زياد عيتاني – أساس ميديا
.. “سافر الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود، ملك المملكة آنذاك، إبَّان حكمه، إلى جمهورية مصر العربية لحضور أحد المؤتمرات، وكان برفقته الشيخ صالح العرق (وهو من آل هادي بن زايد من الغفران آل مرة). وعلى هامش المؤتمر، جلس العاهل السعودي مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وكان الملك سعود معجباً كلّ الإعجاب بالرئيس عبد الناصر، فقال الملك لعبد الناصر: “أنت من أيّ القبائل؟”، فقال عبد الناصر: “أنا أصلي من عندكم، من الجزيرة العربية”، فقال الملك مندهشاً: “كيف؟!”، فقال عبد الناصر: “أنا من قبيلة آل مرة”، فردّ عليه الملك متعجّباً، وكان على دراية تامّة ببطون قبيلة آل مرة: “من أيّ بطن من آل مرة؟”، فقال: “أنا من آل نجم”. وبعد انتهاء المؤتمر واستقلال الملك سعود الطائرة عائداً إلى المملكة، سأل مرافقه صالح العرق عن آل نجم، فأخبره عنهم، وقال: “إنّهم من الجرابعة، وهم خيرة قليلة”.
يقول عنهم الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن في حديثه إلى الرحّالة أمين الريحاني عن سكّان السعودية: “في الجنوب يعيش أشدّ البدو وأشرسهم، وهم بنو مرة والدواسر”. أمّا البروفسور دونالد باول كول فقد وصفهم بالقول: “إنّ ما لمست من ترحيب وصداقة من قبل قبيلة آل مرة جاء عكس الوصف، الذي كنت قد قرأته عن البدو، بأنّهم متعصّبون وصارمون”. أمّا كاتب موسوعة جامع أنساب قبائل العرب سلطان طريخم السرحاني فقد عرّفهم: “آل مرة من أقدم قبائل العرب وأشدّها مراساً”.
أشعل البند، الذي ينصّ على أن تكون الجنسية الأصلية للشخص المرشّح قطرية، النار في صدور أبناء قبيلة “بني مرة” الذين خرجوا معترضين في أحيائهم وعبر وسائل الإعلام والتواصل
كثيرة هي أخبار الفروسية والمراس بالقتال التي تحفل بها كتب التاريخ عن قبيلة “آل مرة” فقد كان لهذه القبيلة دورًا مهمًّا في مقارعة العثمانيين مع سعود بن فيصل، إبّان احتلالهم لمدينتي الأحساء والقطيف، كما كان لهم مواجهة قاسية أخرى مع العثمانيين ولعل أبرزها معركة (قهدية) التي قاتلوا فيها الأتراك، وغنموا منهم تقريباً مليون روبية، وما أكدته المصادر التاريخية أنهم كانوا بعبعاً مرعباً للأتراك، وخصوصاً فخيذة آل بحيح الذين عرفوا بالجرأة والإقدام. ولم يكن الدور السياسي للقبيلة يقتصر على مكان وجودهم، فقد تعدى ذلك إلى البحرين، إذ استنجد بهم شيخ البحرين آنذاك (عبد الله بن خليفة)، في عام (1258هـ)، بعدما حدث خلاف بينه وبين أخيه (محمد)، وخاضوا معه حرباً ضروساً مما مكنّه من الحكم بعدما كاد يؤول إلى أخيه لولا نصرة آل مرة له. إلا أنّ أجمل ما قيل في قبيلة “آل مرة” هو ما تقوله القبيلة عن نفسها بوصفها للربع الخالي فتقول: “بإمكان المرء أن يجد كل شيء في الربع الخالي أفضل الإبل وحليب الناقة اللذيذ، والصيد الوفير والرمل النظيف والهواء النقيّ، حيث يعيش الجميع كأخوة”.
