كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
يفاخر كل من شارك في صياغة قانون الشراء العام بأنّ ما صنعت يدا البرلمان اللبناني في هذا السياق، هو انجاز يسجّل للتاريخ ومقدّمة نوعية لتطوير القوانين الإصلاحية خصوصاً وأنّ المشرّع تمكن من إخراج آلية التعيينات الخاصة بالقانون (هيئة الشراء العام وهيئة الاعتراضات)، من زواريب المحاصصة السياسية إلى رحاب الكفاءة والجدارة من باب حسن تطبيق القانون وسلامته، ولو أنّ الكلمة النهائية بقيت للسلطة السياسية ممثلة بمجلس الوزراء… ولهذا كان العديد من المؤسسات الدولية مرحباً بالقانون ومثنياً على جهود من اشتغلوا عليه كونه يشكل نموذجاً إصلاحياً يفترض الاقتداء به.
وإذ بالصدمة تحلّ على المعنيين بعد الطعن الذي تقدّم به عشرة نواب من “تكتل لبنان القوي” استهدف بشكل خاص آلية التعيينات المعتمدة في القانون، ولو أنّ هذه الآلية هي أفضل ما توصل إليه المشروع في إطار تحصين القانون والمشرفين على تنفيذه. فما هي أبعاد هذ الطعن الذي تناول المواد 72، 78، 88، 89، 91؟ وما هي خلفياته القانونية؟ وماذا يعني إبطالها في ما لو حصل ذلك؟
يشير رئيس إدارة المناقصات جان العلية إلى أنّه يشجّع اللجوء إلى المجلس الدستوري انطلاقاً من منطق دولة القانون والمؤسسات، لافتاً إلى أنّ أبرز ما يمكن تسجيله في هذا الطعن، يُختصر بالآتي:
– المادة 72 المتعلقة بالتخصص وبناء القدرات: التخصص وبناء القدرات هو محور وركن أساسي من أركان قانون الشراء العام، وهذه المادة تستهدف تحسين أداء العاملين في الشراء العام أكانوا في هيئة الشراء العام أو في الجهات الخاضعة للقانون كالإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات، من خلال تدريبهم وتطوير معارفهم. وبالتالي، فقد طال الطعن التدريب وتطوير الكفاءات والمهارات وهو عنصر أساسي ليس فقط لتطبيق قانون الشراء العام بل لبناء إدارة حديثة ومعاصرة وشفافة.
– المادة 78 والتي تنص على تعيين رئيس وأعضاء هيئة الشراء العام من خلال لائحة يعدّها رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ورئيس ديوان المحاسبة ورئيس مجلس الخدمة المدنية ورئيس التفتيش المركزي، وبالتالي إن هذا الطعن يستهدف التعيين في الهيئة على أساس الجدارة والكفاءة، وهو عنصر أساسي إصلاحي بالقانون، ومن دون هذه الآلية التي هي أشبه بضمانة سنكون أمام هيئة ناظمة قائمة على اعتبارات المحاصصة، وسينتهي الأمر إلى تعطيل القانون وبالتالي العبث بالمشتريات العمومية وإخضاعها للأهواء السياسية.
– المادة 88 حيث يتناول الطعن الانتقال بإدارة المناقصات إلى هيئة الشراء العام بعد توسّع ملاكها وصلاحياتها، وبالتالي إن الطعن بآليات الانتقال هو طعن بصميم القانون كونه غير قابل للتطبيق من دون هيكل إداري يُعنى بتطبيقه والإشراف على الشراء وتنظيمه ومراقبته، وبالتالي الطعن بهذا الانتقال يستهدف الدور الذي تقوم به هذه الهيئة بصرف النظر عن أي موقع، وإذا كان الطعن يستهدف أي شخص من الموجودين في هيئة الشراء العام، فستكون سابقة لم تحصل من قبل، كون المسار القانوني في لبنان شهد نماذج عديدة لتحوّل إدارات عامة أو مجالس أو حتى وزارات إلى إدارات أو مجالس أو وزارات بمسمّيات أخرى ومهمات أخرى، ولم تشهد عملية التحوّل أي عمليات صرف أو إقصاء لموظفين، وفي حال كان الطعن يستهدف هذه النقطة فيكون موجهاً بمنحى شخصي، فيما القانون أسمى من الأشخاص والدستور هو المرجع الذي يضمن حقوق الأفراد ويحميها ويكفل المساواة بينهم.
