
كانت قضايا العرق والهوية والطبقة ملازمةً دائماً لأشكال الموسيقى الشبابية والشعبية، التي ظهرت خلال النصف الثاني من القرن العشرين، كموجاتٍ احتجاجية ضد السياسات والنظم وأشكال السيطرة الأبوية والمؤسسية، لاسيما في العالم الأنجلو أميركي. وهو ما تكشفه مواد الكتاب، الذي حرره كلٌّ من ستيفن دونكومب، الأستاذ المشارك في كلية غالاتين بجامعة نيويورك، وماكسويل تريمبلاي الباحث في معهد نيو سكول للأبحاث الاجتماعية. ومن خلال تجميع مجموعة واسعة من المقالات الأكاديمية، وكلمات الأغاني، ومقتطفات من المجلات، والمقابلات، وحتى الفنون البصرية، يقدم المحرران فسيفساء شاملة من الأصوات التي تفحص تأثر وتأثير موسيقى البانك في المسألة العرقية منذ ظهورها وحتى انتشارها العالمي، متناولاً التقاطعات المعقدة بين البانك روك والهوية والسياسات العِرقية.
يتوزع الكتاب على ثمانية أقسام، يتناول كل منها جانبًا مختلفًا من جوانب العِرق في ثقافة البانك. وكل قسم يتضمن رؤى وتناقضات وتوترات مازالت عالقةً، مما يجعله استكشافاً معرفياً وتحديًا في الوقت نفسه. بدايةً من جذور الديناميكيات العنصرية في موسيقى البانك، وهو تحديد تاريخي نظري لفهم كيفية تعامل البانك مع العِرق، لا سيما تحليل ظاهرة استيلاء البيض على الثقافة السوداء التي توفر عدسة أساسية يمكن من خلالها رؤية الديناميكيات العرقية التي ستظهر لاحقًا في هذا النوع من الموسيقى، ثم التعريج على دمج مسألة التمرد في الثقافة البيضاء من خلال البانك، ومن خلال مفهوم “الأقلية البيضاء”، حيث يضخم البانك من مظلومية البيض، وغالبًا ما يستعيرون لغة وجماليات الجماعات العرقية المهمشة للقيام بذلك.
أما الجانب الثالث –وهو القسم الأكثر إثارة للجدل في الكتاب- فيتناول كيف تقاطعت ثقافة البانك مع إيديولوجيات التفوق الأبيض، خاصة من خلال حركة “حليقي الرؤوس”. تكشف المقابلات مع شخصيات مثل إيان ستيوارت من سكريدرايفر كيف استغلت الجماعات اليمينية المتطرفة روح المواجهة التي يتسم بها البانك في أواخر السبعينيات والثمانينيات. ويفرد الكتاب فصلاً لتسليط الضوء على تجربة البانك روك لذوي البشرة الملونة، الذين غالبًا ما يتم محوهم أو تهميشهم في السرديات السائدة حول الموجة الموسيقية، وذلك من خلال المقابلات مع فرق مثل باد برينز (وهي فرقة رائدة من السود) ولوس كرودوس (فرقة بانك تشيكانو). وتسلط الفصول الأخيرة الضوء على انتشار البانك روك خارج الولايات المتحدة وبريطانيا، ليشمل تجارب البانك في أميركا اللاتينية وجنوب شرقي آسيا وأفريقيا. ومن خلال دراسة التعديلات العالمية للبانك، يتحدى الكتاب السرد الأوروبي المركزي الذي يهيمن على تاريخ البانك. ومن خلال مقاربة التجربة الإندونيسية، حيث يستخدم الشباب هذا النوع من الموسيقى للاحتجاج على السلطة والتنقل في سياقاتهم الثقافية والسياسية الفريدة. ويؤكد الكتاب على عالمية روح البانك المتمردة، رغم الطرق المتنوعة التي تتجلى بها في جميع أنحاء العالم ورغم محاولة التخفف من هيمنة المركزية الغربية في التحليل والمقاربة فإن المبالغة في التركيز على العرق الأبيض جعلت الكتاب يسقط في تصوري البانك كحركة موسيقية بيضاء، حيث يحتكم إلى افتراض حول المسار التاريخي لموسيقى البانك ينزع إلى المركزية الغربية بوضوح، وحيث يشير إلى أن هذا النوع من الموسيقى كان لسنواتٍ طويلةٍ محصوراً في لندن ونيويورك ولوس أنجلوس في صفوف الشباب البيض، على الرغم من العلاقة التكوينية -وإن كانت مضطربة- بموسيقى الريغي، لاسيما في بريطانيا في لندن، ثم انتشرت نحو العالم مع صعود شعبية فرقة غرين داي، التي حملت البانك إلى أماكن بعيدة مثل إندونيسيا والمكسيك في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
يستبعد هذا التسلسل الزمني تماماً الطابع العالمي الأساسي للبانك روك، الذي ينتقل من “الغرب” إلى “بقية العالم”، فيعكس ويعيد إنتاج افتراضات ثقافية. كذلك يشكو الكتاب من خلل منهجيّ، حيث يبدو المنهج الفسيفسائي الذي تبناه المحرران، من خلال المختارات، غير مترابط في بعض الأحيان، مفكّكاً، مما يجعل من الصعب على القارئ استيعاب السرد المتماسك. ورغم أنه ليس خاليًا من العيوب، فإن الكتاب ينجح في فتح حوار حول المسألة العرقية وعلاقتها بالموسيقى والثقافة بشكلٍ عامٍ في الدول التي عانت من تجارب عنصرية أو استعمارية.