بين ليلة وضحاها عاد بنو مرة حديث الناس والشعوب ووسائل الإعلام في الخليج العربي، فالمسألة لا تتعلّق بمضارب لهم في عمق الصحراء وربعها الخالي، ولا بسباق خيل كما جرى في تلك المعركة الشهيرة “داحس والغبراء”. فالقضية أنّ قبيلة أعلنت في قطر تمسّكها بحقّها الانتخابي ترشيحاً وتصويتاً عكس ما جاء في القانون، الذي أقرّته الحكومة القطرية وصدّقه أميرها، والذي حجب حقّ الترشّح عمّن لم تكن أصوله قطرية قبل العام 1930، وهو ما رآه أبناء قبيلة آل مرة استهدافاً لهم وسلباً لحقوقهم السياسية.
الهمسات في الغرف المقفلة تقول إنّ القصة ليست جديدة، ولا هي قصة قانون انتخابات أُقِرّ أخيراً، بل هي قصة “قلوب مليانة” وتلك محطّاتها:
1- عام 1995 استولى الشيخ حمد بن خليفة على السلطة في انقلاب أبيض على أبيه الشيخ خليفة بدعم من القوات المسلّحة القطرية ومجلس الوزراء وبدعم الدول المجاورة.
2- عام 1996 حاول خليفة بن حمد آل ثاني استرداد السلطة، وسانده في مساعيه أبناء قبائل “آل مرة”. وزعمت الحكومة القطرية في حينه أنّ المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين لعبت دوراً في مؤامرة عام 1996، كما سمّتها، لإعادة الأمير خليفة إلى السلطة. ومنذ ذلك الحين لم يخفّ التوتّر بين “آل مرة” والدوحة.
3- عام 2005 جرّدت الحكومة القطرية الآلاف من قبائل “آل مرة” من جنسيّاتهم، وحرمتهم الحقوق الأساسية الممنوحة للمواطن القطري.
4- عام 2017 سحبت السلطات القطرية الجنسية من شاعر المليون محمد بن فطيس المري، متّهمةً إيّاه بمساندة السعودية على حساب الحكومة القطرية.
5- عام 2019 سحبت قطر الجنسية من أبناء عشيرة الغفران (أحد أفرع بني مرة)، وهو ما دفع منظمة “هيومن رايتس ووتش” إلى التنديد بذلك في بيان رسمي لها. فبرّرت الحكومة القطرية ما فعلته بأنّ أبناء عشيرة الغفران يحملون الجنسية السعودية، وأنّ القانون القطري يمنع ازدواج الجنسيّات.
قطر تذوق المرارة مع بني مرة. هي مرورة قاسية لا تماثل مرورة فنجان قهوة عربية، بل “مرورة” قبائل مصمّمة على حقوقها السياسية، و”مرورة” ديموقراطية عرجاء يحاول حاكم قطر ممارستها
الأزمة اليوم
في 29 تموز الماضي أصدر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قانوناً جديداً للانتخابات ينصّ على أنّ مَن يتمتّع بحقّ انتخاب أعضاء مجلس الشورى هو كلّ مَن كانت جنسيّته الأصلية قطرية، وأتمّ 18 سنة ميلادية، مستثنياً من شرط الجنسية الأصلية كلّ مَن اكتسب الجنسية القطرية شرط أن يكون جدّه قطرياً وهو من مواليد قطر. وأن يكون كلّ مرشّح جنسيّته الأصلية قطرية ولا يقلّ عمره عند قفل باب الترشّح عن 30 سنة ميلادية.
أشعل البند، الذي ينصّ على أن تكون الجنسية الأصلية للشخص المرشّح قطرية، النار في صدور أبناء قبيلة “بني مرة” الذين خرجوا معترضين في أحيائهم وعبر وسائل الإعلام والتواصل. ونشر المحامي هزاع بن علي أحد أفراد القبيلة مقطع فيديو وجّه فيه نداء إلى الأمير تميم قائلاً: “إنّ الغبن السياسي وانتقاص المواطنة من غير أساس قد يقود إلى الفرقة”.
