر وزراء داخل الحكومة، وصولاً إلى صفر “حضور” في التعيينات الأمنيّة والتعيينات الإداريّة وتعيينات الهيئات الناظمة والتشكيلات القضائية والدبلوماسية (الآتية)… وبخلاف الانتخابات البلديّة الماضية أعلن باسيل أنّ “التيار الوطني الحرّ” لن يخوض الانتخابات البلديّة الحالية، بل يمكن أن يدعم مرشّحين تاركاً للعائلات سلطة القرار.
نقولا أم ناجي؟
مع ذلك، ستؤثّر نوعيّة التحالفات البلدية في المناطق على شبكة تحالفات “التيّار” في نيابة 2026.
في دائرة بيروت الأولى التي تضمّ ثمانية مقاعد، تحالف التيار الوطني الحرّ مع “الطاشناق” بوجه الخصوم الذين توزّعوا على خمس لوائح. حلّ يومها تحالف “القوّات” وجهاد بقرادوني وحزب “الهانشاك” أوّلَ بـ13,220 صوتاً، ثمّ تحالف أنطون الصحناوي والكتائب (نديم الجميّل) ثانياً بـ11,271 صوتاً، ثمّ تحالف “التيّار” و”الطاشناق” ثالثاً بـ 10,950 صوتاً.
باسيل
يومذاك تراجع التمثيل النيابي للتيّار والطاشناق من أربعة مقاعد عام 2018 إلى مقعدَيْن. اليوم يدور حديث جدّي عن احتمال ترشيح “التيّار” للقياديّ ابن جبيل ناجي حايك (من مواليد الأشرفية) ليكون حصان “التيّار” الأساس في معركة بيروت، حيث يُرصد له نشاط دائم في الدائرة الأولى. هذا الواقع قد يضع “التيّار” بمواجهة مباشرة مع نديم الجميّل الذي نال يومئذٍ نحو 4,425 صوتاً تفضيليّاً، مقابل 4,781 صوتاً تفضيليّاً لنقولا الصحناوي (المقعد الكاثوليكي). ثمّة من يقول إنّ معركة كهذه تعوّم “التيّار” مسيحيّاً، نظراً لرمزيّتها ولأنّ الخطاب المسيحي لحايك يتماهى بالكامل مع القماشة السياسية لبيروت الأولى. وقد يخوض المرشّحان، حايك والصحناوي، المعركة معاً على اللائحة، وهو ما يُشتّت حتماً الأصوات، أو يتمّ اختيار أحدهما.
يُدرك باسيل، بالأرقام والوقائع، أنّه فقد الكثير من أدوات السلطة، حين أصبح خارجها
مقعد باسيل
في دائرة الشمال الثالثة، من ضمنها البترون، لن يخوض باسيل المعركة الانتخابية، بل سيرشّح أحد محازبي “التيّار” عن القضاء، الأرجح أن يكون طوني نصر. وهكذا سيوفّر باسيل على خصومه، هذه المرّة، معركة إسقاطه شخصيّاً. في المعركة الماضية، فازت “القوّات” بثلاثة مقاعد من عشرة، ولائحة “المردة” من وليم طوق وسليم سعادة بمقعدين، ولائحة ميشال معوّض بمقعدين، ولائحة “التيّار” بمقعدين (باسيل وجورج عطالله في الكورة)، ولائحة “شمالنا” بمقعد. هذه المرّة، يتمّ الحديث عن تحالف محتمل بين “التيّار” و”المردة” من ضمن احتمالات أخرى قيد الدرس. لكنّ المؤكّد أنّ المعركة المقبلة، مع باسيل أو من دونه، ستطبع المسار السياسي للتيّار في دائرة حقّقت فيها “القوّات” المرتبة الأولى بفائض أصوات بلغ 39,844، فيما حصدت لائحة باسيل 15,650 صوتاً.
معركة كسروان
في كسروان ستُخاض كبرى المعارك. بلديّة جونية، كبرى بلديّات القضاء وأهمّها، قدّمت دفعة سياسية على الحساب عبر التحالف البلديّ الباكر المُعلن بين “القوّات” ومنصور البون ونعمة إفرام، من ضمن مسار يُخطّط له البون لترشيح نجله فؤاد على لائحة “القوّات” في الانتخابات النيابية المقبلة، و”تزكية” إفرام لشقيقه لرئاسة البلدية.
في دائرة الشمال الثالثة، من ضمنها البترون، لن يخوض باسيل المعركة الانتخابية، بل سيرشّح أحد محازبي “التيّار” عن القضاء
منذ الآن بدأ الحديث عن تحالف نيابي محتمل بين “التيّار” وجوان حبيش وفريد الخازن، سيختبر أولى محطّاته في انتخابات جونية البلديّة. هنا أيضاً سيختبر “التيّار” تجربة الانفصال، كما في عام 2018، أو التحالف، كما في عام 2022، مع “الحزب” الذي بدوره سيخوض كبرى المعارك للاحتفاظ بمقعد جبيل الشيعيّ.
“فوبيا” جزّين
في دائرة جزّين – صيدا، حيث مُني باسيل عام 2022 بضربة قاضية خسّرته مقاعد القضاء المسيحية الثلاثة، لن تكون المواجهة سهلة بعدما سجّلت لائحة قوى التغيير فوزاً ثلاثيّاً نظيفاً، وحصدت “القوّات” مقعدين، وبقي “التيّار” يعاني حتّى الآن من خلافات بين رموزه الجزّينيّين، وخسر الثنائي الشيعي معركة إبراهيم عازار وجوزف سكاف ونبيل الزعتري.
الحليف المرجّح في المعركة المقبلة هو مجدّداً إبراهيم عازار، في ظلّ تفوّق قوّاتيّ في المعركة الماضية نصّب غادة أيّوب (المقعد الكاثوليكي) صاحبة أعلى رقم بـ7,953 صوتاً تفضيليّاً، وبفارق شاسع عن المرشّحين الحلفاء والخصوم.