كتب جهاد اسماعيل في “الاخبار”:
بعدما أقرّ مجلس النواب قانوناً ينظّم استخدام اللقاحات لمكافحة «كورونا»، يُثار نقاش قانوني حول مدى إلزامية اللقاحات بُغية الحفاظ على تدابير السلامة العامة التي يمكن أن تنتهجها وزارة الصحة للحدّ من انتشار الوباء. ولا يستقيم الحكم على الإشكالية المطروحة إلا بالعودة إلى الأحكام القانونية المرعية الإجراء، وهذا ما يتجلّى باللّحاظ التالي:
– وفق المادة 9 من قانون مكافحة الأمراض المعدية الصادر عام 31/12/1957، والمعدّل بموجب مرسوم رقم 6198 عام 2020، «إذا هدّد وباء بلاد الجمهورية كلها أو بعضها أو أخذ ينتشر فيها وكانت وسائل الوقاية المحلية غير كافية، فعلى وزارة الصحة أن تستصدر مرسوماً تعين فيه التدابير التي من شأنها أن تحول دون انتشار هذا الوباء. ويحدد هذا المرسوم صلاحية كل سلطة أو إدارة من السلطات والإدارات التي يعهد إليها تنفيذ تلك التدابير، كما يبين كيفية تأليفها واختصاصها ويمنحها إلى أجل معيّن السلطة اللازمة للتنفيذ».
يُستشفّ من هذا النص أن وزارة الصحة، بحكم القانون، تملك صلاحية مطلقة، وبموجب مرسوم، في تحديد تدابير الوقاية. وقد يعتقد البعض، للوهلة الأولى، بأن اللقاح المخصص لمكافحة «كورونا» من الصلاحيات التي يمكن استخدامها، بصورة جبرية أو إلزامية، في سياق المعالجة. إلا أن ما حدّده هذا النصّ من أحكام، في رأينا، يندرج في خانة الإلزام المجتمعي بشكل من الأشكال، لكنه لا يصل إلى درجة تكبيل الحرية الفردية وإلزام الأفراد به، لأن من حق الفرد، في نهاية المطاف، أن يختار ما يريد من العلاج، والجسد ملك صاحبه الذي يقرر أن يمدّه بما يريد، ولا سيما أن المادة العاشرة من القانون السالف ذكره حدّدت سقف الوقاية والتدابير الإلزامية عندما يتخذ المرض الانتقالي شكلاً وبائياً في قرية أو مدينة أو منطقة، بأن تقيم نطاقاً صحياً على المكان الموبوء وتمنع الدخول إليه أو الخروج منه والتجمعات فيه، ولم تتطرق إلى قيودٍ تهدّد الحرية الشخصية اللصيقة بجسد الإنسان وكيانه.
– ما يعزز هذا المنحى من التحليل، هو ما جاء في «العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية» الذي التزم لبنان به، وذلك في المادة السابعة التي نصّت على أنه «لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية، وعلى وجه الخصوص لا يجوز إجراء تجربة طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحر».
يُستفاد من هذه المادة أنه لا يجوز، مهما كانت الأسباب، فرض اللقاح كتجربة طبية مستجدّة على أحد، ما لم يُحرز قبول الأشخاص. علاوة على أن الفقرة «ب» من مقدمة الدستور ألزمت الدولة اللبنانية بالمواثيق الدولية، وهو التزام دستوري لا يجوز تجاوزه ويعلو على القوانين والمراسيم!
تطبيقاً لذلك، فإن أي قانون أو مرسوم يُلزم المواطنين باللقاح مشوب بمخالفة دستورية واضحة تستوجب إبطال المرسوم أو القانون.
– بحسب المادة 8 من الدستور فإن الحرية الشخصية مصونة وفي حمى القانون. ولا يمكن تحديد جرم أو تعيين عقوبة إلا بمقتضى القانون، وبالتالي هذه الصيانة أو الكفالة تجعل من أي إجراء يتعارض مع الحرية الشخصية، عُرضةً للإبطال أو الطعن!
كما أن القانون الذي أقره مجلس النواب بشأن تنظيم استخدام اللقاح، جاء خالياً من أي نصّ يُلزم به الناس باللقاح، على اعتبار أن مضمونه ارتبط أشد الارتباط بالمسؤوليات المترتّبة عن استخدام اللقاحات، افتراضاً من المشترع بأنها من مقتضيات الحق الشخصي ليس إلا.
وعلى ذلك، يُصبح اللقاح حرية تعود إلى أصحابها، يمكنهم استخدامها متى شاؤوا، حين انتفى النص القانوني الذي يُلزم استخدامه. إنما هذه المساحة من الحرية لا تُعفي الفرد من مسؤولية حماية نفسه ومجتمعه من الوباء، ولا تُعفي الحكومة من مسؤولية اتخاذ التدابير الفعّالة للوقاية من الأمراض الوبائية وعلاجها ومكافحتها، تطبيقاً لأحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.