منير الربيع – المدن
كما هو الحال بالنسبة إلى عدم امتلاك اسرائيل أو الولايات المتحدة الأميركية لأي رؤية سياسية مستقبلية حيال قطاع غزة، وصيغة حكمه، يتضح يوماً بعد آخر، عدم امتلاك واشنطن أو تل أبيب أو أي طرف دولي لرؤية حول كيفية ترتيب الوضع في جنوب لبنان، وإعادة الاستقرار إليه.
القط المحشور
تكتفي الدول التي تبدي اهتماماً بلبنان بنقل رسائل التهديد والتحذير الإسرائيلية، كما تقدم هذه الدول النصائح للبنان بضرورة تفادي تطور المواجهات الحاصلة إلى حرب حقيقية، وقد أكد أكثر من طرف دولي أن التهديدات الإسرائيلية بإمكانية شن حرب ضد حزب الله في لبنان، مسألة جدية ولا يمكن الاستخفاف بها على الإطلاق. ويشدد المسؤولون الدوليون على ضرورة أخذ اللبنانيين لهذه التهديدات بجدية وعدم الاستهزاء بها.
ليس هذا الجو الدولي محصور بالفرنسيين، الذين يكررونه في كل زياراتهم إلى لبنان أو لقاءاتهم مع مسؤولين لبنانيين. إنما هناك تقاطعات دولية عديدة حول هذه المعطيات، وهم ينقلون ما يسمعونه من الإسرائيليين، باعتبار أن تل أبيب في حالة توتر شديد ولا يمكن التوقع بما ستكون عليه قراراتها. وغالباً عندما يكون القط محشوراً في الزاوية فلا بد من توقع كل شيء. وحسب ما نقل ديبلوماسيون دوليون لمسؤولين لبنانيين، فإن الإسرائيليين وضعوا سقفاً مرتفعاً حول الوضع في جنوب لبنان، كما وضعوا سقفاً مرتفعاً لحربهم على غزة. وفيما لم يتمكنوا حتى الآن من تحقيق أهدافهم المعلنة في غزة، إلا أنهم يصرون على مواصلة القتال. وهذا يمكن أن يحصل في لبنان أيضاً، سواءً فشلت الحرب الإسرائيلية على القطاع أو نجحت، لأن اسرائيل مع الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وغيرهما من الدول يسعون إلى فصل جبهة لبنان عن الحرب على غزة، باعتبار أنها ستكون طويلة ولا يمكن للبنان أن يبقى في هذا الوضع طيلتها.
موقف الحزب
حزب الله لا يتجاوب مع كل الدعوات لوقف العمليات العسكرية، ويرفض فصل مسار الجبهة اللبنانية عن جبهة قطاع غزة، ويشترط وقف عملياته بوقف الحرب على القطاع. إذ عندها يكون مستعداً للعودة إلى ما كان الوضع عليه قبل 7 تشرين الأول وكأن شيئاً لم يكن. جواب الحزب هذا يعني أنه غير مستعد للبحث لا في القرار 1701، ولا في تعديله، إنما فقط العودة إلى قواعد الاشتباك السابقة التي سرت منذ العام 2006. أما بالنسبة إلى الإسرائيليين فقد أصبحوا في حالة حرج كبير، خصوصاً في ظل تهجير آلاف المستوطنين من منازلهم في المستعمرات الشمالية، وعدم قدرة هؤلاء على العودة طالما أن حزب الله مستمر بقوته وقادر في أي يوم على تنفيذ عملية مشابهة لعملية طوفان الأقصى. كما أن العمليات التي نفذها الحزب ضد الإسرائيليين تسببت بإحراج أكبر لهم، باعتبار أن الردّ لا يتناسب مع عمليات الحزب.
