كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
كل طرقات السيناريوات المتداولة، تؤدي إلى طاحونة القعر. المشهد، بعيداً عن عجقة الصيف والمغتربين، سوداوي بالمطلق، لا يشي بإمكانية تحقيق أي خرق رئاسي قد يعيد الانتظام إلى مؤسّسات الدولة وإداراتها وماليتها. حتى الوضع الأمني بات تحت المجهر، المحلي والدولي، طالما أنّ قيادة الجيش التحقت ببقية المواقع والمناصب المرشحة للشغور، القاتل!
أيام قليلة، وتنتهي ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وسط رفض مطلق من جانب القوى المسيحية يحول دون تعيين بديل في ظلّ الشغور الرئاسي، حيث يبدو أنّ «حزب الله» وخلافاً لرأي حليفه، رئيس مجلس النواب نبيه بري، قرّر مسايرة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل في رفض إجراء أي تعيين في المناصب الأساسية من جانب حكومة تصريف الأعمال. وقد أبلغ «الحزب» المعنيين بموقفه الحاسم، الذي سيقطع حكماً الطريق على أي محاولة، لتعيين سلف لرياض سلامة، أو لمقاربة التعيينات في المجلس العسكري.
من المبكر، الحكم على الحوار المستجدّ بين حليفي «مار مخايل»، وهو لا يزال في بداياته وأمامه الكثير من العقبات والعقد والخلافات. لكنّ الأكيد أنّ كلّاً منهما يراهن على الوقت: «الحزب» متمسّك بترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، ولا يبدو أنّه بصدد التخلي عنه، أقله في المدى المنظور، فيما باسيل يعتقد أنّ تراجع المبادرة الفرنسية وتخبّطها سيقوّي نظريته الداعية إلى البحث عن مرشح ثالث، ولو أنّ ساعته لم تأت بعد. لكنّ الوقت بنظر الطرفين، كفيل بتحقيق المبتغى… خصوصاً أنّ المؤشرات تدلّ على أنّ كلّ محاولات إنجاز الاستحقاق الرئاسي، باءت إلى الآن بالفشل.
في الواقع، فإنّ الإبحار في مداولات اجتماع اللجنة الخماسية التي التقت مكوّناتها في الدوحة، يزيد من الأدلّة والإثباتات التي تبيّن أنّ الاستحقاق الرئاسي يتّجه إلى مزيد من التعقيد، بعدما تقدّمت الرياض إلى الأمام في تشدّدها، واضطرت باريس إلى التراجع إلى الخلف في مبادرتها التي حملت عنوان «الواقعية»، مع العلم أنّ المملكة حرصت كلّ هذه المدة، ومذ أن تسلّل الشغور إلى موقع الرئاسة الأولى مطلع شهر تشرين الثاني الماضي مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، على التعاطي بشيء من الحيادية مع مقتضيات الاستحقاق الداهم، لكنّها انتقلت من السلبية إلى الايجابية نسبياً وراحت تساير باريس في مبادرتها من خلال رفع الفيتو عن ترشيح فرنجية والمضيّ قدماً في مباركة أي توافق ينسجه اللبنانيون.
هذا في العلن، لكن في العمق، يقول بعض أصدقاء المملكة، إنّ السعودية لم تكن أبداً متحمّسة لأي مرشح يزكّيه «حزب الله»، وسليمان فرنجية لم يكن يوماً استثناءً، لكنها كانت تحاذر المجاهرة بهذا الموقف في ظلّ التطوّرات الإقليمية التي فرضها اتفاق بكين من جهة، وحرصها من جهة أخرى على علاقتها بإدارة إيمانويل ماكرون، ما دفعها لترك هامش واسع أمام المبادرة الفرنسية، إلى أن حصل ما لم يكن في الحسبان.
يقول المطلعون إنّ انخراط الفرنسيين في ورشة حوار لبنانية – لبنانية قد تضع التعديلات الدستورية تحت المجهر بشكل قد تنسف أركان «الطائف» وأساساته البنيوية، رفع منسوب الحذر والخشية عند السعوديين من أن تكون الرئاسة مدخلاً لضرب التوازنات التي أرستها «وثيقة الوفاق الوطني» خصوصاً أنّ الطائفة السنية ستواجه تحدّي توحيد موقفها ورؤيتها ومقاربتها لأي حوار قد يطال التعديلات الدستورية في ضوء التشتت والتشظي الذي يضرب تركيبتها النيابية واستطراداً السياسية.
ولهذا يقول المطلعون إنّ السعوديين اضطروا للتدخل في الاجتماع الخماسي من باب فرملة الاندفاعة الفرنسية وقطع الطريق أمام أي مشروع لرعاية طاولة حوار لبنانية بجدول أعمال موسّع وفضفاض. وتمّ الاتفاق في الدوحة على ترحيل الورشة الحوارية إلى ما بعد إنجاز الاستحقاق الرئاسي، أو بالأحرى نسفها من أساسها… مع العلم أنّ المطلعين يؤكدون أنّ بعض المسؤولين السعوديين كانوا يميلون إلى رعاية حوار لبناني- لبناني يُعقد مرة جديدة في مدينة الطائف السعودية، ولكن أن يكون محصوراً بالاستحقاق الرئاسي وما حوله من دون أن يطال التعديلات الدستورية، ولكن طبعاً، تمّ العدول عن الفكرة بعدما توسّع المشروع، ولو أنّ الثنائي الشيعي، عاد وأكّد على لسان مسؤوليه، من الرئيس بري إلى الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله التمسّك بالطائف. ولكن يبدو أنّ السعوديين لم يرتاحوا لتلك التطمينات.
وعليه، تراجع الفرنسيون خطوة إلى الوراء، فيما قرّر القطريون أن يكونوا أكثر حراكاً لا سيما من خلال تواصلهم المباشر مع الإيرانيين، مع العلم أنّ المطلعين على موقف السعودية يؤكدون أنّ الرياض لا ترى أنّ حظوظ قائد الجيش العماد جوزاف عون قد تسمح له بالوصول إلى قصر بعبدا نظراً لرفض الثنائي ومعهما جبران باسيل… فيما يؤكد المطلعون أنّ الاستحقاق الرئاسي يواجه أفقاً مسدوداً يصعب اختراقه في وقت قريب.