عماد الدين أديب – أساس ميديا
هل الخلاف بين الإمارات والسعودية خلاف “موضوعي” أم خلاف “شخصي”؟
هل هو خلاف حول قضية مصالح أم خلاف بين الشيخ محمد بن زايد والأمير محمد بن سلمان؟
هل هو خلاف “تحت السيطرة” أم مرشّح للانفلات والتدهور؟
هل هو خلاف قابل للإدارة والتنظيم بين الرياض وأبو ظبي، بمعنى يمكن أن نكون حلفاء وأشقّاء ونتنافس في المصالح، أم أن المسألة مطروحة بمنطق إمّا هكذا او إمّا فلا؟
العلاقة السعودية – الإماراتية للمرّة الأولى منذ ربيع 2015، تهبط بقوّة من مستوى التنسيق الكامل والتعاون الاستراتيجي على أعلى المستويات إلى حالة مهدّدة فيه بانهيار منفلت يصعب السيطرة عليه إذا تعدّى بعض الخطوط الحمراء
دون نفاق أو مجاملة نقول:
“لو تصاعد الاختلاف السعودي الإماراتي إلى خلاف ثمّ صراع، سوف ينفلت الوضع، وتقع المنطقة العربية ككّل، ومعسكر الاعتدال العربي، في كارثة محقّقة لا يمكن لملمة تداعيات انفجارها”.
العلاقة السعودية – الإماراتية للمرّة الأولى منذ ربيع 2015، تهبط بقوّة من مستوى التنسيق الكامل والتعاون الاستراتيجي على أعلى المستويات إلى حالة مهدّدة فيه بانهيار منفلت يصعب السيطرة عليه إذا تعدّى بعض الخطوط الحمراء.
إذاً وصل ملفّ الاختلاف في:
1- أوبك بلاس.
2- رحلات الطيران بين البلدين.
3- إيجاد مخرج لحرب اليمن.
4- الملفّ التاريخي لحقل “الشيبة” النفطي على حدود البلدين، البالغ انتاجيّته 500 ألف برميل يومياً.
إلى حالة تصدع، فإنّ الجميع سوف، وهنا أقصد مربّع العقلاء، سوف يخسرون خسارة هائلة في الأمن والمال والتحالفات والاستقرار.
أوّل الخاسرين الإمارات والسعودية نفسيهما:
لقد راهن كلٌّ من الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد، داخلياً ودولياً، على حالة التحالف القوية بينهما.
أيّ انكسار أو أيّ شروخ في هذا التحالف سوف تصب في مصالح البلدين والزعيمين، ويتم تجييرها لحساب كل من إيران وتركيا وإسرائيل وأدوات الإرهاب التكفيري في المنطقة.
ثاني الخاسرين هو دول مجلس التعاون الخليجي الذي اعتمد في السنوات الأخيرة على قيادة الرياض والتنسيق الكامل بينها وبين أبو ظبي.
ثالث الخاسرين هو معسكر الاعتدال العربي الذي يضمّ، بالإضافة إلى السعودية والإمارات كلّاً من مصر والأردن والبحرين والعراق والسودان والمغرب.
لو حدث، لا قدّر الله، صراعُ حادّ، فإنّ ذلك سوف يضع، كعادة العرب، كلّ هذه الدول في حالة خيار استراتيجي شبه مستحيل بين الرياض وأبو ظبي. وبالتالي سوف يزداد الانقسام العربي انقساماً، ويفقد الأمل الباقي في العقل والتعقّل والاعتدال قاعدته الاستراتيجية، وهي أبو ظبي والرياض مجتمعتان على كلمة سواء.
وكما في كل خسارة للبعض، فإنّ ذلك سوف يعني حزمة مكاسب لإعداد هذا التحالف.
المستفيدون هم: إيران وتركيا وإسرائيل.
المستفيدون هم: داعش والقاعدة والإخوان المسلمين والحوثيين وحزب الله والحشد الشعبي.
المستفيدون هم تجّار السلاح والتكنولوجيا والأمن السبراني في روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
هذه هي الحسابات الجيوسياسية، أمّا الأرقام فهي تعطي مؤشّرات أهمّ وأخطر لأهميّة العلاقة السعودية الإماراتية.
تبلغ الواردات السعودية من الإمارات 14 مليار ريال سعودي، وتبلغ الصادرات (غيرالنفطية) السعودية للإمارات 25 مليار ريال سنوياً.
