علمت مصادفة أمس أن اسمي مدرج للمشاركة في مهرجان جرش الشعري. ورغم امتناني لإدارة المهرجان وقيادة رابطة الكتاب الأردنيين، فإنني أؤكد أنني لم أستشر ولم أبلغ مسبقا بهذه الدعوة.
ولا بدّ من التوضيح هنا أن تأخر علمي بالبرنامج والجدل الدائر حول الانسحابات ومقاطعة المهرجان، إنما كان لانشغالي بوفاة أخي المفاجئة وبعدها مباشرة وفاة خالي، ما أدخلني غيابة حداد نأت بي عما يدور.
لقد راجعت الجدل الدائر لدى مثقفي الأردن بين من يدعو للمشاركة ومن يدعو إلى الانسحاب أو المقاطعة. إن قلبي يذهب إلى حيث يقف الزملاء والرفاق المنسحبون من المشاركة في المهرجان، فما يجري في غزة من إبادة وقتل وتشريد يهز أرواحنا بعنف، ولا يمكن لنا أن نتغاضى عن صرخات أمهاتنا وأطفالنا في فلسطين تحت أي ظرف.
لكنني من جهة أخرى أرى أن المسؤولية التاريخية التي طالما حملها مثقفو رابطة الكتاب الأردنيين تحتم علينا أن ننظر في السيرورة الدائمة للنضال. لقد كانت كلماتنا طوال الوقت رديفا لفعل المقاومة، وكنا في مقدمة الجماهير التي تدافع عن ثوابت الأمة، وعليه فإنني كنت أفضل أن نعتلي منابر المهرجان لنجعل منه مهرجانا للمقاومة.
تحتاج منا غزة أن نصل الليل بالنهار، وأن نخوض معركة الصمود دفاعا عن الشعب المناضل ومستقبل هذه الأمة من مواقعنا ككتاب وشعراء ومثقفين، وهذا موقف يحتم على نخبة المثقفين أن تتقدم الصفوف لا أن تنسحب أو تنأى وتكتفي من الغنيمة بالإياب.
كان سيسعدني لو أن القبضات الملوحة قد ارتفعت أيضا ضد الشعوبية وأقنعة الطغيان، فهذه الأمة العظيمة تحتاج منا أن نقف ضد تزييف الوعي وتغريبه، وأن نتحد ضد رموز التطبيع وعوامل الهدم الشعوبي المتمثلة في دعوة ومشاركة البروفيسور الفرنسي أدونيس، والذي كان قد طرد من اتحاد الكتاب العرب عام 1995 لشبهة التطبيع مع العدو الإسرائيلي في إسبانيا آنذاك.
إن الطائفية المقيتة والوعي المنشق لا مكان له بين صفوف الأمة المناضلة في سبيل التحرر من العدو الخارجي والانعتاق من الطغيان الداخلي. كان بودي لو انصرفت جهود الجدل والنقاش إلى تفكيك اللغم الذي وضع في قلب الثقافة الأردنية، فلا يعقل أننا فيما نحتفل برمز النضال محمود درويش، فإننا نسكت عن “مثقف” (أدونيس) صمت عن دماء غزة ولم يذكر عذابات الفلسطينيين ولو بكلمة، وكان قبلها قد صمت عن عذابات شعبه، بل وأنكر عليه شوقه للحرية.
إن الشام لا تقل قداسة عن فلسطين، فدمشق في قلوب الاحرار هي الوجه الأول لنابلس وغزة. إنها شام الله ففيها “بقية المؤمنين والماء”. في الختام أؤكد أنني منقطع عن المشاركة في مهرجان جرش الشعري، فأنا في حداد، والهواء بطعم الرماد.