كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
داخل أحد محلات السوبرماركت في طرابلس، أُعجبت طفلة صغيرة كانت مع والدتها بنوع من الشوكولا، فطلبت من والدتها التي كانت تتبضّع أن تشتريه لها، لكنّ سعره كان 35 ألف ليرة. وكلما كانت تصرّ الطفلة على والدتها لتشتريه لها؛ تجيبها الوالدة: “غالي كتير يا ماما ما فينا نشتري”.
لعل ما حصل هو عيّنة مما يحصل مع المواطنين داخل السوبرماركت والمحلات اليوم؛ إثر الإرتفاع الكبير في الأسعار التي شهدت ارتفاعاً إضافياً جديداً غير مبرر مع إطلالة شهر رمضان المبارك.
وكأنّ الناس لا يكفيها ما فيها، وكأنّ البلد اليوم في ظروف أكثر من عادية، حتى يقوم التجّار برفع الأسعار المعتاد؛ على أبواب الشهر الفضيل. وعلى مسافة يوم واحد منه، نزل الطرابلسيون، عائلات وأفراداً إلى الأسواق ومحلات السوبرماركت لتأمين الحاجيات مع بدء شهر الصوم، حيث لهذا الشهر الفضيل عبق مختلف، ولمدينة طرابلس حكايا وأقاصيص. لكنّ رمضان طرابلس هذه السنة يختلف عن باقي السنوات الماضية، فهو يأتي بالتزامن مع العديد من الأزمات والمشاكل التي تحاصر اللبنانيين من مختلف الجوانب وعلى جميع الصعد لا سيما أزمة ارتفاع الأسعار التي زادت أكثر من 20%.
قبيل يوم على شهر الصوم، بلغ سعر كيلو اللحمة في طرابلس وضواحيها 70 ألف ليرة؛ وسعر كيلو الدجاج 20 ألف ليرة. أسعار الخضار والفواكه هي الأخرى بلغت حدوداً غير معقولة، لدرجة أن صحن “فتوش رمضاني” عادياً واحداً لأي عائلة بات يكلّف أكثر من 50 ألف ليرة، هذا ناهيك عن الأطباق الأخرى التي يرغب بها الصائمون في شهر رمضان المبارك.
لكنّ الأسواق الشعبية كانت مقصد الناس والعائلات بشكل كبير. خلال سَيْرك لبعض الوقت في سوق العطارين داخل المدينة القديمة تتلمّس الزحمة الكبيرة للناس، الرِجل على الرِجل والكتف على الكتف. الناس أتوا من طرابلس ومن عكار ومن المنية والضنية، لأنهم سمعوا أنّ الأسعار في هذا السوق أرخص من أي مكان آخر. تهافتوا على شراء الحاجيات الرمضانية، من لحوم وخضار وحبوب وتوابل وغيرها. صحيحٌ أن الأسعار مرتفعة قياساً على السابق، إلا أنها ما زالت في متناول العائلات، وذلك على حدّ قول إحدى السيدات “هنا لا تزال الأسعار فيها قليل من الرحمة وليس كغير أسواق. هنا ما زلت تشعر أنّ طرابلس ما زالت أمّ الفقير”.
ما اجتمع اثنان في الأسواق إلا وكان غلاء الأسعار ثالثهما. سيدتان خرجتا من السوق المجاور (سوق الألبسة) ودخلتا إلى سوق العطارين، كانتا تتحدثان عن الأسعار. قالت إحداهما للأخرى:”كان بدي أشتري تياب العيد لبنتي من هلأ أحسن ما يغلى عند اقتراب للعيد؛ بس متل ما شفتي كتير غالي.. والله صارت الروحة على تركيا أوفر”. ردت الأخرى وقالت:”لأ ما تشدّي إيدك.. هونيك بدك تدفعي عالدولار هون عالقليلة اسّانا مندفع عاللبناني”. فقالت الأولى “لك نحنا خلينا نجيب الأكلات وما حدا قدنا”. وما قالته هذه السيدة لرفيقتها هو لسان حال اللبنانيين اليوم. فالمواطن اللبناني وصل إلى وضع فيه من الصعوبة بمكان أنه أصبح جلّ همّه أن يؤمّن مقدّرات يومه، متخلّيا عن الكثير من الأساسيات والكماليات، حاصراً كل تفكيره بأكله وشربه.
باستثناء بعض المبادرات الفردية ونشاطات بعض الجمعيات لا مبادرات من قبيل توزيع الحصص الغذائية على أبواب رمضان شهدتها طرابلس، علماً أن حصة غذائية من هذا النوع باتت بسعر مليون ليرة أو أكثر، وهي حاجة وضرورة للعائلات لدعم صمودها وسط هذا الغلاء الفاحش.
قديماً كان الصائم يشتهي ويتمنّى من الأطعمة والحلويات ويزيّن السفرة بشتى أنواع المأكولات والأطباق المتنوعة، تعويضا عن تعب نهار كامل. رمضان هذه السنة ستغيب فيه الكثير من الأطعمة والأطباق والحلويات، وسيصبح صحن الفتوش أو أي صحن مقبلات آخر هو الطبق الرئيسي لمئات العائلات الفقيرة الصائمة.