هذا أيضاً يخلق جانباً جديداً من السجالات والخلافات بين حكومة نتنياهو من جهة، والمعارضة من جهة أخرى، ولا سيما رئيس الوزراء السابق يائير لابيد، والذي عمل على التوصل إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان ومع حزب الله ضمناً. ففي معرض انتقادات لابيد لنتنياهو وعدم قدرته على حماية اسرائيل لا من حماس ولا من حزب الله، وبعدما تقدم لابيد بخطة متكاملة لمواجهتهما في حال توليه رئاسة الوزراء إثر دعوته نتنياهو للاستقالة.. جاءت الردود من قبل نتنياهو والمحسوبين عليه بأن لابيد عجز عن حماية الحدود البحرية لإسرائيل، وتراجع أمام ضغوط وتهديدات حزب الله وأمينه العام حسن نصرالله في مرحلة التفاوض للوصول إلى اتفاق حول ترسيم الحدود، عندما أرسل حزب الله مسيرات باتجاه حقل كاريش، وعندما أطلق رسائل التهديد.
أفكار ومخاوف دولية
تخلق السجالات الإسرائيلية حول حزب الله جواً أكثر توتراً، في ظل المساعي الأميركية والغربية لتفادي التصعيد وللجم تل أبيب عن القيام بأي مغامرة مجنونة ضد حزب الله ولبنان. انطلاقاً من هنا، تتكاثر التحذيرات الدولية للبنان وضرورة الوصول إلى اتفاق يؤدي إلى وقف العمليات العسكرية وتجنّب التصعيد، بالإضافة إلى تقديم اقتراحات عديدة لتحقيق ذلك، بعضها يتصل بالدعوات إلى تطبيق القرار 1701، وبعضها الآخر يقترح تعزيز وجود الجيش اللبناني واليونيفيل في الجنوب وزيادة عديدهما، بالإضافة إلى دعوة الحزب للانسحاب من جنوب الليطاني، مقابل فكرة أخرى حول إبعاد سلاحه الثقيل والمتطور إلى شمالي النهر.
على الرغم من كل هذه الأفكار، إلا أن لا رؤية واضحة حول كيفية تطبيقها والوصول إليها، وسط مخاوف دولية من إمكانية التصعيد تمهيداً لفرض التفاوض على الجميع. ومؤخراً عمل الإسرائيليون على تسريب معلومات حول وضعهم لخطة عسكرية لتنفيذها ضد حزب الله، إلى جانب تسريبات أخرى تتصل بإمكانية تنفيذ اجتياح بري، في مقابل وضع شروط تطالب الحزب بالتراجع عشرة كيلومترات عن الحدود. مثل هذه السقوف التي تضعها إسرائيل من شأنها أن تضعها في أعلى الشجرة، ولن يكون من السهل إنزالها عنها.
التهويل المتواصل
في هذا السياق، فإن بعض الرسائل الدولية التي نقلت إلى لبنان تشير إلى أن اسرائيل تتحدث عن مهلة تتراوح بين 6 إلى 8 أسابيع منحتها إلى القوى الدولية للوصول إلى صيغة لتفادي التصعيد، وإلا بعدها فإنها ستلجأ إلى توسيع نطاق المواجهة العسكرية، وأنها ستكون مستعدة للقتال على الجبهة الشمالية لأسابيع. جانب من التهويل الإسرائيلي، يتصل بإعادة الحديث عن اجتياح العام 1978، والذي سمي حينها بعملية الليطاني. ومن بين رسائل التهويل التي يتحدث بها الإسرائيليون، هي أن القرار 1701 تم الوصول إليه في أعقاب حرب تموز، والتي عنفت في الأيام الأخيرة للحرب، ومع التوغل البرّي الإسرائيلي داخل الجنوب وباتجاه مرجعيون.. حينها أصبح حزب الله يطالب بوقف إطلاق النار، ويوافق على مندرجات القرار وعلى النقاط السبع. وبالتالي، هم ينقلون رسائل تشير إلى أنهم قد يحتاجون إلى تنفيذ عملية عسكرية تتيح فرض اتفاق جديد أو تطبيق الاتفاق القديم. بالنسبة إلى حزب الله، فإن هذه التهديدات مرفوضة، وهو يضعها في سياق التهويل لتحسين شروط التفاوض، والوصول إلى اتفاق يعيد الاستقرار ويحفظ ماء وجه الإسرائيليين، ويسمح لمستوطنيهم بالعودة إلى منازلهم.
ويعتبر الحزب أنه في حال قرر الإسرائيليون المغامرة فإنهم سيتفاجؤون بحجم الضربات والخسائر التي سيتلقونها.