وأضاف: “ثبتنا مع أجدادك يا سمو الأمير ونثبت معك في أزمة الحصار. سنطالب بحقوقنا وبكرامتنا في هذا الوطن، ونرجو منك الرجوع في الحقّ”. فقامت السلطات القطرية باعتقال هزّاع.
تجاوزت الأزمة مسألة الاعتراض على قانون الانتخابات، فكان لافتاً دخول نائب رئيس شرطة دبي السابق الفريق ضاحي خلفان على خط الأزمة، مغرِّداً عبر حسابه على تويتر: “مَن يملك الأكثر يملك الأقلّ. قاعدة قانونية. مثال: مَن يملك الجنسية… يملك حقّ الانتخاب. لماذا؟ لأنّ امتلاك الجنسية أكبر من امتلاك حقّ الانتخاب”، مضيفاً: “قولوا آمين، اللهم سهِّل مشكلة آل مرة المساكين”. ثمّ حذف تغريدته، وأعاد نشرها مجدّداً مستبدلاً كلمة المساكين بكلمة الموقّرين. وهو ما استدعى عودة الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس وزراء قطر الأسبق إلى الضوء، والتصريح محذِّراً ممّا وصفه بمحاولات زعزعة الاستقرار في بلاده وتحويل نقاش عام حول ملاحظات بشأن قانون الانتخاب إلى أزمة وشحن الأجواء بين أبناء الشعب، مؤكّداً أنّ “أيّ موقف يقفه المواطن أو المقيم، فهذا واجب للوطن ولوليّ الأمر، ويجب أن لا يمنّ أحد، كائناً مَن كان، بهذه المواقف على بلده، أو على أميره”.
وأضاف: “هذه المواقف وما دون ذلك من المطالب والمظالم لها طريق ولها أسلوب تعوّدنا عليه في العائلة القطرية، ويجب أن لا نخرج عن هذه العادات تحت أيّ ظرف. العائلة القطرية تحلّ أمورها تحت راية الوطن وتحت راية وليّ الأمر، خاصة أنّ هناك لجنة تظلّم أمر بها الأمير المفدّى”.
واختتم تغريداته بالقول إنّ “قطر تمرّ في تجربة جديدة، وقد تحصل بعض الثغرات، ولكن ما هكذا تورد الإبل”.
قبيلة آل مرة هي واحدة من 12 قبيلة تكوّن الشعب القطريّ: شهران، جهينم، شمر، بنو تميم، المرازيق، العجمان، بنو ياس، بني هاجر، السهول، الدواسر، الخاطر. وتعتبر ثاني القبائل من حيث العدد بعد قبيلة شهران. إلا أنه لا يوجد أي احصاء رسمي أو غير رسمي يشير إلى عدد أفراد كل قبيلة فيما الرقم الوحيد الصادر هو في احصاء عام 2017 لوزارة التخطيط والاحصاء القطرية حيث قدّرت عدد سكان الدولة مسجلة 2.800.119 نسمة فيما عدد السكان حاملي الجنسية القطرية حوالي 333.300 الف نسمة وهو ما يشكل حوالي 10.5 من إجمال السكان في قطر. فيما تقول بعض الروايات غير المثبتة أنّ قبيلة “آل مرة” وبعض القبائل التابعة لها تشكّل ثلث القطريين.
قطر تذوق المرارة مع بني مرة. هي مرورة قاسية لا تماثل مرورة فنجان قهوة عربية، بل “مرورة” قبائل مصمّمة على حقوقها السياسية، و”مرورة” ديموقراطية عرجاء يحاول حاكم قطر ممارستها. ولعل في تصريح حمد بن جاسم اعتراف بذلك حين قال: “قطر تمرّ في تجربة لا أريد أن أسمّيها ديموقراطية، بل هي مشاركة شعبية…”.