لينا فخر الدين – الأخبار
لم يكن فوز «النقابة تنتفض» عابراً في نقابة المهندسين. النتيجة تُعبّر عن مزاج شعبي عام يرفض المنظومة السياسيّة التي أوصلت اللبنانيين إلى هذه الضائقة الماديّة والاجتماعيّة. والأهم من ذلك، أنّها أعطت أملاً بأن التغيير السياسي ليس مستحيلاً. هذا ما تريده «النقابة تنتفض»، بأن ينسحب هذا الفوز على أكبر قدر ممكن من النقابات والمهن الحرة، وصولاً إلى الانتخابات النيابيّة، في حين أنّ ممثلي الأحزاب ما زالوا مصدومين، «لم يبلعوا» النتيجة بعد. بعضهم يُحجّم هذا الفوز، فيما البعض الآخر يدعو إلى مراجعة شاملة
بعض ممثلي الأحزاب يُكابرون. يعتبرون أنّ ما حصل في المرحلة الأولى ممكن أن ينقلب رأساً على عقب في المرحلة الثانية عند انتخاب النقيب و10 أعضاء مجلس نقابة، على اعتبار أنّ العمل على ماكيناتهم الانتخابيّة وقواعدهم الشعبيّة سيكون أكثر فعاليّة في المرة المقبلة.
ما يعزّز نظريتهم هو أنّ الأحزاب لم تستطع مجتمعةً حشد أكثر من 3500 ناخب. وتشير الإحصاءات إلى أنّ الثنائي الشيعي والمستقبل هم أكثر الحاشدين (حوالى 1400)، فيما كان حشد «التيار الوطني الحر» هو الأكثر هزالة. ويلفتون إلى أن غياب الحشد لم يكن ناتجاً عن غياب المناصرين فحسب، بل عن غياب الكثير من الحزبيين المنظَّمين والذين لو حضروا لكانوا سيُغيّرون النتيجة. وبالتالي، فإنّ العمل الجاد يعني حضور هؤلاء في المرحلة الثانية.
وأكثر من ذلك، يشير مسؤولو بعض الأحزاب الممثلة في نقابة المهندسين إلى أنّ نتيجة الانتخابات ليست «آخر الدني». هم يعلمون أنّ «النقابة تنتفض» سيكون لها 3 أعضاء في مجلس النقابة، إلا أنهم يراهنون على إمكان استمالتهم، إضافة إلى أنّ خرقهم بـ4 أعضاء في انتخابات المرحلة الثانية كفيل بقلب الموازين وحتّى تعطيل الاجتماعات، على اعتبار أنّ لتكتّل الأحزاب 5 أعضاء ستنتهي ولايتهم بعد سنة (2 للقوات، 1 للتيار الوطني، 1 لحزب الله و1 للجماعة الإسلامية).
المراجعة الشاملة قبل الانتخابات
في المقابل، هناك من يقرأ نتيجة الانتخابات بموضوعيّة أكبر. بعض مسؤولي الأحزاب يدلّلون على الأرقام التفصيليّة للصناديق، لأنّ الفارق كان مهولاً. ففي الفرع السابع مثلاً حصل مرشحو «النقابة تنتفض» على معدل 320 صوتاً مقابل 90 صوتاً لتكتل الأحزاب، وفي الفرع الخامس أيضاً حصدت «النقابة تنتفض» تقريباً 1000 صوت لمرشحيها مقابل 500 صوت لمرشحي الأحزاب!
وعليه، يؤكّد المسؤولون أنّ تكتّل الأحزاب لم يحصل إلّا على نسبة 25% مقابل 75% للائحتيْ المعارضة، مع ربطها بسابقة أعلى نسبة اقتراع تُسجّل في انتخابات المرحلة الأولى (8008). كلّ ذلك يعني بنظرهم أنّ «فشل الماكينة الانتخابية يعود إلى الاستهتار لدى الأحزاب بأنّها تستطيع كسب أي معركة بمن كان. وهذا السلوك يعني خسارة حتميّة في المرحلة الثانية من انتخابات النقابة، إلّا في حال تواضعت الأحزاب وقرّرت اختيار مرشحين مهنيين ونقابيين على حساب اختيار الحزبيين».
ويلفتون إلى «أنّنا لم نعد قادرين على الاستمرار بالطريقة نفسها، خصوصاً أن من غير المعقول أن تطلب منّا قياداتنا خوض استحقاق في تكتّل واحد وهم يتصارعون في الملفات السياسية. ببساطة، لم يعد بمقدورنا التبرير لقواعدنا».
لذلك، فإن لهؤلاء المسؤولين أسئلة عن مصير الانتخابات النيابيّة، إذ إنّ «المهندسين الذين اقترعوا لا يمثلون نخبة المجتمع فحسب، بل هم أولاد بيئتهم. فلكل واحد منهم عائلة وأولاد وآباء وأصدقاء. وهذا يؤكّد ضرورة اعترافنا بأنّ المزاج الشعبي تغيّر فعلاً و»النقابة تنتفض» ستتوسّع وغداً ستكون موجودة في النقابات الأخرى، خصوصاً أن انتخابات نقابتيْ المحامين والأطباء مثلاً صارت قريبة، إضافة إلى إمكان امتدادها إلى الانتخابات النيابيّة». ولا يخفي المسؤولون أنّ نتيجة انتخابات نقابة المهندسين تستوجب مراجعة شاملة لوضعنا وقواعدنا قبل موعد الانتخابات النيابيّة.
تكتّل الأحزاب حصل على نسبة 25% مقابل 75% للائحتَي المعارضة
وفي تفاصيل الأرقام، يعتقد مسؤولو بعض الأحزاب أن الأزمة الكبرى تكمن لدى القوات والتيار الوطني الحر. يشيرون إلى أنّ نسبة الاقتراع لدى المسلمين تكون أعلى عادةً من نسبة المقترعين المسيحيين، فيما اللافت هذه المرة أن المقترعين المسيحيين كانوا الأكثرية. ومع ذلك، صبّ هؤلاء لصالح «النقابة تنتفض»، إذ إنّ «القوات» لم تحصل مثلاً على عضو واحد في هيئة المندوبين أو الفروع.
«في أمل»
في المقابل، لا تريد المعارضة أن تسكر بانتصارها. هي تعرف أنّ تحالفاتها ستمتدّ إلى النقابات الأخرى وحتّى إلى الانتخابات النيابيّة، خصوصاً أنّ «التحالفات لم تكن محصورة بانتخابات نقابة المهندسين، بل كان تحالفاً على مشروع سياسي صريح يهدف إلى التغيير السلمي والديمقراطي». يعتبر بعض أعضاء «النقابة تنتفض» أنّ الفوز أعطى أملاً للبنانيين بإمكان الخروج من العباءات السياسية والطائفيّة وأعطى زخماً للتحركات الشعبيّة؛ إذ ليس تفصيلاً ما جرى في صيدا أمس من تحركات لـ«صيدا تنتفض»، ما يشي، بنظرهم، بإمكان ازدياد التحركات في الشارع على وقع تدهور الأوضاع الاقتصاديّة.
أمّا على مستوى النقابة، فإنّ المعارضة ستقوم باجتماعٍ تقييمي للنتيجة الانتخابية، قبل انتقالها إلى المرحلة الثانية لاختيار المرشح لموقع النقيب.