– المادة 89 المتعلقة بإنشاء هيئة الاعتراضات وهي من الركائز الأساسية لضمان نجاح قانون الشراء العام، وتقوم على وسيلة حديثة معتمدة في معظم دول العالم على قاعدة التخفيف عن كاهل القضاء ومحاولة حلّ المنازعات بطرق بديلة، وفي حال لم تنجح هذه الطرق البديلة يذهب المتقاضون إلى القضاء وهذه الآلية التي أحدثها المشرع في قانون الشراء العام تشكّل نوعاً من الضمانة والاستقرار والثقة للمستثمر المحلي والأجنبي بأنّ القانون سيُطبّق، وفي حال حصول منازعات ستحسم بسرعة وفي حال عدم نجاح هذه الطريقة البديلة التي تقوم بها لجنة الاعتراضات، فيكون الملف أمام القضاء وهذا معتمد في معظم دول العالم. هذا الطعن بهذه الهيئة المستقلة التي تتمتع بكامل الاستقلال الوظيفي بطريقة تعيين أعضائها المماثلة لطريقة تعيين أعضاء هيئة الشراء العام، يستهدف الوجه الإصلاحي في القانون والآليات الاصلاحية المعتمدة لضمان تأمين المنافسة والشفافية.
– المادة 91 المتعلقة بآلية تعيين أعضاء هيئة الاعتراضات، وهو طعن شبيه بالطعن بالمادة 78 أي أنه يستهدف الآلية القائمة على معايير الكفاءة والجدارة، وبالتالي يجعل القانون أسير تعيينات يقوم بها مجلس الوزراء من خارج معايير الكفاءة والجدارة، وهذا أمر له انعكاسات خطيرة على الإدارة العامة. صحيح أنّ تعيين موظفي الفئة الأولى يتولاه مجلس الوزراء ولكن هذا التعيين وفقاً لأحكام الدستور يتولاه مجلس الوزراء مع التقيّد بالقوانين، ومنها المادة 20 من الدستور التي تؤكد على حق المواطنين في تولي الوظائف العامة على أساس الجدارة والكفاءة، والمادة 99 من الدستور التي تنصّ على أنّه بصورة موقتة توزع وظائف الفئة الأولى مناصفة بين المسلمين والمسيحيين شرط التقيّد باعتبارات الكفاءة والجدارة. اذا كان المقصود عزل المادة 65 من الدستور عن المادتين 12 و95 لاعطاء مجلس الوزراء، وهو السلطة السياسية في البلاد، صلاحية تعيين من يشاء بلا معايير الكفاءة والجدارة فهذا سيكون ضرباً للقانون، وهو يتعارض أصلاً مع أسباب نشأة الهيئات الناظمة ووجوب استقلاليتها وتحديداً عن السلطة التنفيذية، ويعطّل القانون بمجمله ويحوّل هيئة الشراء العام وهيئة الاعتراضات إلى هيئات محاصصة، وبالتالي إنهاء للقانون لا بل خنقه وتطويعه عبر جعل تطبيقه والإشراف عليه وتنفيذه بيد أدوات تعيّنهم السلطة السياسية بشكل استنسابي ووقح.
وقال العلية: اللافت أنّ الطعن تناول المواد المذكورة أعلاه “وما يليها…”، ما يعني أن المادة 92 المتعلقة بالتزام المعايير المهنية وحالات التفرغ والتمنع، والمادة 93 المتعلقة بانتهاء العضوية، والمادة 94 المتعلقة بالتعويضات والمادة 96 المتعلقة بآلية عمل هيئة الاعتراضات والمادة 97 المتعلقة بالنظام الداخلي والأنظمة الادارية والمادة 98 المتعلقة بالتقارير… مروراً بالمادة 101 المتعلقة بلجان التلزيم وهذا يعني طعناً بصلب القانون والعودة بالزمن إلى اللجان الوزارية والاستشارية التي كانت تتكل على مستشاري الوزراء، وصولاً إلى آخر المواد، وبالتالي إنّ الطاعنين يرغبون باسقاط القانون والعودة إلى زمن المناقصات التي كانت تجرى على أيدي مستشاري الوزراء. اللافت أيضاً أنّ الطاعنين يقولون إنهم لم يطلبوا وقف تنفيذ القانون لأنهم لا يستهدفونه، مع العلم أنّهم لو اطلعوا عليه لأدركوا أنّه لا يصير نافذاً إلا بعد 12 شهراً.
وختم العلية قائلاً إنّ هذا الطعن يصح وصفه بطعن دستوري موجه إلى المجلس الدستوري ويستهدف المبادئ الدستورية في قانون الشراء العام، وأهمها الاختصاص والجدارة والمنافسة وتكافؤ الفرص واستمرارية المرافق العامة.