تعالوا نناقش مسألة “الخلاف” الحالي في ملف “أوبك بلاس”.
الدراسة المحايدة غير المنحازة في هذا الملف سوف تسفر لنا عن وجود روايتين لهذا الخلاف.
أيّ انكسار أو أيّ شروخ في هذا التحالف سوف تصب في مصالح البلدين والزعيمين، ويتم تجييرها لحساب كل من إيران وتركيا وإسرائيل وأدوات الإرهاب التكفيري في المنطقة
الرواية السعودية التي يرويها وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، وهنا لا بد من ملاحظة الآتي:
1- منصب وزير الطاقة السعودي، وهي صفة ممثل الدولة الأكثر تأثيراً في الإنتاج والحصص.
2- صفة الأمير عبد العزيز كرئيس مجموعة “أوبك بلاس”، أي المُعبّر عن مجموعة الدول المنتجة، والمفوّض رسمياً بالتفاوض مع روسيا.
وهذا المنصب يُلزم صاحبه التعبير عن إرادة المنتجين، سواء من أعضاء أوبك أو مَن هم، خارجها، من أجل ضبط السوق، وضبط العرض، مع إمكانيات الطلب في سوق مضطرب متقلّب.
هنا تصبح معادلة الأمير عبد العزيز أو مَن يتولّى المسؤولية نفسها في “أوبك بلاس”، هي المحافظة على السوق من ناحية، والمحافظة على مصالح الأعضاء في الأسعار من ناحية أخرى.
هنا لسنا بحاجة إلى القول إنّ السعر سوف يحدّد الدخل من سلعة تمثّل لمعظم الأعضاء الخليجيين، ومنهم السعودية والإمارات، ما لا يقل 85% من إجمالي دخلهم السنوي.
3- العامل الثالث للأمير عبد العزيز بن سلمان هو شخص الرجل نفسه.
الأمير عبد العزيز خبير في هذا الملف، منذ ان تخرّج من جامعة الملك فهد للبترول، وأصبح متخصصاً في الإدارة الصناعية، وعمل في مجال النفط والطاقة لمدّة 34عاماً.
خبرة الرجل 34 عاماً من المتابعة اليومية أو التفاوض المضني والعلاقات القوية.
والرجل خبير محنّك عاصر الكثير من المفاوضات الصعبة جدّاً، أهمّها مسؤوليته عن إدارة ملف انضمام السعودية لاتفاقية التجارة العالمية، والتي قضى خلالها سنوات طويلة وشاقة.
معرفتي بالرجل تسمح لي أن أدّعي أنّه صبور وحكيم وغير ميّال إلى الظهور الإعلامي.
لو حدث، لا قدّر الله، صراعُ حادّ، فإنّ ذلك سوف يضع، كعادة العرب، كلّ هذه الدول في حالة خيار استراتيجي شبه مستحيل بين الرياض وأبو ظبي. وبالتالي سوف يزداد الانقسام العربي انقساماً، ويفقد الأمل الباقي في العقل والتعقّل والاعتدال قاعدته الاستراتيجية
من هنا أتت تصريحات الرجل الأخيرة لتؤكّد الخلاف الذي خرج من غرف التفاوض والتشاور المغلقة الى العلن.
ويقول لي دبلوماسي غربي إنّه لا يمكن تجاهل أن عبد العزيز بن سلمان، فهو ابن الملك وأخ ولي العهد السعودي. ومَن يعرف عبد العزيز بن سلمان، يعلم أنّ الرجل يحرص دائماً على عدم اللجوء إلى استخدام أيّ نفوذ شخصي في مقابلاته، ويتصرّف كموظف عام ومسؤول حكومي بانضباط شديد.
موقف الأمير عبد العزيز، الموقف السعودي، موقف “أوبك بلاس” المُتفاهِم مع روسيا بعد جلسات حوار مطوّلة، يلتزم سقوف حدّ الإنتاج المتّفق عليها حتّى نيسان 2022.
هنا نأتي إلى رؤية الجانب الإماراتي التي فهمتها واستوعبتها من مصادرها وأنقلها كما هي:
“نحن (أي الإمارات) كنّا دائماً وأبداً أكبر وأوّل داعم للدور السعودي في “أوبك” و”أوبك بلاس”، والتفاهم والتنسيق بيننا دائم ومستمر.
