غادة حلاوي – نداء الوطن
ثلاث جلسات من المفاوضات اللبنانية مع اسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية انتهت الى خلاف عميق، اما الرابعة التي كان مقرراً عقدها يوم غد الاربعاء فقد ارجئت حتى إشعار آخر. خطوة اميركية اسرائيلية تصعيدية تحمل في أبعادها المزيد من التعقيدات وقد تبشر بما لا تحمد عقباه من ادارة اميركية تنوي تصفية حساباتها مع خصومها حتى الرمق الاخير.
وكيف لمفاوضات ان تجرى في أجواء سليمة تزامناً مع النوايا الاميركية التصعيدية تجاه لبنان بدءاً من العقوبات بحق المسؤولين اللبنانيين مروراً باتهامها بتعطيل تشكيل الحكومة. فقد أبلغت اميركا عن ارجاء جلسة المفاوضات اللبنانية مع اسرائيل الى موعد لم يحدد. لا تنوي واشنطن المهادنة تجاه لبنان وهو يتابع خطواته باتجاه اتخاذ خطوات معينة ليس معروفاً اتجاهها بعد، وهي التي كانت اشترطت من قبل على رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل موافقة لبنان على تعديل القرار الدولي 1701 بما يسمح لقوات الطوارئ العاملة في الجنوب الدخول الى المنازل وتفتيشها بحثاً عن السلاح عند وقوع اي طارئ. ومثل هذه الشروط انما تظهر نيات تصعيدية خطيرة في المواجهة من دون أي حساب لانعكاساتها. هو الوقت الضائع الذي تغلي فيه المنطقة تحسباً لخطوات ترامب. لم يعد للادارة القديمة ما تخسره انتهت الانتخابات فلم يعد الاميركي على عجلة من امره لتسجيل خطوات نجاح اضافية.
النقطة الاهم والتي هي عودة المفاوضات المباشرة بين لبنان واسرائيل تحققت، فهل المطلوب ان نمضي قدماً على خط تسجيل لبنان مزيداً من الاهداف لمصلحته؟ منذ عرض لبنان خرائط تبين حقه في مساحات اضافية من المياه الاقليمية على الحدود مع اسرائيل لم تتردد إسرائيل بالاعلان انه لا يتوقع لهذه المفاوضات الخروج بنتائج ايجابية. كان ذلك مقدمة لانسحاب اسرائيلي من خطوة لم تعد تحتل صدارة المتابعة الاميركية والاسرائيلية على حد سواء. اعتاد الاسرائيلي ان ينال مبتغاه وحين يصل الى نقطة تقوي حجة الطرف الآخر يقلب الطاولة بإانسحابه وهو اعتاد ان يأخذ لا ان يعطي. بالامس تبلغ لبنان رسمياً ان اسرائيل لم تعد تريد المضي بالمفاوضات لتغيير الجانب اللبناني موقفه من ترسيم الحدود وفرض وقائع جديدة على طاولة المفاوضات. وعلم ان الجانب الاسرائيلي ابلغ الجانب الاميركي ان لبنان رفع السقف عالياً ولم يعد من مصلحة اسرائيل ان تواصل المفاوضات، فسارع الاميركي الى الاعلان عن ارجاء الجلسة وأعقبها بخبر زيارة موفده جون دو روشيه الى لبنان للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون والمسؤولين اللبنانيين.
وفي محاولة منه لخلق ما اسماه مساحة مشتركة ايجابية بين الجانبين الاسرائيلي واللبناني ابلغ الاميركي الجانب اللبناني رغبته بتأجيل الجلسة ريثما يجتمع مع الوفد اللبناني ويناقش ملاحظات لبنان معه على انفراد ثم يعود للإجتماع مع الموفد الاسرائيلي للتوصل معه الى حل محتمل. ولكن السؤال هو: ما الذي يمكن ان يقدمه الاميركي الذي دخلت ادارته في مرحلة انتقالية؟ من غير المعروف بعد آلية تعاطي الادارة الاميركية الجديدة بالملف اللبناني والذي لا يتوقع ان يدرج في سلم اولوياتها بطبيعة الامر. وقد كان الاميركي واضحاً منذ بداية عمله على خط تقريب وجهات النظر بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي وقالها ديفيد ساترفيلد سابقاً من ان بلاده لا تملك ما تقدمه للطرفين غير دفعهما للجلوس الى طاولة واحدة انطلاقاً من خط هوف ودورها يقتصر على رعاية هذه المفاوضات بناء على طلب لبنان ولذا فالتعويل على خطوات او طروحات اميركية تعطي دفعاً للمفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل. ما يرجح عودة المفاوضات الى حيث كانت انطلقت من الجولات الاميركية المكوكية بين لبنان واسرائيل.
وبعدما وصلت المفاوضات الى نقطة اعتبرها معقدة لرغبة لبنان في استعادة حقه في كامل مساحته من المياه الاقليمية، اراد الاسرائيلي تجميد المفاوضات بعد ان حقق مراده في دفع لبنان الى مفاوضات مباشرة في وقت كانت المنطقة بكاملها تخطو خطوات جدية نحو التطبيع مع اسرائيل.
ومن غير المرجح ان نشهد عودة قريبة للتفاوض الى حين عودة الاتفاق مجدداً على النقطة التي سيجري حولها التفاوض وسط تحليلات تقول ان لبنان اخطأ برمي كامل اوراقه على الطاولة دفعة واحدة حيث كان يمكن ان ينتزع اعترافاً اسرائيلياً بالنقطة المتفق على الانطلاق منها ثم طرح النقاط الثانية لاحقاً بحيث يسارع هو الى اقتناص الامتيازات من اسرائيل وليس العكس. انتزعت اسرائيل اعترافاً ثم انسحبت، عول لبنان على المفاوضات كمقدمة لاستثمار في ثروته النفطية لكن من قال ان اميركا ستسمح له ان يرتاح ولو نظرياً. ألا يدرج ما حصل في سلم العقوبات؟