موقفنا من مبدأ تخفيض الإنتاج الجديد مبنيّ على مسألتين:
الأولى: تقنيّة تتعلّق بربط الإنتاج بمؤشّرات الإنتاج وحالة الطلب، وهي حالة غير واضحة وغير مستقرة، وفي حالة سيولة شديدة بسبب جائحة كورونا وطبيعة شكل الشتاء المقبل، ومدى حجم طلب بعض كبار المستهلكين أمثال الصين والهند، وهو أمر يتعلّّق بمعدّلات التنمية وحجم الإنتاج الصناعي لديهم في المرحلة المقبلة.
الثانية: هي أنّ الأرقام المتوفرة لدينا تؤكّد أنّ دولة الإمارات من أكبر المتضرّرين من عمليات خفض الإنتاج”.
وترى مصادر الإمارات أنّها لا تسعى لخلاف أو شقّ صف “أوبك بلاس”، لكنّها تسعى إلى الحصول على اتفاق عادل يحقق لها مصالحها مثلما تتحقّق مصالح الآخرين.
وتؤكّد هذه المصادر أنّ سلوك الامارات طوال 40 عاماً كان داعماً لسياسات أوبك، ومسانداً لسياسات السعودية.
والاعتراض الاماراتي “تقني” و”مالي” بالدرجة الأولى، خاصةّ وأنّ اتفاق “أوبك بلاس” الأخير سوف يخفّض إنتاج الإمارات بنسبة 18% مقارنة بخفض 5% للسعودية، ويعطي روسيا نسبة زيادة 5%، مع العلم أنّ 35% من الطاقة الإنتاجية الإماراتية متوقّفة عن الإنتاج.
العبارة التقليدية المتكرّرة التي نسمعها من الخبراء في الإمارات، والتي تُعتبر محور الخلاف المالي من منظور أبو ظبي، هي أنّ “نقطة الأساس المرجعية لحصص الإنتاج ظالمة لحقوق الإمارات”.
بالأرقام ترى الإمارات أنّ التزامها تخفيض الإنتاج حتّى نيسان 2022 سوف يكلّفها ما بين 55 إلى 60 مليار دولار. وبما يوحي بالفرص البديلة فإن هناك تصوّرات ودراسات جادّة في أبو ظبي يمكن أن تعطي بديلاً آخر غير “كارتيل أوبك بلاس”، وهو إنشاء بورصة سلع ومعيار خام خاص بالإمارات يجعلها تدير إنتاجها ومصافيها ومشتقاتها على النحو الذي يخدم مصالحها المشروعة”.
وأضافت بعض المصادر في الامارات أنّ “قرار قبول أو رفض او تعديل أو مناقشة أيّ قرار له علاقة بكمية الإنتاج داخل تجمّع “أوبك بلاس”، هو قرار مشروع وسيادي ومنطقي من جانب الإمارات، خاصة أنّها مسألة جوهرية ومصيرية تتعلّق بالمدخول الأساسي لاقتصاد الدولة، ومن واجب أي طرف أن يسعى لتعظيم دخله الوطني من خلال اتفاقيات عادلة، وعاقلة تراعي أوضاع الأسواق ومصالح الجميع”.
آخر ما قاله المصدر الإماراتي: “لقد راعينا مصالح الجميع لمدة 40 عاماً، ومن واجب غيرنا أن يراعي ملاحظاتنا ومصالحنا”.
هنا نأتي للسؤال الجوهري بعد كل ما سبق، هل الخلاف هو:
1- تقنيّ محض خرج عن السيطرة فظهر للعلن؟
2- أم هو مظهر لخلاف سياسي أعمق بين الرياض وأبو ظبي خرج في ملف “أوبك بلاس”، لذلك يمكن أن يكون بداية لاندلاع خلافات أخرى في ملفات ثنائية متعددة؟
الأمر المؤكّد أنّ الوضع دقيق وحسّاس ويحتاج إلى ضبط النفس والسيطرة عليه داخل قنوات الحوار البعيدة عن التراشق السياسي أو استغلاله من قبل وسائل التواصل الاجتماعي أو تلك القوى التي كان يزعجها التنسيق والتعاون بين الرياض وأبو ظبي وتسعى إلى إشعال النار على وسائل التواصل الاجتماعي.